الذات .. هذا السر الكبير المحتوي على مكنونات وخفايا لا يدركها الشخص نفسه ، فكثير من الدراسات الإنسانية على الشباب أثبتت أن الإنسان لا يدرك من قدراته الذاتية إلا القليل وأن الجزء الكبير من جبل الجليد الداخلي للذات ما زال غامضاً.. لكن علماء التنمية البشرية يؤكدون أن أولى خطوات تحقيق التميز والنجاح تبدأ من معرفة الذات ، وصناعة الإنجاز .. فبدون المعرفة والعلم والدراية لن نقدر أو نعطي الحق لما نحن عليه من إمكانيات وقدرات . لذلك اعتنى برنامج ( كيف تصنع طريقك ) الخاص بتأهيل خريجي الثانوية العامة على هذه الجزئية ، وافسح لها مجالاً للتطرق إليها من خلال المحاضرة التدريبية للمهندس فؤاد سعيد الصبري المدير العام لشبكة WAMT للتدريب والاستشارات ، والمدرب المعتمد في المجال الإداري والعمل الطوعي ، حيث كانت المحاضرة بعنوان ( صناعة الذات ) ، حرصت ( إبداع ) على استضافته عقب المحاضرة ، ليتحدث لنا عن فحوى المحاضرة وتفاصيلها ، ومدى أهمية الاهتمام والعناية بالذات لتحقيق النجاح وصناعة التميز . ما الذات ؟؟ في مستهل حديثه معنا ، عرف المهندس فؤاد المشرف العام لمجلة ( نجاح ) الصادرة من صنعاء والمتخصصة في علوم التنمية البشرية والإدارة إن الذات هو كل ما يميزك عن من سواك ، وهو مجموعة الصفات و الخصائص والمواهب التي تحبها و تعرف بها عند الآخرين ، وإذا عرفت ذاتك فإنه بمقدورك معرفة أهم مراحل صناعة الامتياز البشري . أنواع الذات وقال إن بني الإنسان يقتسمون عدداً من أنواع الذات ، حددها في ( الذات الدنيا ، والذات التوافقية ، والذات العليا ) ، مشيراً إلى أن الذات الدنيا هي الذات التابعة التي غالباً ما تكون منعدمة الرأي حتى فيما يتعلق بشئونها الخاصة ، وهذه الذات غير قادرة على تحقيق أهدافها أو صناعة نجاحها أو حتى التخطيط لذلك ، لأنها تدخل ضمن مخططات الآخرين ورغباتهم ، ولا تستطيع الإنفراد بأرائها ، وبالتالي فهي غير قادرة على التأثير في الآخرين . أما الذات التوافقية الثانية فهي ذات تسير وفق رغبة الأكثرية من الناس ، ولا تجرؤ على مخالفتها ، بل تتوافق معها بما يحقق لها مصالحها الشخصية ، وكثيراً ما تكون مدركة لمكمن الحقائق ، وإتجاه الصواب إلا إنها لا تلجأ إليه مخافة مفارقة التوافق مع الأكثرية التي تسير عليه ، ولهذا قد تكون هذه الذات في أحايين كثيرة غير مؤثرة في الآخرين . والذات العليا هي الذات التي تسعى للتأثير في الغالبية العظمى من الناس ، وهي بمقدورها تحقيق سعادتها من خلال تحقيق أهدافها ، والاستمتاع بنجاحاتها مستثمرةً في ذلك ذوي الذوات الدنيا والذوات التوافقية ، ليس استثماراً بشكله السلبي وإنما توظيفاً لقدراتها القيادية والمؤثرة . أنا الأهم ! وتساءل المهندس فؤاد عن الأحقية في نيل الأولوية ... أنا أم الآخر ، وأجاب عن سؤاله بالقول : يجب أن أكون أنا أهم من أي شخص آخر في هذا الوجود ، يجب أن أكون متميزاً وناجحاً ومتفوقاً في كل شأني وأموري ، وليس في هذا شيء من الأنانية أو حب الذات ، لأن التميز الشخصي والنجاح الشخصي هو من يصنع النجاح على مختلف المستويات الأخرى الأسرية والمجتمعية