رافقتُه دوماً كنتُ له العون منذ أعوام طويلة، فمنذ أن عرفته وهو يشكو الوحدة. لقد اعتمد عليَّ، وأصبحت ضرورة من ضرورات حياته، كنت أرافقه منذ الصباح، حتى المساء، كان يخرج لمقابلة رفاقه، كنت في قمة السعادة وأنا أستمع إليه وهو يتجاذب معهم أطراف الحديث المختلفة، ويتحدثون ويتحدثون .... وأنا أستمتع بكل الأحاديث الشيقة والحكايات الطريفة التي يحكونها. ويضحكون فتمتزج ضحكاتهم مع السعال الذي يكاد يمزق صدورهم العليلة الضعيفة. وتتعالى أصواتهم المتحشرجة من صدأ الزمن الذي تراكم عليها. فتختنق أصواتهم بداخل الجسد النحيل والحناجر التي استهلكت من الكلام. يمسك بي لنرحل ونعود إلى البيت وهو منهك القوى، يرقد في سكينة وهدوء، إلا من بعض الآلام والأوجاع و من قائمة أمراض عديدة. ولكن في ذلك الصباح انتظرته؛ فلم يستيقظ حتى المساء وانتظرت وانتظرت ... فلم يتحرك من فراشه الدافئ. نظرت إليه فوجدته توفي، مات وحيداً لم يشعر به أحد، ولا يعرف أحد متى مات ولا كيف مات، بعد أن غزل ثوب الوحدة وارتدى قفاز الكآبة والمرض،.. وسقطت على الأرض لا أستطيع البكاء وحزنت على صديقي العجوز الذي رافقته في مشوار حياته وكنت بالنسبة له أهم ما في الحياة، ولم أستطع فعل شيء؛ تعبيرا عن حزني إلا بتشقق خشبي فلم يعد لي فائدة بعد الآن فلقد كنت التي يتكئ عليها صديقي المسن.