وتستمر الفضايح.. 4 قيادات حوثية تجني شهريا 19 مليون دولار من مؤسسة الاتصالات!    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    الهلال يصعق الأهلى بريمونتادا مثيرة ويقترب من لقب الدورى السعودى    "الغش في الامتحانات" أداة حوثية لتجنيد الطلاب في جبهات القتال    شاهد.. جثامين العمال اليمنيين الذين قتلوا بقصف على منشأة غازية بالعراق في طريقها إلى صنعاء    بأمر من رئيس مجلس القيادة الرئاسي ...الاعدام بحق قاتل في محافظة شبوة    العثور على مؤذن الجامع الكبير مقتولا داخل غرفة مهجورة في حبيل الريدة بالحج (صور)    قيادي حوثي يفتتح مشروعًا جديدًا في عمران: ذبح أغنام المواطنين!    فضيحة في سجون الحوثي النسائية...انتهاكات جسيمة في سجون النساء بصنعاء تدفع إحدى النزيلات لمحاولة الانتحار    المعارك تتواصل في اليمن.. الحوثيون يُعلنون عن مقتل 4 من مقاتليهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    كنوز اليمن تحت سطوة الحوثيين: تهريب الآثار وتجريف التاريخ    الرئيس الزُبيدي يطالب بخطط لتطوير قطاع الاتصالات    الذهب يصعد متأثراً بآمال خفض اسعار الفائدة الأميركية    فتيات مأرب تدرب نساء قياديات على مفاهيم السلام في مخيمات النزوح    السلطة المحلية تعرقل إجراءات المحاكمة.. جريمة اغتيال الشيخ "الباني".. عدالة منقوصة    أبطال أوروبا: باريس سان جيرمان يستضيف بوروسيا دورتموند والريال يواجه بايرن في إياب الدور قبل النهائي    البرلمان العربي يحذر من اجتياح رفح جنوب قطاع غزة    فارس الصلابة يترجل    صورة.. الهلال يسخر من أهلي جدة قبل الكلاسيكو السعودي    عودة نجم بايرن للتدريبات.. وحسم موقفه من صدام الريال    السياسي الوحيد الذي حزن لموته الجميع ولم يشمت بوفاته شامت    مبابي يوافق على تحدي يوسين بولت    التشكيل المتوقع لمعركة الهلال وأهلي جدة    مسيره لطلاب جامعات ومدارس تعز نصرة لغزة ودعما لطلاب الجامعات في العالم    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    تعاون حوثي مع فرع تنظيم القاعدة المخيف في تهديد جديد لليمن مميز    مليشيا الحوثي تقتحم قرية بالحديدة وتهجّر سكانها وتختطف آخرين وتعتدي على النساء والأطفال    رشاد العليمي وعصابته المتحكمة في نفط حضرموت تمنع تزويد كهرباء عدن    ضعوا القمامة أمام منازل المسئولين الكبار .. ولكم العبرة من وزير بريطاني    سلطات الشرعية التي لا ترد على اتهامات الفساد تفقد كل سند أخلاقي وقانوني    صنعاء.. اعتقال خبير في المواصفات والمقاييس بعد ساعات من متابعته بلاغ في هيئة مكافحة الفساد    القاعدي: مراكز الحوثي الصيفية "محاضن إرهاب" تحوّل الأطفال إلى أداة قتل وقنابل موقوتة    رغم تدخل الرياض وأبوظبي.. موقف صارم لمحافظ البنك المركزي في عدن    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    ليلة دامية في رفح والاحتلال يبدأ ترحيل السكان تمهيدا لاجتياحها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    عقب تهديدات حوثية بضرب المنشآت.. خروج محطة مارب الغازية عن الخدمة ومصادر تكشف السبب    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصعود إلى نافع الحلقة (16)

