يدشن الجهاز المركزي للإحصاء في فبراير القادم عملية مسح شامل لعمالة الأطفال في عموم محافظات الجمهورية، في خطوة تهدف لتأسيس قاعدة بيانات حديثة وتفصيلية لحجم وخصائص عمالة الأطفال في اليمن، وإعطاء صورة واضحة ودقيقة عن الأوضاع المعيشية لأسر الأطفال العاملين بشكل خاص، بما يسهم في تطوير السياسات والبرامج التنموية والمساعدة في تقديم المعالجات والحلول المناسبة للحد من الظاهرة . وتعد عمالة الأطفال في بلادنا معضلة اجتماعية واقتصادية ذات أبعاد متعددة، وتتطلب مزيدا من تكاتف الجهود الرسمية والمنظمات المدنية والفعاليات الشعبية، للعمل في سبيل الحد من هذه الظاهرة بل القضاء عليها، واعادة من وقعوا في براثنها إلى جادة الصواب والمتمثلة في مقاعد الدراسة . شراكة وطنية في التصدي للظاهرة ويؤكد مسؤولو البرنامج الوطني لمكافحة عمالة الأطفال(آيبك) ان البرنامج يعمل بالشراكة مع جهات محلية ( رسمية ومدنية ) وفقا لمرحلة تعد هي الثانية (2006-2010) من مراحل المشروع من الخطط والبرامج الهادفة إلى مكافحة عمالة الاطفال، ومن شركائه الرسميين، وزارات « الشؤون الاجتماعية والعمل و التربية والتعليم ووزارة الاعلام ووزارة الشباب والرياضة إضافة الى وزارة التعليم الفني والتدريب المهني . وفي هذا الصدد قالت المدير التنفيذي للبرنامج الاستاذة جميلة علي رجاء: ان المشروع يقوم بتمويل العديد من الوحدات في هذه الجهات الحكومية بالامكانات والمهارات وبناء القدرات وتأهيلها وفقا لخطط البرنامج وموازناته المالية .. منوهة الى ان البرنامج يقوم بدوره في التقويم والمراقبة والمتابعة اليومية واعداد تقارير دورية مابين ثلاثة الى ستة اشهر عن سير العمل في هذا الاتجاه. ونوهت مسؤولة البرنامج بأن افتقار البرنامج لقاعدة بيانات إحصائية حقيقية تعكس الواقع الفعلي لحجم عمالة الاطفال ، قد شكل معضلة حقيقية امام عمل وجهود البرنامج وخصوصا في بداياته الأولى من عمله.. مشيرة إلى أن البرنامج يكرس جهوده وكافة امكانياته خلال المرحلة الثانية للعمل بهدف الوصول الى قاعدة بيانات دقيقة الى حد ما عن حجم عمالة الاطفال في سوق العمل، وتحديد طبيعة وماهية الاعمال التي يمتهنونها من خلال اجراء مسح شامل، وكذا معرفة المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى مثل الفقر والتعليم وتأثيرها على عمالة الاطفال .. معتبرة هذا المسح بانه اهم خطوة تهدف للوصول الى الأرقام الواقعية لحجم ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن . مؤشر لحجم الأزمة : الى ذلك يؤكد خبراء واختصاصيون اجتماعيون ان العامل الاقتصادي يتصدر قائمة الأسباب التي تدفع بالأطفال بشكل مباشر الى سوق العمل او تحت تاثير إيحاءات مغلوطة، او من أسرهم بإجبار الطفل البحث عن عمل ومزاولته ، اوبشكل غير مباشر بالتغاضي عن ذلك.. مشيرين الى ان ثمة اطفالاً يعولون اسراً بكاملها.. ويرى هؤلاء في ظاهرة عمالة الأطفال، مرآة وعدسة تعكس حجم الأزمة الحقيقية للتنمية البشرية والاقتصادية في أي بلد من البلدان ، ومؤشراً حقيقياً يوضح مدى المشاكل التي يعاني منها هذا البلد، وكذا معيارا رئيسياً لمستوى الانجازات في القطاعات الرئيسية ذات العلاقة الصحية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والخدمية وغيرها.. مشددين على ضرورة إيجاد شراكة حقيقية بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني وكذا الشركات والجهات التجارية التي يمكن ان تساهم لايجاد مشروعات صغيرة، يقوم خلالها المصدر الممول بمنح قروض للاسر الفقيرة لتمويل هكذا مشروع من المشروعات الصغيرة او المتوسطة يدر دخلاً على الأسرة ومنها اسر الأطفال العاملين.. مؤكدين ايضاً على ان ذلك سيكون له اثر ايجابي ومباشر يؤدي الى انخفاض اعداد الاطفال في سوق العمل بشكل ملحوظ وملموس ، او انه سيؤدي الى تقليل ساعات عمل الاطفال على اقل تقدير. دوافع وظروف متشابكة الدراسات والأبحاث الميدانية توضح في نتائجها ان الظروف الاقتصادية والاجتماعية تلعب دوراً رئيسياً في تحديد هوية الطفل بشكل كبير كجعله ينمو عاملاً ومهنياً وهذا ما يبدو مألوفاً وطبيعياً لدى الكثيرين . حيث كشفت دراسة بحثية أن 90 بالمائة من الاطفال العاملين يعملون مع اسرهم ومعظمهم من الفتيات خاصة في المناطق الريفية، فيما يعمل ما نسبته 8 بالمائة في أعمال خاصة بعيداً عن متطلبات ومحيط الأسرة. الدراسة أشارت الى ان ظاهرة عمالة الاطفال في اليمن ترتبط بالعديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية وفي مقدمتها الفقر والبطالة والزواج المبكر للفتيات وتعدد الزوجات بالإضافة إلى الأسباب المرتبطة بتناول القات وعادة التدخين الا ان دراسة علمية أجريت مؤخراًَ أكدت ان هناك ما بين 13 الف و15 الف طفل يعملون في شوارع المدن الرئيسية في عموم محافظات الجمهورية. وأظهرت الدراسة التى أعدها مركز تأهيل الأطفال العاملين، بأن الفتيان يشكلون نسبة 80 بالمائة من الأطفال العاملين في الشوارع والنسبة المتبقية من الفتيات. وبحسب الدراسة فقد احتلت مدينة ذمار المرتبة الأولى في عدد الاطفال العاملين بنسبة 21 بالمائة تليها مدينة صنعاء بنسبة 19 بالمائة ثم الحديدة بنسبة 18 بالمائة فيما توزعت النسبة المتبقية على المناطق الحضرية الأخرى في الجمهورية.. وبينت الدراسة ان 40 بالمائة من الأطفال العاملين في شوارع المدن يقومون ببيع الصحف والماء ومواد غذائية وبعض الوجبات السريعة بواسطة عربات اليد والباقي يعملون في مساحات مفتوحة في الهواء الطلق او في اكشاك في اماكن محددة من الشوارع.. وطبقاً لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء فإن عدد الأطفال الذين يشتغلون في سوق العمل بلغوا عام 1999م نحو326 ألفا و608 أطفال وهو ما يمثل نسبة (9.1بالمئه) من إجمالي القوى العاملة اليمنية. فيما قدرت وزارة الشئون الاجتماعية والعمل الأطفال الاناث في سوق العمل بنحو(51.6بالمئه) مقارنة بالذكور الذين بلغت نسبتهم (48.6بالمئه) من إجمالي الأطفال في سوق العمل.. وبحسب دراسة للاتحاد العام لنقابات عمال اليمن فإن أكثر من 90 بالمائه من اجمالي الاطفال العاملين يتمركزون في الريف، والبقية في الحضر، كما يتركز عمل الأطفال بصورة مكثفة في المجال الزراعي بنسبة 92 بالمئة مما يجعلهم اكثر عرضة للأمراض الخطيرة بسبب استخدام السموم والمبيدات الزراعية، فيما يعمل 4.8 بالمائة منهم في مجال الخدمات و2.5 بالمائة عمالة غير محترفة وتمثل نسبة الإناث منهم ما يقارب 51بالمئة. مخاطر عمل الأطفال ويواجه الأطفال في سوق العمل مخاطر كثيرة جراء ظروف العمل وكذا خطورة المهن التي يمتهنونها والتي لاتتناسب مع أعمارهم وتكون فوق قدراتهم، وبعيداً عن الأجواء الصحية والسلامة المهنية بمزاولتهم لاعمال تسبب اضراراً جسدية للطفل العامل قد تصل في بعضها الى الموت او اصابته بعاهات مستديمة او امراض مزمنة ومن ذلك استخدام الاطفال في رش القات بالمبيدات الكيماوية ، او العمل في المناجم وكذا على الماكنات في ورش الخشب والحديد . حيث اكدت