الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأساسية التي تتحمل المسؤولية الأولى في تنشئة الأبناء ورعايتهم.ويتفق الباحثون وعلماء النفس على أن الأسرة هي أهم عوامل التنشئة الاجتماعية للطفل، وهي الأقوى تأثيرا في شخصية الطفل وطباعه، ومن خلالها يكتسب الطفل السلوك الاجتماعي، ومعظم القيم الأخلاقية والعادات التي تحدد سلوكه، وتتحكم في تصرفاته وتطبعه بطابع معين قد يلازمه طوال حياته. وتلعب التنشئة الأسرية دوراً حاسماً في تنمية القدرات الحركية والقدرات العقلية والخصائص النفسية للطفل،وعليها يتوقف معدل النمو في هذه الجوانب بغض النظر عن مستوى الاستعدادات أو القدرات الموروثة لدى الطفل, ذلك أن معاملة الوالدين لأبنائهم تحدد درجة إشباعهم لحاجاتهم النفسية (مثل الشعور بالأمن وحب الاستطلاع والحاجة للإنجاز والحاجة للاستقلالية)، وحاجاتهم الاجتماعية (الحب والتقبل والتقدير والانتماء) وحاجاتهم الجسمية (الغذاء والحركة واللعب). لقد أثبتت الدراسات أن العلاقات الأسرية عامل حاسم في تشكيل اتجاهات الطفل الصغير نحو ذاته ونحو الآخرين ونحو الحياة بوجه عام، كما أظهرت أن فقدان الأمن العاطفي يؤدي إلى تأخر نضج الطفل من النواحي النفسية والعقلية، وأن فقدان الحب والحنان في العلاقة مع الوالدين يؤدي إلى اضطرابات انفعالية ومشكلات سلوكية، وأن الحرمان يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس. وبشكل عام يمكن القول بأن الصحة النفسية للأبناء في مراحل نموهم المختلفة ترتبط بنوعية العلاقة والتفاعل بين أفراد الأسرة التي ينشأون فيها. إن القسوة في التعامل مع الأطفال أو الخبرات غير السارة التي مروا بها قد تؤدي إلى حدوث تغيرات دائمة وضارة في تركيب المخ. ويترتب على هذه التغيرات حدوث مشكلات سلوكية وصعوبات في التعلم والنمو لدى هؤلاء الأطفال. وقد توصل باحثون من جامعة هارفرد إلى أن حجم الحزمة العصبية التي تربط بين نصفي المخ، وتنقل المعلومات بينهما، أصغر لدى الأطفال الذين تعرضوا للأذى البدني أو الجنسي أو الإهمال من قبل الوالدين بمقدار 40 %، مقارنة مع متوسط حجم المخ لدى الأطفال الذين لم يتعرضوا لمثل هذه الخبرات ، كما أن الضغوط النفسية التي قد يتعرض لها الأطفال نتيجة الظروف الأسرية الصعبة (مثل الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو سوء الاحوال الاقتصادية...) قد تصبح حالة مزمنة يرافقها مشكلات تكيفية حادة مثل العصبية، والحركة الزائدة، والعدوانية، والإنسحاب والضجر، وفقدان الدافعية، وتدني مستوى التحصيل الدراسي، بالإضافة إلى مشكلات مرضية كآلام الرأس والبطن التي لا يعرف لها أسباب عضوية ظاهرة (طنجور، 2001). ولعلنا هنا نسوق أبرز معوقات الإبداع في ظل الأسرة منها تدني المستوى الاقتصادي ، والنسبة المرتفعة للأمية في أوساط الأسر اليمنية ، بالإضافة إلى إلقاء مسئولية التربية على كاهل أحد الأبوين دون الآخر . وقد أشارت بعض الدراسات إلى تفوق الأطفال الذين يتعاون الآباء والأمهات في تربيتهم على الأطفال الذين تتولى الامهات رعايتهم في التحصيل الدراسي والدافعية للإنجاز وحب الإستطلاع ومفهوم الذات والإبداع، كما تفوقوا عليهم في مستوى النضج الاجتماعي والانفعالي. وفسر الباحثون هذا التفوق على أساس الأثر الإيجابي الذي يترتب على تعاون الآباء مع الأمهات. حيث أن هذا التعاون يساعد الأبناء على اشباع حاجات لا يشبعونها إلا مع آبائهم، ويقدم دعماً نفسياً للأم يرفع من كفاءتها في التعامل مع أبنائها ورعايتهم. * إخصائية اجتماعية - عدن