حطمت قلبه دون تحفظ وأدت فيه حلماً وحيداً .. الحلم الذي تراءى لي في شرفتي عينيه الناعستين وهو ينسف لقد بدت لي بشرته القمحية بلون القش لا فرق بينها ولون قميصه لم احتمل ، فتحت عيني عن رؤية بريق بعينيه حيث ينبوعهما كانا يستعدان في الواقع أنا لم افعل بل تركت ظهري ليواجهه وما ان انتهيت إذ فرّهو..! كنت ارمقه وهو يهرع متجهاً إلى البعيد، كان يعدو كفهد اطلق من قفص .. ! يالوحشتي يالصلابة قلبي، تركه نهباً للريح ..! فقط لأنني عريته بما اكتشفته صدفه وما فعلت .غير أني كشفت ..! وكم كنت مشوهة وإلى حد التفزز..! ويحيى يحيى، اصبته بعنف ..توجهت طلقة الغضب خارج التوقع.. إذ رأيت قلبه يحتضر ..وهو يركض .. ثم انه تمثل في عيني وهو يتباعد كشبح الموت لاشك ان قلبه الملصب تعفر كذلك الاتربة أنا متأكدة لأن روحي لحقت به فأحسست بطعم الغبار في فمي .. شممت مع ذلك رائحة الدم لأشم انه عمل الريح .. بل هي .. الأمر الذي قررت بعده أن أكون بقية عمري غباراً. تعودت من قبل كلما عدت إلى البيت من الخارج ان اغسل يدي وقدمي جيداً وان أبدل ملابسي التي ارتديها بأخرى معقمة، كنت لا احتمل ادنى تلوث .. بل امقته .. كنت بالفعل كذلك وها أنا الآن ثورة غبار! كما اعتدت أن لا اخفي عنه شيئاً إلا أنه لم يكن يرتاح لتصرفاتي تلك، كان يقول عنها فقاعات ولم يحدث ان جادلته قط ..نعم .. آثر فؤاد الهرب. فكانت فجيعتي به تحيلني إلى لا شيء غير أن روحي كما ذكرت - تبعته مباشرة، هو لم يرفضها، أنا واثقة ذلك لأنه تروى حينها وسار بهدوء ثم كان أن توقف للحظات حتماً كنت وقتها اتهاوى إلى داخله. لست أدري لم عدت إلى البيت بعد ذلك ؟ ولكنني وصلت لم اثر انتباه أحد حتى أمي ..ولا خادمتي التي ابتسمت بدهشة ، ربما لأنني دخلت بطريقة مختلفة ، كنت احتضن نفسي حينها خشية سقوط شيء مامنها تواريت في حجرتي أخيراً وأغلقت الباب. وفيها لم افعل شيئاً غير أني غصت بتأنٍ بين الفقاعات ، تعمقت، فكان ما بيني وبيني: - انك هناك بينما أنت هنا ! - حسناً لعلي اتفهم الآن ما برأسي - أنا بالفعل احاول ، - كنت تستلذين ربما بكأسه الشفاف ، وإن كان شائباً ! أو لم يكن ضعفاً !؟ والآن أنت فيه غبار؟! - فعلاً هاهو ذا مذاقه معترياً لساني ابتعلت هذه المرارة وارتفعت إلى السطح صمدت طويلاً ثم استقمت بعد أن همست لنفسي بثقة : بل ثمة ما يجذبني إلى جنون آخر... وهذا ما سأفعل وبدأت من حيث بدأ. ظلت المسافة تتعمد الإمتداد،إلا أن تضاريس هيئته الخلفية النازحة بعيداً بقيت كما هي تتخلق بوضوح أمامي لذا ارتطمت سيارتي الجديدة بمؤخرة سيارة تليها، ربما كان سائقها يحاول العوم، لا أدري، ذلك لأنني لمحت كفيه وهما تظهران ثم تختفيان، فلم يكن سوى رجل المرور قريباً من أذني، ظل كذلك لفترة، لا أذكر عنه غير تنهيدة، دفعته إلى مد يده إلى الطريق، فكنت أسرع في اتجاهها. وصلت إلى شارع متسع ومزدحم، يضج بأشياء كثيرة. تجولت عيناي، كما يفعل القلب الآن: «بالتأكيد هو يراني، فأنا مازلت لديه،إنه يركض». أنا واثقة تماماً مما أقول، حيث لم تناكر أخاديد وجنتي ما ساقته الرياح إليها من رذاذ عينيه الغارقتين، كانت السخونة مرتفعة وقد كنت اختنق من شدة الرطوبة. اقتحمت الازدحام مع الضوضاء، شاهدت وجه الشمس حانقاً، تواريت بين حشد من السيارات هرباً منها، فأقع بين ازدحام عجيب.. كنا جميعنا كتلة واحدة لم ننفصل كما نرغب.... ظلت كذلك إلى أن شعرت بألم شديد بعد أن ترددت تلك... كلماتي القاسية على ذاكرتي بصوت عال: «ألا يكفيك أنني قبلت البارحة ما قدمته لي في حفلة خطوبتناً، بعد أن تغاضيت عن كونك مجرد بائع في متجر بسيط ؟ والآن ما قيمة شهادتك الجامعية أمام حقيقة اليوم دعها إذاً تشفع لك.. هيا.. » سرحت بعيداً في غمرة الازدحام ليظهر هاجس بغيض يدفع بي إلى أجواء قاتمة «الغروب هناك يكتسح سماءك بقوة.. إنه ينبئك بحلكة مطبقة» ليكن سأدثر المجهول إلى حين سأمتص الآن هذا الطلاء إنه يثقل شفتي المرتعدتين يبدو ان عليّ ان ارتشف حتى الهواء هذا، اغمضت عيني واستنشقته ببطء وقلت «لم لا ؟ أليس هو ذات الهواء الذي ينتعش برئتيه اللحظة »؟ إنني كذلك، بينما هؤلاء لهم امزجتهم، فالباعة المتجولون بين السيارات المتتابعة ومن أمام الإشارة الحمراء ينسلون بأعجوبة، ويتركون غباراً يدوم، مثله مثل اشباههم الرشيقين، إنما كل مشاهداتي الجديدة هذه المرة منحتني وبوفرة إدراكاً لمعنى الضجيج.. لكنني ولسبب لم أطق فتحت باب سيارتي وصحت برجاء: كفى كفى دعوني الآن أصغي إلى وقع أنفاسه بانتظام. أغلقت الباب، وتوقف السير لتطل رؤوس من هنا وهناك ..ومن هناك ثم تفوهت صائتة : « إنها مجنونة... مجنونة» قلت لنفسي : «لابأس. لقد حزت منهم على شهادة صادقة وموثقة بالإجماع... كما وهبتهم شعوراً بالارتياح» أنا محقة كونها عادت إلى الداخل سعيدة، ثم تثاءبت.. ! حسناًِ... أنتم لن تسعفوني ! ولكن سأنتقم. من وسط الزحام كنت اتقفز كأبرع أرنب بري وحدها الاشارات من تفهمني، ونجحت وكلما تقدمت أجد غباره أكثر إثارة في حين تسحبني ذاكرتي إلى الوراء، إلى سنوات الدراسة، كان اسمه دائماً ما يتصدر اسماءنا في قائمة إعلان النتائج، كانوا يحترقون غيظاً بينما سعادتي لاحدود لها بعدها سبقت دراجته النارية، غير أن عينيه طالما غمرتاني بالرضا. تذكرت ذلك فازددت تحليقاً في مدار النقع العظيم هذا، لينثلج صدري بعدها. وهمست له حيث أنا : «هاهو وجهك يتضح أمامي، يبدو أشد سطوعاً وحجمه هذا، ترى ألأنني اطلقت سراح غبارك في ظهيرة اليوم !!؟ أم لعلك مبتهجاً بجنوني ؟ ولكن أنظر أنني أبدد كل الفقاعات». كان من الطبيعي أن اقفز بخفة إلى هنا.. إلى الرصيف الذي يفصل بين الشارعين.. ذلك لأنه شيء داخلي نال استقلاله أخيراً وتأكدت حين التفت إلى الخلف، لقد شاهدت الشيء الآخر وهو يتبعثر تحت عجلات السيارات المسرعة، ولم يلبث أن اختفى بين الظلام قبل ذلك، سمعت منه «عودي إنه يسخر منك». بالتأكيد أنا لا أكثرت لم اتراجع... واقتربت، حسبت بدقة حجم مربعات الرصيف انها بحجم خطواتي، كما قسمت بقلبي مسافات الجهات الأربع ثم تمعنت في تضاؤل القمر، فواسيت بصري «ولكنه واحد يراه الجميع وأنا وهو ويرانا أيضاً» ثم «لعله قريب» صرح حدسي. تقدمت لأسحب ثانية إلى الوراء ولكن بألم هذه المرة «لقد اوهمتني بغير حقيقتك، تزينت بمهارة، وأنت في الحقيقة لاشيء لاشيء مجرد لقيط أحد البراميل، لطفاً لاتقترب ... إنك تشعرني بالغثيان. كان هذا آخر ما بيننا... إنها خاتمة بشاعتي وسخفي، لكنها كانت بداية لشيء آخر وآخر آمله. وهنا ليظل غبار يطارد غباراً... في شوارع مزدحمة ومتخمة بكل شيء ولم يبق من الأمس سوى صدى في سماء هذا المتسع أمامي، بين كيان مدينة مجنونة مترعة بالغبار، صدى بقي مدوياً حتى اللحظة. فؤااااد.. فؤااااد فقط، دع غبارك هذا يعترف بي.