أضرار متعددة وفتاكة تحملها تلك المبيدات المختلفة على البشر والحيوانات والشجر والتربة والبيئة وطوائف نحل العسل.. ولعل أبرز مخاطرها فيما يخص الإنسان التشوه الخلقي والجيني والأورام وتسمم الجنين وطفرات «سرطانات» وتليف الكبد والأضرار بالأجهزة التناسلية وتشوهات جلدية وأخيراً العمى. وقد أظهرت عديد من الاحصاءات «رسمية وغير رسمية» أن اليمن من أكثر البلدان العربية التي تعاني انتشار أمراض السرطان وقد تجاوز العدد العشرين ألف حالة سنوياً صعوداً 2500حالة كانت في عام 1995م ويقدر مهتمون أن المرض يزداد سنوياً بمعدل 25% مرجعين السبب الرئيسي إلى المبيدات التي تستخدم بكثرة وعلى شجرة القات بدرجة أساسية كون أكثر الحالات تصيب الفم واللثة والمستقيم وتشير التوقعات الطبية إلى أن السرطان يهدد ربع سكان اليمن أي ما بين كل أربعة مواطنين احتمال اصابة أحدهم. وحسب تصريحات لمدير المركز الوطني لمكافحة السرطان بصنعاء الدكتور/نديم محمد سعيد فإن مابين «1617» ألف شخص يصابون بالسرطان سنوياً في اليمن بسبب المبيدات الزراعية المهربة والمستخدمة في زراعة القات والفواكه والخضروات.. مشيراً إلى أن حالات سرطان الفم واللثة تمثل 30% من إجمالي عدد المصابين. خطر متبقٍ وفقاً لتقديرات دولية فإن حوالي خمسة ملايين حالة وفاة سنوياً تسببها المبيدات وغالبية هذه الحالات وقعت في الدول النامية التي لا تسود فيها معايير السلامة الصحية.. وبالرغم من أن الدول النامية تستخدم فقط 25% من الإنتاج العالمي من المبيدان فإن الوفيات ذات العلاقة تشكل 99% من ذلك. وتكمن خطورة المبيد في أن ينفذ من خلال المسامات إلى الدم مباشرة نتيجة ملامسة المبيد سواء كان مخففاً أم مركزاً أثناء التعامل الخاطئ من اتخاذ اجراءات الأمان وكذلك عن طريق الملابس حيث تحتفظ بجزئيات المبيد بطول فترة ارتدائه وكذلك في حال وجود جروح أو درجة الحرارة عالية. كما أنه يصيب الإنسان بأمراض عن طريق الاستنشاق بمرور الجزئيات عبر الرئة إلى الدم الذي يحمله إلى جميع أجزاء الجسم وكذلك تلوث الأطعمة والخضروات بالذرات التي تتعلق بها لفترة طويلة. وقد حذرت دراسة حديثة حول المبيدات في اليمن من خطورة التأثيرات الضارة للمبيدات على المدى الطويل والناتجة عن استمرار التعرض لكميات صغيرة من المبيدات يومياً ولعدة سنوات حيث يؤدي إلى أمراض مزمنة، منها الأمراض السرطانية والتغيرات السلوكية والوراثية وأمراض الكبد والكلى. وتؤكد جمعية مكافحة السرطان أن 70% من حالات الإصابة بالسرطان تأتي بسبب الأثر المتبقي للمبيدات في المواد الزراعية. دور علمي مغيب الوضع حسب مهتمين في غاية التعقيد وأسباب عدة زادت من حدة ذلك فإلى الآن لا توجد بيانات احصائية لحالات التسمم والإصابات الخطيرة كالسرطان وتليف الكبد وحالات الوفيات وغيرها جراء الاستخدام العشوائي للمبيدات.. وعلى الرغم من كبر حجم هذه المشكلة في بلادنا إلا أنها لا تعطى الأولوية في المعالجة فالقدرات والتجهيزات اللازمة والمختبرات المتخصصة لفحص تلك المبيدات لاتوجد وكذلك الكادر المتخصص فدور المؤسسات العلمية والبحثية في غاية التغيب. ونتيجة لكل ذلك ظهر للعيان تجار سموم يشككون في أي اتهام يوجه ضد هذه المبيدات وبأنها المسئولة عن وفاة آلاف الضحايا مثلها مثل العمليات الإرهابية.. ولا فرق بينهما غير أن الأولى ضحاياها أجساد مكتملة. وقد تعجبت لأحدهم حينما صارحنى بأن ما نثيره ونكتبه كلام إعلام ومقايل ولا يمت للحقيقة