ما أن ظهرت النيران من منارة ودار قصر غمدان حتى كانت أسطح بيوت المدينة شعلة من النار ، والأعيرة النارية تطلق في السماء ..نار ورصاص وهتافات تنطلق من السطوح :
الإمام الناصر أحمد دخل قصر غمدان وقبض على عبدالله الوزير ، وأن الناس آمنون بأمان الله وأمان الإمام أحمد ..انطلقت الإشاعة تجوب صنعاء وتشتغل أسطح أخرى مرحبة بدخول الإمام أحمد ..أحمد المهاب، وتشغل الألسن بالشماتة والتشفي على الوزير وأتباعه ..لعن الله قتلة الإمام يحيى، يا ويل من عنده لجمال العراقي بندق يا يتم عياله يتما ..مباغتة مذهلة لرجال الثورة في صنعاء ..كانوا نائمين عما يجري داخل صنعاء مسلسل من النوم بدأ من حين لم يعلموا بمقتل الإمام يحيى إلا بعد أن علم به ولي العهد في تعز ..الآن يباغتون ..نائمون عن أنصار الإمام التي تعج بهم صنعاء وهاهم قد ظهروا ..كان عليهم أن يطهروها حتى إذا أرادوا فإن الوزير لم يرد ..لهب النيران وأصوات الرصاص والحناجر وأزيز الشماتة والإشاعة لم تمنع أحمد الشامي أن يحرض من الإذاعة الأحرار على التضحية وعلى الصمود ويختم تحريضه بقول شوقي :
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
الحرب خدعة ..الإمام أحمد في قصر غمدان كانت الخدعة الكبرى.. خدعة أربكت جمال جميل ورجال الثورة ..يحاولون الاتصال بقصر غمدان.. لم يعرفوا أن قصر غمدان قد سقط وبأن الوزير في الحبس.. إلا أنهم يفشلون في الاتصال ليزيدهم ارتباكاً..يقررون أن يتفرقوا لحماية الأمن وأبواب صنعاء والإذاعة بعد فوات الأوان ، فقد حل الذعر ..الذعر الذي انتشر بانتشار إشاعة دخول الإمام أحمد صنعاء.. الذعر الذي استولى حتى على من بقى من الحاميات للثورة في الأبواب والأسوار ليتسابقوا في إظهار الموالاة لأحمد.. الإمام أحمد. .فيفتحوا الأبواب.. أبواب صنعاء للقبائل.. تدخل القبائل كالإعصار ..إعصار سقطت عنده كل مقاومة ..يحتلون الإذاعة ويحاصرون جمال جميل في مقر قيادته ..ينظر جمال من النافذة ويشاهد الألوف المحتشدة المحاصرة للمقر وينظر إلى من معه ..يتأملهم واحداً واحداً.. لم يستغرق في التأمل طويلاً فهم لا يتجاوزون العشرة وأحمد محمد عبد الوهاب مُحمد الذي لازمه منذ مقتل الإمام يحيى ..مدة لا تزيد عن واحد وعشرين يوماً.. مدة قصيرة إلا أن، ما حصل بها من أحداث تجعلها تحسب بالسنين.. سنين تمر دون حدث يذكر ويوم أو بضعة أيام تمر وفيها من الأحداث ما يحسب بالسنين.. يقول جمال :
سأخرج من الباب الخلفي لأطمئن على ما يجري في قصر غمدان ..قبل أن يخرج يحتضن كل واحد منهم ..يشعر أحمد بأنه الحضن الأخير ..يقول أحمد :
وهل ننتظرك هنا ؟
بل يذهب كل واحد منكم إلى سبيله ..هو الحضن الأخير ..الوداع الأخير ..هكذا تقول عيناه ..عيناه التي لم يستطع أن يمنع عنهما دمعتين.. دمعتان أعلنت عن الضعف الإنساني المخزون عند الإنسان ..الإنسان الذي يستحق أن يسمى إنساناً وقد كان الوداع الأخير فقد وقع في الفخ عند بلوغه قصر غمدان وتم القبض عليه .

