إذا أردت التعرف على الازدهار الأدبي والفني بمدينة عدن منذ أربعينيات القرن الماضي، قم بزيارة مركز «العزاني» للتراث والتوثيق الفني، وإذا أردت الاستماع إلى الحفلات العامة في العصر الذهبي للغناء والموسيقى بعدن ومدن أخرى غير عدن، قم بزيارة مركز «العزاني» زره أكثر من مرة واختر ما تشاء لتشنف أذنيك بروائع الغناء الحديث والتراث بأصوات وعزف أساطين الغناء اليمني ومشاهيره وفنانيه الكبار وغير الكبار، وليس الغناء والموسيقى وحدهما في مكتبة المركز، بل ستجد فيه تسجيلات نادرة لأدباء وشعراء وشخصيات وطنية في مناسبات وطنية واجتماعية مختلفة، ووثائق مهمة وإرشيفاً يحتوي على النادر والممتع والمفيد، وصور تاريخية. في مكتبة مركز «العزاني» ستلتقي بالرواد والكبار من مؤسسي الندوات الموسيقية والفرق الموسيقية في عدن ولحج وأبين وحضرموت، وستلقي بموسيقار اليمن الكبير أحمد بن أحمد قاسم في حفلاته الشهيرة وبروائع محمد مرشد ناجي النادرة والمشهورة، وستلتقي بفيصل علوي الطفل والشاب والكهل، وبروائع العطروش الوطنية والعاطفية، وبتجليات محمد سعد عبدالله، وغيرهم كثير، مشهورين ومجهولين من معظم المحافظات والمدن اليمنية وتسجيلات لفنانين عرب، ففي مكتبة المركز نحو أربعة آلاف اسطوانة، وعشرات من أشرطة «الريل» ومئات من أشرطة الكاسيت، وكلها تمتعك بتسجيل نظيف عبر أجهزة حديثة وأخرى قديمة قد لا تجدها في متحف متخصص بحفظ الصناعات القديمة. قلت قبل عدة سنوات في مقال نشر في صحيفة «الثقافية» إن محتويات مكتبة مركز «العزاني» لا تقل أهمية عن المحتويات القيمة والثمينة المصنوعة من الذهب الخالص التي وجدت في قبر الفرعون «توت عنخ آمون» وأدهشت العالم بروعة وجمال النحت والتصوير والذهب الكثير، وفي مكتبة مركز «العزاني» لايوجد ذهب، ولكن محتوياتها أغلى من الذهب، بقيمتها الفنية والتاريخية والوطنية، كنز ثمين من التراث والحديث في الغناء والموسيقى والشعر اليمني ، جمعه ووثقه وحافظ عليه المهندس الراحل علي حيدرة العزاني، مضحياً بالجهد والوقت والمال والصحة أيضاً، ومقتطعاً جزءاً غير صغير من منزله المتواضع للمكتبة واستديو التسجيل الذي شهد تسجيل مئات الأغاني لعدد كبير جداً من الفنانين بمصاحبة الفرق الموسيقية الكبيرة، وليس العود والدربوجة والمزمار، كما يحدث اليوم ولم تكن الأغاني كلها عاطفية بل وأغان وطنية أيضاً تحرض الاستعمار البريطاني آنذاك مما ألت عليه غضب الإدارة البريطانية في عدن، ثم أنشأ الراحل العزاني شركة «وادي الألحان» للأسطوانات التي تسجل في الاستديو وتطبع في الخارج، وكانت الأغاني الوطنية تهرب إلى الخارج عبر مدينة تعز وتعود عبرها إلى عدن في اسطوانات. ومنذ أن بدأت أكتب في الفن في العام 2000م، كتبت عن عدد كبير من الفنانين والأدباء وكبار الإعلاميين وغيرهم، لكن القليل منهم كتبت واكتب عنهم بشغف وعواطف جياشة، نظراً لريادتهم ولما قدموه من عطاء كبير بتواضع كبير وحرمان كبير ومعاناة أكبر، ومنهم المهندس الراحل علي حيدرة العزاني الذي كتبت عنه مقالات عددها يؤهلها لتتحول إلى كتاب رغم عدم معرفتي به شخصياً بل لم أسمع عنه وعن كنزه الثمين إلا في العام 2004م حين رشحني الزميل العزيز الراحل استاذي شكيب عوض، لإبنه الراحل عبدالله العزاني الرئيس الأسبق للمركز للتعاون في مجال التغطيات الصحفية والمتابعة الإعلامية لنشاط المركز، على أن علاقتي بالمركز وأبناء العزاني ماكانت لتستمر لولا انبهاري بالمهندس الراحل علي حيدرة العزاني وبما حفظه لليمن من كنز فني ثمين متغلباً على القواهر والظروف الصعبة، ملبياً نداء الوطنية الصادقة والمخلصة وحبه للفن وعشقه للتوثيق، ولو تقديري لأفراد أسرته الكريمة التي حافظت على المكتبة بعد رحيله في 1984/12/18م رغم شغلها لحيز كبير من منزلهم المتواضع، دون أن تستلم لإغراء الفلوس في حال قبولها بيع محتويات