بصلة.. مستدلاً بأنه لا يوجد حتى اللحظة أي دليل مادي أو اثبات علمي محايد يؤكد أن المبيدات تسبب كل تلك الأمراض.. فهناك حسب وصفه أسباب اخرى كالسجائر والمواد الغذائية المحفوظة وغيرها..!! تعز الأكثر تضرراً الأسباب التي ذكرها صاحبنا التاجر هي بنظري أسباب ثانوية لا ترتقي إلى عبث السموم الفتاكة التي يبيعها.. والمتأمل للإحصائيات السابقة يدرك بما لايدع مجالاً للشك أن مرض السرطان في بلادنا في ازدياد مطرد طالما المبيدات تتوارد من كل حدب وصوب لتصل عبر القات والفواكه والخضروات إلى كل بيت فتتراكم سمومها وتنفجر بشكل مفاجئ على هيئة أورام سرطانية. وهذا الازدياد يدعو إلى القلق ويستدعي تضافر وتكاتف الجهود الرسمية والشعبية لمجابهة ذلك.. والمؤسف حقاً أن المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان هي الحاضر الوحيد في هذه المواجهة وهي مؤسسة أهلية ينقصها الكثير من الخدمات وبحاجة ماسة لذلك التكاتف كي تؤدي واجبها على أكمل وجه. غير المركز الرئيسي في العاصمة صنعاء فإن لهذه المؤسسة فروعاً في محافظات عدن والحديدة وإب وفي منتصف العام 2007م افتتح فرع تعز والذي لازال حتى اللحظة ينتظر المبنى الموعود ويستجدي كل النفوس الخيرة حتى يتم ذلك. تواصلنا مع الأخ/مختار أحمد المخلافي مدير الفرع الذي أكد أن المبيدات السبب الأبرز للانتشار المريع لمرض السرطان في اليمن كاشفاً في الوقت ذاته أن تعز من أكثر المحافظات اليمنية تضرراً فمن اثنين وعشرين ألف اصابة بالسرطان في جميع محافظات الجمهورية تحتل تعز نسبة 13% وهي نسبة مقلقة للغاية. كما دعا المخلافي إلى تكاتف الجهود في هذا الشأن وعلى وجه الخصوص الجهد الرسمي وذلك من خلال منع دخول المبيدات إلى البلاد بكافة الطرق والوسائل المتاحة. ضحايا ولكن صغار كما أنه ونتيجة لتعامل «المزارع» المباشر مع تلك المبيدات خاصة في حالة «الرش» يبقى هو المستهدف الأول فكثير من المزارعين ونتيجة لانعدام الوعي لايوجد حرص لديهم في استخدام الملابس الواقية والكمامات وهذا بدوره يؤثر عليهم واطفالهم هم أول الضحايا. وقد كشفت دراسة ميدانية حكومية عن تعرض الأطفال اليمنيين العاملين في المجال الزراعي إلى الإصابة بأمراض خطيرة وبنسبة تصل إلى نحو 83&% من مجموع العاملين في المزارع التي شملتها الدراسة. وأشارت الدراسة التي اجراها فريق من وزارة الشئون الاجتماعية والعمل إلى أن 45% من هؤلاء الأطفال مصابون بالتهابات جلدية في حين تشكل نسبة الإصابة باحمرار العيون المصحوبة بالتهاب صديدي 30% وتحتل الإصابة بالأمراض المعوية 20% وبالمقابل تنتشر نوبات الصرع بنسبة 5%. وفي ذات السياق فإن فقدان الابصار في اليمن يمثل أعلى نسبة في الشرق الأوسط بسبب المبيدات التي يمتد تأثيرها أيضاً إلى الكثير من الشرائح العاملة في الزراعة بما فيها النساء والفتيات الريفيات اللاتي يعتبرن الأكثر عرضة لتأثيرات السموم. وكشفت دراسة ميدانية أخرى اجرتها وحدة عمالة الأطفال بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل عن انتشار أمراض خطيرة بين الفتيات العاملات في الزراعة إذ وجد في النتائج أن تأثير المبيدات على الفتيات اللاتى شملتهن الدراسة في مائة حالة دون سن ال18 في وادي حضرموت مديرية القطن وأن كافة الفتيات يعانين التهاباً حاداً في العيون والاختناق وضيق التنفس بسبب تعرضهن الدائم للمبيدات السامة. التربة تحترق في السابق كانت المبيدات آمنة ولا تستخدم إلا في نطاق النبات المتضرر.. واليوم