دراسة أجرتها المنظمة السويدية لعمالة الأطفال بالتعاون مع منظمة اليونيسف الى أن ثلث الاطفال العاملين في سوق العمل اليمني تتراوح ساعات عملهم بين40 الى اكثر من 57 ساعة أسبوعياً، متجاوزين بذلك ما حدده قانون العمل في مادته (45)، بسبع ساعات في اليوم و42 ساعة في الأسبوع . الدراسة أشارت الى أن نحو 50 بالمائه من الأطفال في سوق العمل يتعرضون لتحرشات غير أخلاقية، و32بالمئه يتعرضون لتحرشات عادية، و1.2بالمئه يتعرضون لتحرشات جنسية . ولاحظت الدراسة التي شملت عينة قدرها 1900طفلا وطفلة من العاملين في محافظات عدنوالحديدة وتعز وصنعاء ،أن 28بالمئه من هؤلاء الأطفال يعملون باعة متجولين، وهو ما يعرض 25 بالمائة منهم لأمراض ناتجة عن تغيرات الطقس و 7 بالمائه لأمراض معدية . حيث أفصح 32 بالمائة ممن شملتهم الدراسة ان الحياة مرهقة وشاقة بالنسبة لهم،كونهم يمارسون أعمالاً متعبة لا يرغبون في مزاولتها لكن الظروف المعيشية تضطرهم لذلك.. كما يشكون بأنهم لا يلقون معاملة طيبة من جانب أرباب العمل الذين يعملون معهم . وكشفت الدراسة أن تدني مستوى الأجور التي يتقاضاها الاطفال هو من الأسباب الأساسية التي تدفع أرباب العمل بإتجاه تشغيل الاطفال وزيادة حجم عمالتهم، حيث لا يتعدى أجورهم نسبة 43 بالمائة من متوسط الأجر الوطني. جهود ومساع لمواجهة الظاهرة ولأن عمل الطفل ينطوي على مخاطر وأضرار كثيرة على سلامة صحته ونموه ونفسيته وسلوكه كفرد وعلى الاسرة والمجتمع في الحاضر والمستقبل، فقد تضافرت الجهود الوطنية نحو التعامل الايجابي مع هذه الظاهرة عبر مجموعة من الخطوات والبرامج والمشاريع الهادفة.. كان آخرها إعلان وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لائحة بأسوأ الأعمال والمحظورة على الأطفال في سوق العمل والتي حددت اكثر من 72 مهنة خطرة على الاطفال دون سن 14 عاماً، بالإضافة الى إقرار العقوبات على من يخالف الأسس بشأن عمالة الأطفال او تهريبهم والاتجار بهم، بالحبس من خمسة الى 10 سنوات حسب نوع المخالفة . وتهدف اللائحة حسب مدير وحدة مكافحة عمالة الأطفال منى سالم، الى توفير الحماية القانونية والصحية والاجتماعية ونشر الوعي للطفل وتحديد مستويات العمل وحظر الأعمال الخطرة كما تشترط اللائحة بلوغ الاطفال سن 14 عاماً على الاقل لممارسة بعض الاعمال الخفيفة وان لا تكون ضارة بصحتهم أو نموهم الجسماني والعقلي أو تعطل مواظبتهم على الدراسة. ووفقاً للائحة فإن من أسوأ أشكال عمل الأطفال التي يجب القضاء عليها يتمثل في استخدام الأطفال لغرض الدعارة والعمل الجبري والقسري مثل الدفع بالأطفال في صرا عات مسلحة أو نزاعات قبلية او تشغيلهم في أنشطة غير مشروعة ولاسيما ترويج وبيع المخدرات او الأعمال التي تضر بصحتهم او سلامتهم او بيع الأطفال والاتجار بهم وكذا إجبارهم على العمل.. ونصت اللائحة على ان لاتزيد ساعات العمل اليومي للطفل عن ست ساعات بحيث يتخللها فترة راحة أو اكثر والا يعمل الطفل اربع ساعات متتالية كما تحظر تشغيل الأطفال مابين السابعة ليلاً وحتى السابعة صباحاً. كما تسعى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل من خلال استراتيجية الطفولة والشباب الهادفة الى تأهيل الشباب لسوق العمل بحسب متطلبات التنمية من خلال تشجيع الشباب على الالتحاق بالتعليم الفني والتدريب المهني، الى جانب تعزيز دور الاسرة في التوعية بخطورة ظاهرة عمالة الأطفال والعمل على محاربتها من خلال تأمين فرص العمل والرعاية الاجتماعية للأطفال.