ينظر إلى رئيسه جمال وهو يمرق من بينهم متجهاً إلى الباب الخلفي ومنه إلى المجهول ..ينظر إليه مشدوهاً غير مصدق ..ذكريات الأيام التي عاشها مع جمال تمر على رأسه يوماً بيوم ..ينظر إليه حتى يتوارى عن نظره وفي كل خطوة كان يخطوها كانت ذكرياته معه تمر على رأسه لحظة بلحظة ..يلتفت إلى حوليه فلا يجد أحداً من زملائه وكأن كل واحد قد أراد أن ينجو بنفسه ..لا أمل في المقاومة والقبائل بالآلاف المؤلفة تحاصر المقر والقائد قد تركهم ..يقترب من النافذة يشاهد قبائل هنا وهناك كالجراد ..قبائل ما زالت تحاصر المقر والقبائل تقتحم بيوتاً ..يسمع صوت نساء تصرخ.. يا غارتاه يا رجالاه.. يسمع صوت بلقيس.. يسمع في صراخهن صوت بلقيس.. تسقط البندقية من يده.. البندقية التي علمهم رئيسهم جمال كيف يحرصون عليها وأن لا يدعوها تسقط إلا بسقوط حاملها ..يسمع صراخ النسوة ثانية وثالثة ..يا غارتاه يا رجالاه..يصرخ من أعماقه يا بلقيساه.. يندفع خارجاً.. يخترق القبائل التي بدأت تقتحم المقر ..القبائل التي انشغلت بما هو أهم.. النهب والسلب لم تعره أي اهتمام فقد قبض على جمال.. جرياً في اتجاه بيت بلقيس وصراخ النساء من كل اتجاه ..يا غارتاه يا رجالاه.. لم يعد هناك رجال غير القبائل.. ونساء وأطفال يهربون مفزوعين.. وأثاث تتساقط من النوافذ..قبائل تقتحم البيوت وتنهب كل شيء وترميه من النوافذ ليستقبله زملاء لهم..جرياً إلى بلقيس وصدى صوتها يا غارتاه يا رجالاه.. لم يعد يسمع أي شيء من حوله إلا صدى صوتها ولم يعد يشاهد إلا يدها تمده بالرغيف ..كل شيء من بشر وحجر قد تلاشى إلا صدى صوتها ويدها الممسكة بالرغيف ، هو صوتها الآن وقد اقترب من بيتها ..صوتها الذي يستطيع أن يميزه من بين كل أصوات المدينة فقط بأنه في هذه المرة لم يعد ذلك الصوت المهموس.. صوتاً صارخاً.. يا غارتاه يا رجالاه وقبائل تحاول فتح الباب ..باب بيتها ..الباب الذي كان يقرعه طلباً للرغيف وليدها ولصوتها يدق الآن بالفؤوس والمعاول طلباً للنهب والسلب.. يخترقهم.. لم يشعر إلا وهو يخترقهم وإذا نزل القدر عمي البصر.. عمي البصر وهم ينهالون على الباب ضرباً ..عمي البصر وهو لا يشاهد إلا يدها الممدودة له بالرغيف ..يصرخ في القبائل وقد أعطى للباب ظهره ..لن تدخلو البيت ..لم يرحموه فقد انهالوا عليه ضرباً ..بكل شيء ضربوه وفي كل مكان من جسده ضربوه يسقط ويصرخ يابلقيساه ..يُفتح الباب ..تفتحه بلقيس ..لم تعد بلقيس المتوارية خلف الباب وهي تناوله الرغيف ..عمي البصر وهو لا يشاهد إلا يدها الممدودة له بالرغيف ..يصرخ في القبائل وقد أعطى للباب ظهره ..لن تدخلوا البيت ..لم يرحموه يسقط ويصرخ يا بلقيساه ..يُفتح الباب ..تفتحه بلقيس ..بلقيس الآن واقفة بشعرها المرسل ووجهها المكشوف وعيناها وقد تحجرت فيها الدموع ..الدموع التي كانت تسيل خوفاً من القبائل قد حجّرها صوت أحمد ..أدركت بأن مكروهاً قد أصابه ..تقف القبائل مندهشون وهم يشاهدون امرأة بشعرها المرسل وبوجهها المكشوف والذي يكاد الشرر أن يتطاير من عينيه ..شرار سرعان ما أذابه دموعها المتحجرة وهي تشاهد أحمد الملقى على بطنه ..تجلس على ركبتيها وتمد يدها ممسكة له من كتفيه ..أخيراً تلمس راحتيها جسم أحمد ..تقلبه برفق حتى أستقر على حضنها تسمع أنيناً وتشاهد عينين مقفلتين ..تهمس في أذنه :
أنا بلقيس يا أحمد ..يا أحمد بصوتها ..ينتبز في مكانه يفتح عينيه ..يقول بصوت متقطع :
كم كنت أتمنى هذه اللحظة ..اللحظة التي أسمع فيها اسمي يخرج من شفتيك ..تتدحرج دمعتان ..يقول :
وأسمعه الآن ، وأنا أموت وصنعاء تسقط ..يحدق في وجهها ..يقول:
ما أجملك يا بلقيس ..فيا أسفاه ..يتبدد الآن كل شيء ..صنعاء التي حلمنا بها وبلقيس التي حلمت بها وها أنت يا بلقيس أجمل مما كنت أتصور وصنعاء وقد سقطت فسقطت أحلامنا بصنعاء وأنا في حضنك أصارع الموت ..الموت الذي سيريحني من ألم وحزن سقوط صنعاء وأنا في حضنك تحتضنه بعنف ..جاهشة بالبكاء ..تقول :
لن تموت ..ستبقى لي ولصنعاء وستعود صنعاء وستكون وأنا بها
لن أموت لوحدي ..نموت مهزومين لأنهم لم يحسنوا التخطيط ..يصمت ..يواصل :
لا بأس ..لا بأس ..فهذه سنة الحياة منتصر ومهزوم إلا أن دمائنا لن تذهب سدى وستعيشين حتى تعرفي بأن دمائنا لن تذهب سدى
قلت بأنك لن ..يقول (مقاطعاً)
ناوليني يدك ..يدك التي كانت بالرغيف ..تضع يدها بيده ..يرفعها ويقبلها.. يقول :
ستتزوجين حتى تنجبي شباباً تخبريهم عن دمائنا التي سفكت من أجلهم ..لابد أن تعليمهم بأن دمائنا قد سفكت من أجلهم حتى لا تذهب سدى ..سفكت من أجل أن يعيشوا في وطن حر متقدم ومن أجل الدستور ..يضع يدها في فمه ثانية إلا أنه وضعها على فم مفتوح وشفتين لم يعد فيها روح ..مات أحمد حين سقطت صنعاء ..مات واليد التي عشقها ..التي طالما ناولته الرغيف على شفتيه.

يفاجأ محسن بيحيى واقفاً أمامه يلهث ..محسن هارون ومجموعة قليلة من أصحابه ..محسن هارون الباقي من حامية القصر ..محسن هارون رفض الخيانة ..خيانة الدستور ..لم يرضخ للتهديد والوعود ..لم يخف من ولي العهد ولم تغريه الأموال التي قدموها له ..القرش يلعب بحمران العيون إلا عيون محسن هارون فقد كانت أبعد من أن يغريها قروش أحمد ولي العهد ..العيون التي لا تسقط ولا تخون أمام القرش عيون لا تخاف ومحسن لم يخف من أحمد ولي العهد ..أحمد الطاغية أحمد الجبار ..لم يسقط محسن هارون في بئر الخيانة ..الخيانة وليس هناك ما هو أشد وأسوأ وأكبر من جرم الخيانة ..إن الله يغفر الذنوب كلها إلا الشرك به والشرك خيانة ..للجريمة عقوبة ..السارق تقطع يده وشارب الخمر يجلد والزاني الأعزب يجلد والزاني المتزوج يرجم بالحجر حتى الموت ..يموت الزاني المتزوج لأنه قد خان زوجته أو خانت زوجها كل أفراد الحماية التي خانت سترمى في زبالة التاريخ ولن يذكرها أحد إلا محسن هارون الذي سيكتب أسمه بحروف من نور في كتب التاريخ ..أرادوا لأنفسهم الخيانة ليسقطوا في زبالة التاريخ فالحياة مهما طالت نهايتها الموت وأراد محسن هارون لنفسه الخلود ..يبادر محسن هارون يحيى بالقول (مستغرباً):
ما الذي أتى بك ؟..يطرق يحيى والحزن يكسو وجهه يقول محسن هارون (منزعجاً):
قلت ما الذي أتى بك؟ ..يرد يحيى (مطرقاً):
استسلم عبدالله الوزير ..يبتز محسن واقفاً ..يقول (غير مصدق )
استسلم لمن ؟
لأولاد الإمام يحيى ..يدق محسن الأرض بيديه وكأنه يريد أن يفرغ ما في جوفه من ندم ..ندم لم يعد هناك ظرفاً لمعالجته ..دقاً لم ينه إلا سجوده على الأرض ..يقول (ساجداً) :
يبدو بأنها النهاية ..نهاية طبيعية لإمام حاصر نفسه وحاصرنا داخل سور صنعاء ..نهاية لإمام سيء الظن في رفاقه وحسن الظن في أعدائه ليتركهم شبه أحرار جواره وهاهم ينقلبون عليه وعلينا ..انقلبنا عليهم بقتل الإمام يحيى ووضع الدستور وتشكيل دولة الدستور وباحتلال هذا القصر ..يحيى الذي كان يترقب أحمد ولي عهده قتله بأحر من الجمر ودستور لم يحسنوا لاحتفاظ به سراً حتى تكون اللحظة المواتية وقصر لا ندري ماذا يجري خارجه وسينقلبون علينا وقد أعدوا لكل شيء عدته ..انقلاب من الداخل والخارج ..لابد أنهم قد أعدوا لكل شيء عدته لابد ..لابد يقول يحيى (مشجعاً) :
الكمال لله وهناك مهزومون ومنتصرون وإذا خسرنا الآن فسننتصر غداً ..المهم أن نبدأ ونحن قد بدأنا .
نعم هناك مهزومون ومنتصرون ولكن أن نهزم هكذا أن ننتظر للهزيمة ..أن نقتل الإمام يحيى لننتظر لابنه أن يهزمنا ويقيم دولته ..ينهض محسن ..ينظر إلى السماء للحظات ..يقول (متنهداً) :
أخشى أن نكون قد قتلنا الإمام يحيى ليقيم ابنه وولي عهده دولته ..الدولة التي يريدها ..يرد يحيى :
حتى ولو كان الذي قلته صحيحاً فإن عملنا وثورتنا والدماء التي ستسفك لن تذهب سدى ..نحن بدأنا ..بداية سيكملها أحرار بعدنا .
يسمعون طلقات رصاص ..يقول محسن (بحزم ):
سنقاتل حتى الموت.
نعم سنقاتل حتى الموت .
الطلقات لم تعد دوياً ولكنه (رصاص ) يقع قربهم يحتمون يردون ..يقفز يحيى من مكانه ليقترب أكثر من مطلقي الرصاص إلا أن رصاصة قد وقعت على رأسه ..يخر صريعاً ..يموت يحيى ..يحيى الذي أتى ليتعرف على صنعاء ليعود إليها ليصطحب عروس أخيه سيعود إلى قريته جثة هامدة ..جثه ستحمل معها أملاً كان يراد تحقيقه إلا أنه أمل لابد أن يأتي يوم ويتحقق وسيكون ليحيى شرف المشاركة في البذرة الأولى للأمل ..الحرية ..العدالة والدستور .