وفي ظل هذه الطفرة المادية المزعجة صار ضررها يكتسح كل كائن حي على ظهر البسيطة.. وقد اظهرت ابحاث علمية مستجدة أن ضررها يضر التربة نفسها فيحرقها ويجعلها غير صالحة للزراعة فهل «أي المبيدات» تقتل الكائنات الحية في التربة وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان الخصوبة. وما كشفته الدراسات العلمية في هذا الجانب أن المبيدات تؤدي عموماً إلى انخفاض تعداد المواد الميكروبية الرئيسية في التربة «الفطريات والبكتريا» ويؤدي هذا أيضاً إلى انخفاض نشاط الميكروبات وإنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون واستهلاك الاوكسجين. ومن المعروف أن الكائنات الدقيقة في التربة موجودة بأعداد كبيرة وتعمل هذه الكائنات على هدم العديد من الكيمائيات مثل البروتينات والسكريات ومخلفات النباتات وغيرها كي تستخدمها مصدراً للمادة العضوية.. كما تعمل الأحياء الدقيقة الميكروبية من فطريات وبكتريا على سرعة تحلل وهضم المبيدات المتراكمة في التربة حيث إن التربة ذات المحتوى العالي من المواد العضوية الدبالية تكون أكثر كفاءة في انهاء المبيد الحشري.. والأخطر من ذلك أن المبيدات تتعدى مسامات التربة وتصل إلى مياه الشرب الجوفية التي لا غنى للبشرية عنها. خطر على البيئة يرى المهندس الزراعي عبدالله علي الشنطبي أن المبيدات تصل إلى البيئة بواسطة الرش المباشر على النباتات أو على التربة وعن طريق التناثر أثناء الاستخدام أو بواسطة التخلص من عبوات ومخلفات المبيدات وكذلك أثناء تفريغ المبيدات على التربة وفي قنوات الري ومصادر المياه. وأضاف الشنطبي: إن المبيدات تتعرض إلى الفقد على سطح التربة أو تتسرب إلى المياه الجوفية خاصة المبيدات ذات العمر النصفي.. بينما المبيدات التي لها درجة عالية من الامتصاص فإنها تميل إلى البقاء قرب سطح التربة وتكون بذلك عرضة للفقد السطحي.. أما المبيدات ذات الدرجة العالية من الذوبان أو الانحلال فإنها تتصف بقدرة عالية على الرشح والتسرب من خلال التربة. والأهم من ذلك حسب الشنطبي أن أكثر من 90% من المبيدات لا تصل ولا تستقر على الآفة المراد مكافحتها ولكنها تصل إلى البيئة بكل سهولة، وثمة تقديرات أخرى تفيد بأن مايؤثر فعلاً في أمانة الحشرات والآفات الأخرى لايزيد عن 1% فقط من كمية المبيدات المستخدمة وأن 99% منها يتسرب هنا وهناك في الأنظمة المختلفة. سلاح ذو حدين وتشير كثير من الأبحاث والدراسات بأن المبيدات سلاح ذو حدين ومضارها أكثر من نفعها فهي تؤدي إضافة إلى ماسبق إلى الاخلال بالتوازن البيئي والقضاء على الاعداد الحيوية فهي تؤثر على عدد كبير من الحشرات بما فيها المتطفلات والتي لها دور مهم في التوازن البيئي. كما أن تأثيرها فضيع على الحشرات النافعة «طوائف النحل» وتفتك بها بلحظات خاطفة وهو نفس التأثير على الحيوانات البرية كالأرانب والطيور وكذلك على الأسماك وهو ماينعكس سلباً على الإنسان الذي يتغذى عليها.. ورغم كل ذلك ما لاتفتأ أن تظهر سلالات مقاومة لتلك المبيدات بسبب تعرض الآفة إلى مبيد معين بشكل متتابع. فيما يرى الدكتور حيدرة علي أحمد مطلاء في دراسة قام بها حول مبيدات الحشرات وعلاقتها بتلوث البيئة في اليمن.. يرى بأن تلك المبيدات أحد ملوثات البيئة وبالرغم من فعاليتها وميزتها الاقتصادية إلا أن ضررها واضح على صحة الإنسان والحيوان كما أنها انتجت أجناساً جديدة من حشرات مقاومة بما فيها حشرات ناقلة للأمراض سواء للإنسان أو الحيوان.