وعلى مستوى الوطن والأمة . فالتميز الشخصي يقود تلقائياً نحو تميز الأسرة ، فالمجتمع الذي يسعد بوجود أشخاصاً متميزين وناجحين ، الأمر الذي سينعكس تلقائياً بالإيجاب على الوطن الذي سيحظى بعائد من هذا النجاح ، وعندما تكون الأوطان ناجحة تنجح الأمة بنجاح أفرادها ، لذلك كن أنت أهم شخص وأهم شيء في هذا الوجود ، فبالأفراد يتغير العالم . دور الصداقات وعن دور البيئة والمحيط في إظهار أو إخفاء الشخصية الذاتية ، قال الصبري : إن الأصدقاء غالباً ما يكونون أحد أسباب تهميش الرغبات الذاتية ، وإلقاء شخصياتنا ، مشيراً إلى أن صحبة أشخاص تعتز بهم وتفخر بهم يقودك بالتالي إلى النجاح باعتبارأصدقائك ناجحين ومميزين ، والعكس صحيح ، فبيئة الأصدقاء غالباً ما تؤثر على الشخص في جوانب السلوكيات والعادات والقناعات الشخصية وحتى في التفكير . مؤكداً أن التقليد الأعمى الذي ينتهجه كثير من الشباب اليوم ناتج عن إلغاء ذواتهم ، وحرصهم على البحث عن من يمتلك قوة في الشخصية أو كارزمية جاذبة ، لأنهم هنا لا يثقون في ذواتهم ، ولا ينظرون إليها نظرةً إيجابية تقنعهم بأنهم قادرون على تحقيق النجاح والتميز ، وهكذا نرى تقليد الأصدقاء لبعضهم لأن بعضهم تم إلغاء شخصيته فيما سيطر الآخرون عليهم . تقدير قدراتنا ذلك عندما لا نثق في قدراتنا ، نلجأ عندها إلى تقليد من هم أفضل منا ، لكن ما الذي يحدث لو بالغنا وأفرطنا في الثقة بقدراتنا وإمكانياتنا ، على هذا التساؤل يجيب مدير عام شبكة WAMY إن ذلك قد يتسبب بضرر سلبي علينا ، لأننا لم نقدر إمكانياتنا كما يجب ، فلا التفريط في حساب قدراتنا جيد ولا الإفراط فيها حسن ، وإنما علينا إدراك ما نقدر عمله ، حتى لا نتفاجأ بنتائج عكسية ، فحتى لو كانت أحلامنا كبيرة أو في نظر البعض مستحيلة ، فعلينا أن نحققها بالتدريج ، ونبدأ بما هو أسهل لنصل إلى الغاية المنشودة . صناعة المنافسين وأضاف المهندس فؤاد في حديثه إن الإيمان بالذات وبقدراتها يعطيها الدافع والحماس لمنازلة المنافسين بنفس واثقة ، بل قد يلجأ البعض إلى صناعة المنافسين ، والحرص على تكافؤ الفرص بينهم وبين منافسيهم حتى يحققوا الاستمتاع بالنجاح ، فلا متعة دون أن يكون هناك تكافؤ في الفرص بين المتنافسين النابع من الثقة بالقدرات الذاتية ، فالذات المتيقنة من إمكانياتها قادرة على تحقيق أي شيء مهما كان صعباً . عظمة الآخرين منوهاً إلى أننا نرى الآخرين عظماء لأننا مكناهم من ذلك ، نراهم عمالقة لأننا أقزام ، ولذلك نحن من سمح لهم أن يكونوا عظماء ، فعظمتهم نحن من صنعها ، ولهذا باستطاعتنا أن نكون عظماء إذا آمنا بذواتنا وغرسنا فيها القدرة على النجاح . الثابت الوحيد واختتم المهندس فؤاد سعيد حديثه مع (إبداع) بالتأكيد على أن التغيير هو الشيء الثابت الوحيد في هذه الحياة ، وأنه لا يوجد أي شيء ثابت ، فدوام الحال من المحال ، فلذا علينا عدم الخوف من التغيير ، لأن التغيير دائماً ما يأتي بالجديد وبالأفضل ، إلا أن نبعه ومصدره من النفس ومن الذات ومن الشخص نفسه ، ولا يكون من الآخرين مصداقاً لقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .