على شفا الزمن الرمضاني الأخير تتبدى بعض الملامح العيدية الشبوانية، وتتبارى الأفراح الجميلة على فناءات الموسرين، فيما تتراقص الأحزان على الأكواخ المهترئة، وتبقى المدن وبالأخص مدينة عتق مسرحاً للمتسوقين والمتسولين على السواء صحيفة الجمهورية طافت الأجواء الرمضانية الختامية السابقة للعيد في الاستطلاع التالي:شكل آخر اتسعت رقعة السماء وأوشكت المسلسلات الرمضانية على الإنتهاء، وبدأت مدينة عتق تتخذ شكلاً آخر في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، حركة دائبة تدب في أوصالها المكتظة بالبشر والمخلفات والمياه الراكدة الممزوجة بالصرف الصحي، ودكاكين فاغرة أفواهها لالتهام جيوب الزبائن السذج القادمين من أكباد الصحراء وبضائع رديئة تملأ الشوارع والأزقة، وأفواه جائعة تنتظر الزكاة والصدقات، وبطون ربطت على أمعائها بالعزة والدموع تنتظر فرج الله علهُ يأتي في ليلة قدر لم تزرهم منذ زمن، وتدور تروس اللحظات بين جوع وشبع وعبادة ودعاء، فيما تلبس الصحارى لوناً آخر، فتتراقص ذراتها طرباً بمقدم العيد الذي انطفأ فيه وهج رمضان المتقد، وتتسابق الجمعيات والمؤسسات في محاولة لإضفاء نصف ابتسامة على الوجوه البائسة واليابسة. سحر البضائع يهبط الظلام فتتحول البضائع الرديئة بفعل سحر المصابيح إلى بضائع رائعة وجميلة، ويتحول التجار الصغار فجأة إلى كبار بفعل المغتربين الذين يأخذون احتياجاتهم بلا مبايعة أو ترجل، فيسقط البسطاء في مهب الغلاء، وتتردد كلمة لله يا محسنين في كل زقاق، فيما ترتد الإجابة الناهرة: على الله مجلجلة في الأثير وفضاءات وفناءات المساجد، وتبقى مناسبتا رمضان والعيد مرتعنا لإبتياع المأكولات الشهية والملابس الفاخرة. يقول الباحث فيصل محمد سنان البريهي: إن المجتمع بحاجة إلى التوعية بمعنى رمضان والعيد، فالصلوات وقراءة القرآن والبكاء والخشوع وحدها لا تكفي، والأهم في المسلم أن يستشعر ما يعانيه أخوه المسلم المحتاج، وإلا فما الجدوى من الصيام إن لم يكن هناك فهم للغرض الحقيقي منه . واختتم البريهي حديثه متأسفاً: الناس أصبحوا ينامون اليوم كله ولا يصحون سوى عند الإفطار أو قبله بلحظات فلا يستشعرون معاناة جائع معدم، أو فقير محتاج، الأمر الذي يجعل شهر رمضان المبارك نوماً وأكلاً وتخزيناً فقط، نسأل الله أن يفهم الجميع معنى الشهر الفضيل. جمعية النشء الأفراح بالعيد ترتسم على الملامح الدسمة، فيما تختفي على الأكواخ والوجوه الضامرة، وتبقى وحدها جمعية النشء الحديث التي نزلت بأعضائها ميدانياً إلى مختلف مديريات محافظة شبوة، تقول الدكتورة إشراق ربيع أحمد السباعي رئيسة الجمعية: خلال هذا الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك 0341ه، وأثناء تدشيننا مع مؤسسة الصالح الاجتماعية في توزيع كسوة العيد، وبعد أن استلمنا من المؤسسة الصالح مائة قطعة، وأضفنا إليها ثلاثمائة قطعة وزعناها على مديريات عتقببيحان عسيلان ميفعة أو بالأخص على فقراء ومحتاجي هذه المناطق، وقد طفنا على المرضى في المستشفيات ومنحناهم من هذه الكسوة لنضفي البهجة عليهم، وعندما تغلغلنا في أعماق مديريات بيحان وعسيلان صدمتنا المفاجأة غير المتوقعة، حيث إن الكثير من أبناء هذه المناطق النائية يجهلون دعم مؤسسة الصالح الاجتماعية برغم الدعم السخي الذي توجهه للمواطنين، حيث إن القائمين على التوزيع مع الأسف لا يوصلون الدعم إلى الكثير من المحتاجين في هذه المناطق. وأضافت السباعي في سياق حديثها متسائلة: إلى أين يذهب هذا الدعم، ومن المسؤول عن عدم وصوله للفقراء، وإنني من خلال صحيفتكم الغراء أوجه النداء للمسؤولين على المؤسسة بالنظر في كيفية التوزيع، والتأكد من وصوله إلى الحالات الفقيرة والمعدمة، مع العلم لو أن هناك طريقة للتوزيع تتم بأمانة ومراعاة ضمير لغطت شريحة كبيرة من المحتاجين، ولكن التوزيع مع الأسف يذهب لأناس يوزعونها على أقربائهم وأصدقائهم تاركين من أضناهم الجوع وأعياهم الفقر ينتظرون وصول المساعدات. حارات صوفية في فضاءات الحارات الصوفية اختلاف عن بقية أوصال وقرى ومتاهات المحافظة موالد نبوية.. احتفالات وأهازيج تسبق العيد الذي تعتبر تباشيره أحلى من وصوله.. تسابيح وأناشيد، وقلوب صافية طيبة سموحة تتعانق بلا مصافحة، وبخور معتق الأنوف، وسعادات تسري في شرايين وأوردة العابرين المنصتين، حتى أنا الذي أحاول أن أتماهى في أزاهير هذه الأجواء الربانية، وأجد أناساً كثيرين مثلي على مصطبات الأمكنة الصوفية أو القريبة منها، ويبقى الحديث عن مسبقات العيد شغل الجميع، ثم تأخذني الخطوات إلى الأستاذ ناجي الشريف مدير عام التعليم بالمحافظة الذي حاول أن يضفي على أجوائه الروحانية أشياء جميلة معتبراً أن المكوث في المنزل خلال المساءات ينجي الإنسان من الخوض في متاهات الغيبات والنمائم. ويضيف الشريف في سياق حديثه الهادئ الحكيم: ما أفضل حين يقضي الإنسان وقته الرمضاني بين العمل والمنزل والعبادة، وما أعظم أن يجلس الإنسان وحيداً مع نفسه وأهله وأقربائه في سعادة بعيداً عن الصداقات الكثيرة التي تتبعها عداوات كثيرة مثلها. ثم اختتم حديثه بوقار قائلاً: لقد جاء رمضان محطة لراحة البال والتقرب للخالق سبحانه وتعالى في السر والعلن. قناديل الفرحة أجوب مديريات المحافظة السبع عشرة ، وتشتعل في أعماقي قناديل الفرحة السرمدية التي تضيء ليل المدن وليل نفسي، وتحتفي المنازل الطينية بذويها الواصلين من اصقاع الاغتراب، ويبقى العيد بوجه أحياناً، وبلا وجه في كثير من الاحيان، ويبقى تجار الدنيا خصوصاً أولئك الذين يبيعون الملابس هم الكاسبون المبالغ التي لم يكونوا يحلمون بها راكلين الفقر إلى ما لانهاية، وينتهي رمضان بتضاعف الثراء للأغنياء والعكس بالنسبة للفقراء الخجلين من وجه العيد أو العيد المستحيي من وجوههم.