أوقف سيارته و ودّعها بقبلة يقول دائماً بأنها بريئة.. بريئة جداً جداً واعداً إياها باللقاء في اليوم التالي.. ينطلق بسيارته من جديد تاركاً إياها في جنة لم تدخلها من قبل.. إنها الآن في سلّم الجامعة الكبير.. ويجب أن تنتبه إلى أن هذا اليوم هو أحد أيام الاختبارات التي حددتها إدارة الجامعة ويجب أن تخوضها بنجاح حتى تصل إلى بر الأمان لدراستها وحبها.. ما الدافع الذي زرعه في داخلها؟ لم هذه الرغبة في النجاح التي دفعها للحصول عليه..؟ هي لا تذكر يوماً ما منذ علاقتهما التي استمرت 3 سنوات بأنه دفعها للمذاكرة أو حتى الاهتمام بحضور المحاضرات.. ولكن كل ما كانت تسمعه منه كلمات حب رقيقة وصادقة ونابعة من القلب.. ووعد مزهر بالزواج. إذن لماذا تشعر بهذا الاهتمام بدراستها؟ يبدو أنها توصلت إلى أن حبه كان دافعاً للوصول لسلم النجاح حتى يمكنها تحقيق رغبتها في الاقتران به وتصبح بعدها بذلك قرينته الشرعية.. لن تخاف من أعين زميلاتها اللاتي طالما لاحقنها بالسؤال والاستنكار حينما يرونهما معاً.. لن تخشى أحداً بعد الاقتران به.. سيكون مثالاً للزوج الصادق الوفي الذي لن يتغير أبداً. توجهت نحو قاعة الاختبارات ولم تلحظ زميلاتها أو زملاءها وكان شرودها قد حجب عنها محفظتها وغابت عن القاعة في خيالها الواسع ولم تفق إلا على صوت المراقب وهو يطلب منها التحقق من بطاقتها الجامعية.. ابتسمت وأخرجت له البطاقة ثم وضع أمامها ورقة الأسئلة وقامت بتوقيع اسمها بين الحاضرين في القاعة في سجل الأسماء وبدأت في حل الأسئلة.. السؤال الأول: اشرحي كيف بدأت الحركات المناهضة للاستعمار في الوطن العربي؟. ويحه من أستاذ عنيد.. ما بال السؤال لا يفارقه أينما ذهب؟ ويقحمه في جميع اختباراته الفصلية.. وبعد تقطيبة منزعجة تحولت إلى ابتسامة هادئة راضية بعد أن تخيلت الأستاذ وهو يحول السؤال إلى: اشرحي كيف بدأت العلاقة بينكما وإلى ما ستنتهي؟.. وكادت تضج بالضحك لولا أنها خشيت ظن المراقبين بأنها تحاول الغش وكتمت ضحكتها وبدأت في الحل. لأجله ستحاول أن تنجح وستبذل جهداً جباراً حتى تثبت له بأن حبه دفعها للنجاح. استغرقت في الإجابة حتى وصلت للسؤال الأخير وظلت حائرة بعض الشيء في الإجابة عنه ، كان يبدو غامضاً وفي خاطفة صغيرة من الوقت تذكرت بدايتهما الجميلة حينما كانت آتية للتسجيل في الجامعة لأول سنة دراسية، وصادفته ماراً بسيارته وما إن لمحها حتى ظل يطاردها حتى باب الجامعة الرئيسي دونما كلل أو ملل من صمتها.. وتذكرت بالذات كلمته التي دفعتها للصعود معه.. لقد قال لها بعد أن أشفق عليها من نظرات المارة: لو سمحت يا آنسة اصعدي معي لأوصلك.. يا آنسة... فالشمس محرقة.. وغرضي شريف..!!. بعدها كانت العلاقة وتطورت وآن لها أن تنتهي بالزواج لقد وعدها وهو صادق .. يا إلهي ما بال هذا السؤال يقف حجر عثرة أمام نجاحي سأتركه معتمدة على إجاباتي السابقة. تجمع حاجياتها، ترفع يدها مستأنسة بالخروج من القاعة، تسلم ورقة الإجابة للمراقب وتنطلق خارجة كالفراشة باحثة عنه.. هو لم يخبرها بأنه سيأتي لاصطحابها للمنزل، وعدها بالمجيء في اليوم التالي. انتظرته وانطلقت خارجة من المنزل ملهوفة للقائه، تصعد سيارته، يلقي عليها كلمات حب لا تدري من أين يأتي بها!! تنزل من سيارته داخل الجامعة ويودعها بقبلة يقول بأنها بريئة.. بريئة جداً جداً!!. تتوجه نحو قاعتها لتأدية الاختبار ومازالت تبني بيتها الجميل الذي ستسكنه بينما هو في الجهة الأخرى وفي ممر الجامعة أيضاً! يبطىء محرك سيارته. يسير بها ببطء، بجانب فتاة جامعية أخرى قائلاً لها بكل ذوق وأدب: لو سمحت يا آنسة، اصعدي معي لأوصلك فالشمس محرقة.. وغرضي شريف!!.