أتساءل دائماً: هل فعلاً نرى الدنيا على حقيقتها؟! أتأمل كل مايحيط بي من ناس وأرض وسماء وجبل وبحر وواقع نعيشه لاأرى إلا لوناً ونمطاً واحداً، فقدت الحياة ألوانها، وأصبحنا معتقلين لفكر سائد وقناعات شائعة وأشياء لانعرف ماهيتها، واقع مسلم به وعلينا أن نفكر كما رسم لنا الاخرون. نتسابق مع الحياة لتحقيق الأحلام، السعادة الحقيقية في إشباع حاجات الروح وليس الجسد، مفهومي للحياة يختلف كثيراً عن مفهومهم، هل سأكون مضطرة لإعدام أحلامي ولبس الحداد عليها كي لا أخرج عن أعرافهم وأصبح مجرد شيء من أشياء كثيرة متشابهة! نظرت إلى ساعة الحائط، لا أصدق ماتراه عيناي لم يتبق سوى ساعات قليلة تفصلني على عقد القران وارتداء الفستان الأبيض، زغاريد النساء تملأ جنبات المكان وتعالت أرجاء البيت، فضج المكان بالتهاني والتبريكات، هذا يومي الأخير مع عائلتي، في المساء سأغادر إلى بيت رجل غريب وحياة أخرى تتمناها كل فتاة وتحلم بها، لكن حقاً أشفق على نفسي من القادم، يكاد الغيظ يقتلني، تمنيت في تلك اللحظة أن يرضخ القدر لإرادتي، هل فعلاً أصبحت كما تدعيني أمي«امرأة عانس»؟! إن العبرات تخنقني من تلك المقولة، لماذا تتعمد والدتي إيلامي وبات التجريح سبيلها الوحيد لتجبرني على شيء لا أرغب به فلا أمتلك خياراً آخر غير الرضوخ والاستسلام لها. حبست دموعي بصعوبة، واستدرت لرؤية فستان الزفاف الأبيض، هو من سيلبسني الليلة فلا رغبة لدي في ارتدائه، مازال صدى كلمات أمي يتردد على مسامعي وهي تنهرني قائلة: انظري للحياة من حولك وتأملي من هن أقل منك حظاً في الجمال قد تزوجن، الفتاة قيمتها تقل مع كبر سنها وقتها لم أر أمامي إلا سنوات العمر تصفعني وهي تنال من عزيمتي، عندما سألني والدي عن رأيي خامرني شعور بالخوف وأومأت رأسي بالإيجاب، قلت في نفسي: بعد عامين سأتجاوز الثلاثين، أصبحت مذ فترة رهينة نظرات الأعين التي تلاحقني شفقة ورحمة علي، أخواتي الأصغر سناً تزوجن وأنجبن وأنا المتمسكة بالدراسة ومن ثمة بهموم العمل والوطن، لم أحاول قط البحث عن مشاعر تحتويني، أجندتي اليومية ممتلئة بمواعيد العمل ولم يداهمني الشعور بالفراغ الذي كثيراً مايحول القلب إلى حجرة صالحة لسكن أي عابر سبيل كمعظم الفتيات. ياإلهي!! هل سأقبل بهذا المخلوق البشع المسمى«عريس» زوجاً لي؟! ميزته الوحيدة هي«المال» لهذا كانت والدتي متحمسة له لاتكف عن ملاحقتي بعباراتها التجريحية المعتادة عن شبح العنوسة واتهامي بالصلف والغرور، ومع ذلك بقيت محافظة على هدوئي لقد تعودت البكاء سراً وإسقاط دموعي في هدوء، قضيت أياماً في دوامة الحيرة والتشتت، استوقفتني أفكاري كثيراً، سأكون زوجة ثانية لرجل لا أطيقه منذ رؤيته للوهلة الأولى أثناء الخطبة، شعرت بالاختناق ولم أجد سبيلاً لأتنفس، فجأة لاحت في مخيلتي جميل ذكريات الطفولة فرغبت باسترجاعها علني أستريح، طفولتي كُنت مولعة بالتحليق والطيران أرى الكون فسيحاً، لم أكن يوماً ساخطة أو يائسة، أكثر طفلة محظوظة بالجمال والتفوق في الدراسة، لعلني لم أقم يوماً بعمل طائش أو ندمت على شيء أوعوقبت من والداي كنت امرأة ناضجة بعقل طفلة، دائمة الشعور تجاه نفسي بالثقة والفخر والاعتزاز، طالما مارست حقي في الحياة الحرة، نجاحي طيلة السنوات الماضية ألمحه كل صباح في بريق الارتياح الذي يشع عيني والبهجة التي ترتسم على شفتي. انتفضت فجأة على وقع خطوات أختي طالبة مني الاستعداد وتجهيز أشيائي وفستاني الأبيض للذهاب إلى الكوافير، لقد اقترب الموعد وازدادت حيرتي وترددي، لماذا لم أرفض واستسلمت لرغبة والدتي واعتبرته قدري المحتوم وكأني فقدت القدرة على تحديد مصيري، ضعفت وقبلت تحت الضغط أن أتنازل، هل هذا مااستحقه من الحياة؟ لم أشعر قط بالتعاسة أو أتحسر كوني عانساً، الآن ينتابني حزن عميق وأبتلع المرارة فيما لو تمكن هذا الكائن الغريب من دخول حياتي، هل أضحي بما فات كي أمحو عن جبيني لقب عانس؟!! الوقت يمضي وعلي أن أقرر.. أحسست برغبة لمعانقة السماء أسرعت للنظر إليها، أغمضت عيني فرأيت نور الله يغمرني ويشعرني بكل كياني، أشحت بوجهي ناحية الفستان الأبيض دنوت منه وحملته بين ذراعي، تنفست الصعداء فلأول مرة سأقدم على طيش نبيل وأتحرر من هدوئي وانقيادي وراء تقاليد بالية.