فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام الإمامي: خطاط وتنافيذ
مذكرات أحمد محمد نعمان
نشر في الجمهورية يوم 14 - 02 - 2010

ينقسم اليمن إلى قسمين: شافعية وزيدية، الزيدية هؤلاء هم أتباع الإمام وشيعته، الجنود منهم، إذ لم يكن يجند من الشافعية، وإنما يجندون دائماً من القبائل الموالية لهم العساكر والعمال (مسئولي المناطق) والموظفين وحكام المناطق، أي قضاة الشرع على أعتبار أن المذهب الزيدي مذهب الإمام وهو المذهب الذي يعتقدون أنه الصحيح وبالتالي ينبغي أن يسود في البلاد ويحكم بقواعده وقوانينه لم يكن هؤلاء الزيود يشتغلون كثيراً بفلاحة الأرض ولا بالتجارة، بل كانوا تحت السلاح يلبون نداء الإمام للجهاد في سبيل الله، ويطلق عليهم “المجاهدين في سبيل الله”، حتى إنهم ينصبون أعلاماً كبيرة يكتب عليها اسم الإمام “أمير المؤمنين نصره الله”، والجهاد تحت ظل السيوف، وكان شعارهم “جعل رزقي تحت ظل رمحي”، باعتبار إنهم يغزون البلاد الكافرة فتصبح بلاد الكفار غنيمة لهم.
وكل من كان غير موال للإمام لايعتبر في نظرهم مسلماً كاملاً إذا لم يكن مرتبطاً بعقيدة الإمام وولائه ومذهبه حتى إنهم وضعوا قاعدة يقولون فيها: “من أنكر على الإمام بقلبه فهو فاسق، ومن أنكر عليه بلسانه فهو كافر، ومن أنكر عليه بيده فهو محارب، وفي كل الأحوال فهو عاص يستحق العقوبة”، حرموا حتى الإنكار بالقلب مع أن الله سبحانه وتعالى لايحاسب عليه يقول النبي: “إن الله لايحاسب أمة عما حدثت به نفسها”، حتى أن الناس يساقون أحياناً إلى السجون ولاتعرف الأسباب التي أدت إلى إدخالهم السجون، ولايمكن أن يسأل الإمام لأنه فوق الشبهات وخليفة الله في الأرض، وخليفة الله لابد أن يكون متصفاً بصفات الأصل، والله يقول لايسأل عما يفعل وكذلك الخليفة لايسأل عما يفعل وتعتبر قلة أدب أو خروج عن المألوف أن تسأل الإمام لماذا تصنع كذا، إذا قلت لماذا؟ يقول لك لأن الإمام ينظر بنور الله ولايمكن أن يأخذ أحداً بدون سبب، وهكذا قد يتحدث الإمام بنفسه ويجيب عن التساؤلات التي يشعر أن الناس يتساءلون بها عن سبب حبس فلان، فيقول إن فلاناً هذا خبيث لايحبنا، أو هذا فلان نيته غير سليمة، وهكذا فهؤلاء الشيعة موالون للإمام بهذه الروح، ولكن كيف يمولهم الإمام؟ كيف يعطي المرتبات لهؤلاء المرتزقة والموالين، منهم الجنود يوزعهم على أنحاء اليمن وفي مراكز اليمن؟
فيجعل كل جماعة منهم وكل قبيلة تحت اسم شيخ من مشائخ هذه القبائل عند الحاكم الفلاني في المنطقة الفلانية، يبقون هناك ليتكسبوا.
ماذا يصنع الحاكم بهؤلاء القبائل؟ أي فلاح يبلغهم عنه خروج أو سوء أو مطالب للحكومة، أو يكون عليه واجبات؟ ، ضرائب جائرة، للحكومة، يرسلون إليه جندياً لينفذ به الحكم، وهذا الجندي يأخذ أجر المسافة التي قطعها إلى بيت الفلاح من الفلاح ويأخذ أيضاً أجر المبيت إذا بات عنده ليلة أو ليلتين، فتكون ضريبة على الفلاح ويكون الجندي ضيفاً عنده ويسمونها “الممسى”، ثم أن الفلاح يطعم هذا الجندي مما لايستطيع أن يطعم به نفسه، هكذا كانوا يرغمون على الاعتناء بغذاء الجنود، ولكن عندما ظهرت حركة الأحرار وتقوت بدأت الشكاوي تزداد إلى الإمام وتضج من هذه الأساليب، وتطالب بأن يوجد جيش له مكانة وله رزقه كذلك أحياناً لم يكن للجيش ثكنات، فكانوا يدخلون بيوت الفلاحين جاعلين منها ثكنات وعلى الفلاحين أن يخدموهم وأن يقدموا لهم كل مايلزم من الخدمات.
هذه من الأسباب التي أدت إلى الثورة، ضج الناس وقالوا نريد إيقاف التنافيذ والخطاط، “التنافيذ” إرسال الجنود على الفلاحين، يجب أن تنشأ خطوط للاتصالات ويتصل بالمطلوب لحضوره بدلاً من أن يستخدم الجندي ويذهب ثم يقبض الأجور مقابل الذهاب من الفلاحين، هذا من جهة التنافيذ وهناك “الخطاط” عندما تتذمر القرية، يبعث إليها جيش من هذه القبائل ليحتل القرية ويعيش على حساب أهلها وينهب أثاثها وكل مافيها حتى تصبح القرية معدمة، ويعتقلون الرهائن ويأخذونهم، فهذه شيعة الإمام وجنوده يعيشون معه على هذه الطريقة.
فلما بدأ الإمام أحمد بعد ضجة الأحرار وبعد أن أخذ الناس يضجون، يحاول أن يغير من هذه الأساليب، دون أن يجعل للقبائل موارد ولامصانع ولا أعمال يشغلهم بها، عندئذ بدأ السخط ضد الإمام، لا لأنه خرج عن جادة الصواب، بل لأنهم حرموا من الأموال، ووجد للإمام منافسون من إخوته يثيرونهم أيضاً، قائلين أن الإمام يستمتع بالأموال ويخص جماعة أخرى بحراسته والعمل معه ويلغيكم أنتم، كانت هذه صورة من الأحداث التي أدت إلى سخط الشيعة على الإمام ومحاولة قتله والخروج عليه والثورة، بسبب حرمانهم لأنهم لايدرون كيف يعيشون ولايجدون فرص عمل أخرى لكسب العيش دون حاجة إلى تسليطهم على الرعية.
كنت قد ذكرت لكم أنني رجعت من صنعاء إلى القاهرة وأردت أن أقدم رسالة إلى عبدالناصر، وكما قلت، رأينا أن الأمور لاتحتمل، وأن مصر يجب أن تتخذ سياسة غير هذه السياسة التي كانت تتبعها آنذاك في اليمن، وخطر في بالنا أن عبدالناصر لايعرف شيئاً عن هذا فلما حملونا على الخروج تحت تلك الأسباب التي شرحناها، كانت تثار ضدي بالذات دعاية بأنني أنا الذي أعمل ضد المصريين، وأن الصحف في سوريا نشرت أنباء ضد مصر حينما كان الخلاف محتدماً بين سوريا ومصر، وأن هذه الأنباء لايمكن أن تكون من أحد إلا من نعمان، وأنه هو الذي نشرها، كنت قد مكثت خمسة عشر يوماً في صنعاء ولما رجعت إلى القاهرة كانت هذه الأنباء قد انتشرت، ثم كانت تنشر أنباء عن سوء التصرفات، وعن تدخل المصريين، وتمس بالبيضاني، وتقول إن بينه وبين أنور السادات قرابة أو صهارة، وبالتالي فإن السادات هو الذي أراد أن يجعل منه واجهة، فكان السادات يسمم الجو عند عبدالناصر ويقيم الحجب بيني وبين عبدالناصر لهذا قررت أن أكتب مخلصاً رسالة لعبد الناصر على أمل أن الحقيقة محجوبة عنه، ولكن من أي طريق أبعث إليه؟ ثم تمكنت من بعثها عن طريق كمال رفعت الذي كان وزير العمل، وكمال رفعت من الرجال الممتازين وكان له رأي في أسلوب التعامل مع اليمنيين غير رأي أنور السادات والمشير عبدالحكيم عامر، فذهبت إليه وقدمت له رسالة وشرحت له الأوضاع، وكان شاركني في وجهة نظري ثم قلت له: أريد أن تقدم هذه الرسالة إلى الرئيس عبدالناصر، وكان تاريخها يوم 14 نوفمبر 1962م، لأن الثورة قامت في 26 سبتمبر ونحن رجعنا في أواخر اكتوبر من اليمن، وفي 14 نوفمبر قدمت الرسالة وكان القاضي الإرياني قد وجد فرصة للالتقاء بعبد الناصر.
