أخذ مكانه المعتاد في المقهى ,المكان الذي أفرغ فيه سنوات عديدة من حياته هو ورفاقه الثلاثة (فنجان القهوة .الأرجيلة.الصحيفة).أصبحوا علامة فارقة في هذا المقهى .تبدأ الطقوس برشفة من القهوة تعقبها أنفاس متوالية من الأرجيلة ثم يبدأ بتصفح الجريدة إبتداء من الصفحة الأولى ..عفواً الصفحة الأولى لديه هي التي تتواجد فيها مقالة كاتبه المفضل سمير فاضل .يحلق مع كلماتها ,يغوص في أعماقها ,غالباً ما يجد نفسه بين سطورها وما إن ينتهي منها حتى يحلق ثانية ولكن نحو حلم رافقه سني حياته .أن يصبح كاتباً متميزاً كسمير فاضل . إعجابه بهذا الكاتب وصل حد الهوس ..حد الحسد ..شهرة ..مال ..حظوة عند علية القوم ..حياة ترف ودعة ..شاهده مراراً في التلفاز ..لم يكن بذاك المتحدث اللبق ولا المحاور الجيد ولكنه قلم يقطر جمالاً وإبداعا ...إمتدت به مسافات التفكير الطويلة .وقف في إحدى التقاطعات عندما حانت منه التفاتة عفوية صوب المقعد المجاور والذي غالباً ما يحتله شاب نحيل الجسم يقضي وقته بين قلم وورقةوسيجارة .لا تسمع له صوتاً كأنما هو أبكم .كان المكان خالياً إلا من ورقة تركها الشاب بعد رحيله .امتدت يده بفضول نحوها وبدأ يقرأ ..كان حديثاً شيقاً يبحث في الحب المفقود في هذا الزمن .الحب الذي وئد في عصر طغيان المادة , المشاعر الجميلة التي إبتلعتها لجة المصالح الشخصية ..أحرف صادقة رصفت بعناية واقتدار..أعاد قراءتها مرة أخرى ثم طوى الورقة ووضعها في جيبه الى حين . في اليوم التالي وفي ذات المقهى - مساء الخير أستاذ - أهلاً مساء النور - عفواً ..يبدو أن هذه الورقة سقطت منك بالأمس . - آه ..شكراً ..فعلاً لقد نسيتها - مقالة رائعة . - شكراً لهذه المجاملة اللطيفة - العفو ليست مجاملة ..بل حقيقة .. - أكرر شكري إنتهى الحديث ولم تنته القصة بعدما أن أخذ مكانه المعتاد في المقهى حتى بادره الجرسون بالقهوة والأرجيلة .بدأ يقلب في صفحات الجريدة وهو يداعب فمه بمبسم الأرجيلة . وقعت عيناه على صورة كاتبه المفضل سمير فاضل وهي تعلو مقالته اليومية ..قرأ سطورها الأولى وسرعان ما وضح عليه الإهتمام والإنفعال ..تجهم وجهه كأنما وقعت عيناه على أمر جلل ..كانت المقالة تبحث في الحب المفقود في هذا الزمن ..الحب الذي وئد في عصر طغيان المادة .المشاعر الجميلة التي ابتلعتها لجة المصالح الشخصية ...طوى الصحيفة ثم ألقاها جانباً ..ارتشف ما تبقى من القهوة الباردة ..أخذ نفساً من الأرجيلة القابعة عند قدميه ثم نفث الدخان بقوة وطفق يراقب سحب الدخان المتصاعدة.