يهمس عبدالله الشماحي قي إذن أحمد الشامي الذي إلى جواره حافياً ..مقيد اليدين مثل الشامي والآخرين والسلاسل تلف أعناقهم وهم يصعدون إلى سجن نافع بحجة :
إذا نحاني الله فسأكتب للتاريخ (يصمت) ..يرد الشامي (هامساً)
لماذا صمت ..قل ماذا ستكتب ..يقول (الشماحي) :
سأكتب ..سأكتب أسمع مني :
(دخلت القبائل صنعاء بين زغردة أهالي صنعاء وأراجيفهم وإشعال النيران بانتصار الإمام أحمد رغبة ورهبة وبلا شعور ، دخلت مسلحة بالبنادق والفؤوس والمعاول والجمال والحمير ، غير ناظرين إلى زغردة ولا نيران ملتهبة ، ولا صيحات بهم وبأحمد مرحبة، فكلما كانت تنظره تلك القبائل المغيرة هي الأموال والذخائر التي تزخر بها صنعاء ، فقد اندفعت تلك الجيوش تهاجم البيوت والمتاجر والأكواخ والمساجد ملتهمة كل ما فيها ، متناحرة فيما بينها ، واستمرت في همجيتها طيلة السبت وسبعة أيام حسوماً ، ذاقت فيها صنعاء من الهول ما ينطبق عليه تصوير ابن الرومي في هذه القطعة .
كم أغصوا من شارب بشراب
كم أغصوا من طاعم بطعام
كم ضنيناً بنفسه رام نجوى
فتلقوا جبينه بالحسام
كم أباً رأى أعز بنيه
وهو يعلى بصارم صمصام
كم أخاً رأى أخاً صريعاً
ترب الخدبين صرعى كرام
كم مفدى بأهله أسلموه
حين لم يحمه هنالك حامي
كم رضيعاً هناك قد فطموه
بشبا السيف قبل حين الفطام
هاجموهم فكابد القوم منهم
طول يوم كأنه ألف عام
أسبوع حل بصنعاء يعادل ألف عام ابن الرومي ، تحملت فيه صنعاء من الهول ما تأود له الراسيات بمشهد من الحسن وتشجيع من إسماعيل وعباس وقاسم أبناء الإمام يحيى ومن علي بن حمود وإضرابهم الذين لم يهتز لهم أمام هذه الجرائم ضمير ولا عاطفة ، وكل ما اهتم به هؤلاء القادة في هذا الأسبوع هو حراسة قصور الإمام يحيى وكهوفه والدفاع عنها من مهاجمة القبائل لنهب ما فيها من أموال وذخائر وأسلحة وذخيرة ، تركز اهتمام القادة هؤلاء على الدفاع عن هذه الأموال مع الاهتمام بتتبع رجال الثورة وكل مستنير للقبض عليه أو قتله أو سجنه ، ولم يكتف بعض هؤلاء القادة وأذنابهم بتشجيع المغيرين على الفساد بصنعاء ونهبها .
بل انطلقوا في عصابات لأنفسهم ينهبون ويرتكبون أبشع الجرائم اندفاعاً أشبعوا به ثروتهم وخزائنهم وبطونهم وجيوبهم ، ولقد كان إسماعيل بن الإمام يحيى يهاجم البيوت فيسلب ويهتك ، ثم يقف على عربيته أو متن فرسه في الشوارع يسخر بأفواج المدهوشين من أهالي صنعاء ويضحك من مناظر صفوفهم الطويلة المشتبك فيها الرجال والأطفال والنساء وهم تائهون وشبه عرايا الذي أصبح معظمهم لا يعرف أين أفراد أسرته ، على هذه المناظر يقهقه إسماعيل وأمثاله .
ويأتي علي بن حمود فيدوس بخيله ورجله الأشلاء ويقتل ويتبر ، ويلتقي الجميع حول إطفاء الوميض المنطلق مع الثورة من الحياة المتطورة ، ولن يخمد ذلك الوميض ما بقي رجل من رجال الثورة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.