رسالة النعمان إلى عبدالناصر
ماهو فحوى الرسالة؟
فحوى الرسالة كما أذكر هو: كان في الزمن القديم سليمان بن داود، وكانت في اليمن بلقيس، وكان طير أسمه “الهدهد” ذهب إلى سليمان بن داود يقول له: “أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين”، وأنا الآن أعتبر نفسي الهدهد في القرن العشرين، وقد جئتك من سبأ بنبأ يقين، وأحطت بما ربما لم تحط به علماً، لم أقل كما قال الهدهد أحطت بما لم تحط به، وكنت أكثر من الهدهد تواضعاً وجعلت عبدالناصر أكبر من سليمان وقلت له أحطت بما ربما لم تحط به علماً، وشرحت له القضية، وقلت له إن الشلة التي تحكم اليوم مع البيضاني أسوأ من الشلة التي كان الإمام أحمد يحكم بها اليمن، وأنا أؤكد لكم أن هناك حقيقة تتصرف بحياتي وتدور معي في هذه الحياة، إنني أتعامل مع الناس ومع الحكومة على أساس مصلحة اليمن، ولولا أن هذا هو مدار تحركي في حياتي ماخرجت على الإمام احمد الذي أنقذني من الموت وأنا متهم بالخروح عليه وبقتل أبيه، وهو الذي يقول إن البدر عيني اليمنى ونعمان عيني اليسري، ولكن كانت اليمن وقضيتها أثمن من كسبي الشخصي، وأنت تتعلق بك أحلام العروبة وآمال العرب، فلا أريد لهذه القداسة أن تصاب بشيء، من الشبهات والشكوك فيما يتعلق بقضية اليمن، فإن الأمور تسير على غير مايقتضيه العدل وتقتضيه المشاعر العربية والكرم العربي والخلق العربي، فأناشدك أن تستدعي من رجال اليمن الإرياني والزبيري والشيخ محمد علي عثمان ومجموعة من هؤلاء الرجال لتبحث معهم قضية اليمن حتى لا تذهب الامور إلى غير ماقصدت أو أردت، وإني أؤكد لكم أن الأمور إذا سارت على هذا النحو فإن الجمهورية العربية المتحدة ستخسر كرامتها وسمعتها وهيبتها.
بهذا التحديد وهذا اللفظ أرسلت الرسالة سنة 1962م بعد الثورة بشهر ونصف.
لقاء النعمان بالسادات
وأخذت انتظر الرد، فلم يأتني الرد، ولكن بعد أسبوعين من تقديمها استدعاني أنور السادات، فلما أتيت جلس بوجه عابس، وفي ما قال نوع من الكلام يوحي بالحقد المرير، ومما قال: “لقد دعوتك لأحدد معك موقفاً من مسألة اليمن، فسوف لن نشتغل فيها إذا كنتم ستخونوننا وتتهموننا، الرسالة التي أرسلتها للرئيس عبدالناصر”، وأعطاني إياها: “ماكنت أحسب أن نعمان بهذه الروح، سوف يعمل لنا أكثر من السوريين”، قلت له: “لقد قدمت الرسالة إلى الرئيس عبدالناصر، على أساس إنه المرجع وأنه الأب، فأردت أن أعطيه بحسب إخلاصي، حسبي أني كنت مخلصاً، وأنا لم أقدم بياناً لدولة أجنبية ولا رفعت لمخابرات ولا نشرت في الصحف، ولكنني عرضت للمسئول الأول عن القضية لأنها قضية خطيرة”.
وأضاف: “جاء في الرسالة أن البيضاني صهر أنور السادات ويريد أن يؤثر على الناس بهذه الدعوة، فمن أين لك إنني صهر البيضاني”.
فقلت له: “هذا مايرويه ويتحدث به للناس ولكن هذا ليس بالمهم عندما رأينا أنك تسيء الظن بنا، وجدنا أنه من الأفضل أن نعرف الرئيس عبدالناصر بأعتباره المرجع الأول والأخير لنا.
وأنا الآن لم يعد يهمني شيئاً من هذا، كل مايهمني هو أن زوجتي مصابة بالانفصال الشبكي في عينها والعملية لم تنجح في مصر، فأريد أن أسافر إلى ألمانيا الغربية للعلاج، وأترككم تتصرفون كما تريدون فتلك نصيحة قدمتها”.
قال: “على كل حال لم أتوقع أن تشتمنا وأن تحمل علينا؟ “قلت له: “هذا ليس فيه شتيمة وليس فيه أي شيء”.
كانت هذه هي العقدة التي بدأت بيني وبين المصريين، ومن ذلك الحين ابتعدت عنهم وخرجت إلى ألمانيا الغربية، وكان ذلك في أواخر ديسمبر قضيت هناك شهر ديسمبر وعدت في فبراير 1963 إلى القاهرة على أساس أن اعتزل العمل، فألحوا على أن أتولى منصب المندوب الدائم في الجامعة العربية، من أجل خدمة القضية.
وقالوا إن الأمور تتحسن الآن، والأمور تسير إلى خير، وإن أمريكا اعترفت بالجمهورية.
النعمان مندوب اليمن
لدى الجامعة العربية
عند ذلك أصبحت مندوباً دائماً في الجامعة العربية وبقيت في هذا العمل لمدة سنة وكانت الأمور في اليمن تزداد سوءاً، والحرب دائرة وأردنا أن نحل المشكلة من خلال الجامعة، كنا نتحدث إلى الأمين العام للجامعة وإلى السفراء العرب الذين يتعاطفون معنا ويتجاوبون مع سعينا للحل، ونقول لهم يجب على العرب أن يتدخلوا لحل القضية، بينما كانت مصر لاتريد أن يتدخل احد من العرب، كان المصريون يعتبرون أن عملي هذا ضدهم، فيثبطون كل مشروع حتى لا تتدخل أية دولة أخرى بشئون اليمن غير المصريين، ولكن من جهات متعددة دفعنا الكثير من الدول للمحاولة، إلى أن اتخذوا قراراً بضرورة خروج لجنة من الجامعة العربية للاتصال بالسعودية وبالأردن وبصنعاء، وقد حصل الإجماع، حتى السعوديين الذين كانوا حاضرين في مؤتمر القمة العربي وافقوا على هذا القرار، لم نطلب سوى أن تخرج لجنة للتوفيق، لانريد أن تخرج لجنة لتدين أية فئة من الفئات, ليس بيننا وبين السعودية خصومات، وإنما نعتبر أنفسنا أخوة وجيران، وكنا نقول للآخرين إن أساس الخلاف هو بين مصر والسعودية، وليس بين اليمن والسعودية، ولم يكن دخول مصر إلى اليمن إلا لكي تتخذ من اليمن خطوة إلى السعودية لم يكن عملها في اليمن لوجه الله أو لوجه اليمن، أو لتستنقذ اليمن وتحرره، ولكن لتتخذ منه قاعدة للوثوب إلى السعودية أقنعت هذه الحقائق الكثيرين من مندوبي الجامعة الذين رفعوا إلى حكوماتهم، وهذا أدى إلى إتخاذ القرار بأن تتدخل الجامعة العربية، وقلنا ليست الأمم المتحدة أقرب لنا من الجامعة العربية حتى تأتي الأمم المتحدة لتتولى القضية.
وإذا كانت مصر والسعودية تقبلان بتدخل الأمم المتحدة، وباتفاقية انفكاك بين السعودية ومصر تحتاج إلى بعثة من الأمم المتحدة تصل إلى اليمن وتقيم فيها لمنع الحرب، فلماذا لاتكون الجامعة العربية أقدر منها على ذلك، فقرروا عند ذلك أن يذهب أمين عام الجامعة ورئيس الدورة في تلك الفترة، وكان رئيسها الدكتور ناصر الدين العاني متجاوباً ومتفاعلاً، وكان آنذاك وكيل وزارة الخارجية العراقية ومن خيرة رجال العرب، أتخذ القرار وخرج الإثنان، الأمين العام رئيس الدورة إلى الأردن وإلى الرياض وإلى صنعاء، وأرادوا أن يقابلوا عبدالناصر ولكن لم يتح لهم ذلك، حتى أن الأمين العام للجامعة العربية آنذاك، عبدالخالق حسونة وهو مصري، أعطى تصريحاً بأن حل المشكلة بيد مصر، إذا ارادت مصر حل المشكلة فالحل بيدها فلما نشر هذا التصريح إنزعج حسونة باشا لأن ناصر الدين النشاشيبي نشره في جريدة الأخبار ويبدو أنه تحدث إليه حديثاً خاصاً ولم يكن حديثاً للنشر لكن النشاشيبي نشره مع أنه يدين مصر، عند ذلك غضب ناصر الدين العاني وأعلن سخطه ورجع إلى بلده وقال كلهم قابلونا إلا مصر رفضت أن تقابلنا، وناصر الدين العاني هذا هو الرجل الذي أغتاله الثوريون في العراق أخيراً، وقد كان سفيراً هنا في لبنان.
وبعد أن تكونت هذه اللجنة بدأت مصر تشعر بأن الناس بدأوا يفهمون الحقيقة، فحاولت تدارك الأمر، وأتخذ عبدالناصر من قضية فلسطين ومؤتمر القمة العربي سنة 1964 مبرراً في حين كان يريد أن ينتهي من قضية اليمن، وكان يحس أحياناً بالاستنكار العالمي والعربي لهذه العملية في اليمن، وشعر بأن لابد من أن تحل المشكلة في اليمن، ولكن كيف يمكن أن تحل وهو لم يحقق غير أغراضه التي دخل اليمن من أجلها، والسعودية لاتزال السعودية.
وهذا غير سليم في رأيه عقدوا مؤتمر القمة وإذا بالملك سعود يحضر مؤتمر القمة، ولأول مرة، أعتبروا أنها خطوة توفيق بين السعودية ومصر لكي تحل مشكلة اليمن، لأن العرب كانوا متألمين كثيراً من هدر الطاقات العربية والأموال العربية والدماء العربية التي كانت تهدر في اليمن، ففي حين نعلن للناس بأننا نحرر اليمن، هل نحررها بقتل اليمنيين؟
هذا مستحيل، كان إرهاب عبدالناصر يخيف حكام العرب في كل مكان.
خطاب السلال في مؤتمر القمة العربية
ولما عقد مؤتمر القمة هيأوا وفد اليمن من أشخاص ميولهم مصرية وعلى رأسهم السلال، ومع أنني كنت المندوب الدائم في الجامعة، أرادوا أن يجعلوني عضواً بعيداً وليس عضواً أصيلاً يحضر الجلسات، وإذا بالقدر يتدخل فيمرض وزير الخارجية مصطفى يعقوب، وبلغ الإرياني بأن الأستاذ نعمان يجب أن يكون إلى جانب السلال في كل جلسة فحضرت الجلسة المفتوحة والجلسة المغلقة ففي الجلسة الأولى كان السلال جديداً على المؤتمرات العربية.
وفي الجلسة المغلقة كانت الجزائر والعراق دولتين مهتمتين بإنقاذ عبدالناصر من الورطة في اليمن، وتصدياً للأمر ليحلا المشكلة ويوفقا بينه وبين السعودية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.