لاشك ان لذلك الإبداع والجمال حكاية.. وحكاية الفتى الموهوب عبدالرحمن نسجت خيوطها المعاناة لتشكل لوحاته الفنية.. فدعونا نسرد تلك الحكاية : رحلة مع المرض تبدأ فصول الحكاية منذ أن هجر عبدالرحمن مقاعد الدراسة في الصف السادس الابتدائي في العام 2003م بسبب مرض أصابه، وبعد ان ساءت حالته النفسية وتدهور ملحوظ في بنيته الجسمانية وكذا أصابته بالهزال حتى وصل وزنه إلى (18) كيلواً بسبب امتناعه عن الطعام والشراب لأيام متواصلة تصل إلى أكثر من ثلاثة أيام متتالية. عبدالرحمن كان طبيعياً كبقية أقرانه في تلك المرحلة ولكن بعد وصوله إلى الصف السادس أصيب فجأة بهذه الحالة والتي عجز الأطباء عن تشخيصها هنا في اليمن فأصبح انطوائياً ومنعزلاً يتحاشى مخالطة الآخرين، ومن هنا سخرت أسرته كافة إمكانياتها الشحيحة لعلاجه فطاف به والده معظم مستشفيات اليمن لعلاج فلذة كبده مهما يكن الثمن وبالفعل غادر ليحط رحاله في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية وتحديداً مستشفى الدكتور سليمان فقيه لتبدأ رحلة العلاج وهناك خضع عبدالرحمن للإشراف الطبي المكثف وأكف والديه تتضرع بالدعاء للمولى عز وجل لكي يمن على ابنهما بالشفاء فوالداه هما وحدهما من يشعر بآلامه وآهاته التي أنهكت جسده وخطفت الابتسامة من محياه، وماهي إلا فترة من الزمن حتى بدأ عبدالرحمن يتماثل للشفاء ويعود لسابق عهده، وبالفعل من الله سبحانه وتعالى عليه بالشفاء ليغادر أروقة المستشفى في نهاية العام 2007م بعد أن ظل مكبلاً في قيود المرض لمدة ثلاث سنوات. ملامح موهبته تتشكل عبدالرحمن شفي من المرض الذي أصابه إلا أن رغبته في مواصلة التعليم لم تشف وبدأت في هذه الفترة تتشكل ملامح موهبته في مجال الرسم حيث بدأ يرسم الكثير من القصص التي يسمعها ثم بدأ في تأليف قصص من خياله ويقوم برسمها ويعرضها على والده ليبدي رأيه في ما رسمه. وبالفعل أدرك كل من حوله أن ثمة موهبة تتشكل داخل وهي بحاجة للعناية والرعاية والاهتمام لينتقل بعدها عبدالرحمن من الرسم اليدوي العادي إلى طريقة رسم أخرى ربما يعجز عنها الكثيرون وهي الرسم ببرنامج الرسام عبر جهاز الكمبيوتر الذي اشترت له الأسرة لتطوير قدرات عبدالرحمن في مجال الرسم، وفي فترة وجيزة استطاع من إجادة استخدام جهاز الكمبيوتر والرسم بمهارة فائقة عبر برنامج الرسام التقليدي. الفرصة النادرة رغبة عبدالرحمن تلاشت بعد إصابته بهذا المرض ولكن تحتاجه رغبة عارمة لإبراز موهبته في مجال الرسم فكان اختيار تريم بمحافظة حضرموت عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2010م بمثابة فرصة نادرة قلما تتكرر أراد منها عبدالرحمن ان تكون انطلاقة أولى له في مجال الرسم وبالفعل ظل والده في تواصل مستمر مع مدير مكتب الثقافة بوادي حضرموت والصحراء حين سمع بهذا النبأ لعله يحقق لابنه ما يتمناه فيمم وجهه شطر مكتب الثقافة بوادي حضرموت وأخذ معه نماذج من أعمال عبدالرحمن ليضعها بين يدي مدير مكتب الثقافة الذي اندهش لهذا الإبداع حينها وعد بإقامة معرض لهذا المبدع القادم من خلف غابات النخيل من مديرية ساه، وفي تلك الفترة كان عبدالرحمن قد انتهى من رسم أكثر من (300) لوحة فنية، وبعد ذلك الوعد واصل عبدالرحمن رسم لوحاته استعداداً لهذا اليوم الذي ظل حلماً حبيساً في مخيلته منذ فترة. تفاعل رسمي وشعبي ما إن سلطت عليه وسائل الإعلام الأضواء حتى تفاعلت معه كل الجهات الرسمية والشعبية داخل اليمن وخارجها لتؤكد ان ما أبدعته أنامل عبدالرحمن جدير بالاهتمام والمتابعة ولعل أبرزها ثناء معالي وزير الثقافة الدكتور محمد أبوبكر المفلحي على تلك الأعمال دليل كبير على الإمكانيات والقدرات التي بات يمتلكها عبدالرحمن وحينها أوصى بإلحاقه بالدورة الخاصة التي ستقيمها وزارة الثقافة لمجموعة من الرسامين في العاصمة صنعاء ووعد أيضاً بدعوة عبدالرحمن للمشاركة في مسابقة عالمية تقام في العاصمة صنعاء في وقت قادم، كما حصل عبدالرحمن على الشهادات من شتى بقاع العالم التي أدلى بها كل من شاهد الرسومات عبر المواقع الالكترونية التي تناقلت باهتمام خبر بزوغ هذه الموهبة كذلك تفاعلت معه مؤسسة مبادرة الشباب بالمكلا- حضرموت ممثلة في رئيسها الشيخ /عبدالله أحمد بقشان الذي تبنى تكاليف تجهيز الرسومات للمعرض الفني، كما أبدى المكتب التنفيذي لتريم عاصمة الثقافة الإسلامية 2010م استعداده لإقامة معرض فني للفتى الموهوب عبدالرحمن ضمن فعاليات تريم وكذلك لا ننسى منتدى حي في قلوبنا بتريم الذي كان له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في إبراز موهبته وتسليط الضوء عليها.. وتفاعلت دار الواضح للنشر والإعلان بدولة الإمارات العربية المتحدة – أبو ظبي، وغيرها من المؤسسات والشركات والشخصيات الذين قدموا كل الدعم والمساعدة لإبراز هذه الموهبة الخارقة. رسوماته ترى النور بعد جهود مضنية ومتابعات حثيثة مع المكتب التنفيذي لتريم عاصمة الثقافة الإسلامية وبالتنسيق مع مؤسسة مبادرة الشباب المكلا–حضرموت رأت رسومات عبدالرحمن النور وانبلج فجرها في يوم الأحد 20/يونيو/2010م بافتتاح المعرض الفني الذي احتضنته قاعة قصر المنصورة التاريخي بتريم والذي تشرف بافتتاحه كل من الدكتور عوض سالم باوزير عضو مجلس النواب والأخ أحمد عبدالله بن دويس مدير مكتب الثقافة بوادي وصحراء حضرموت وعدد من مديري الإدارات والشخصيات والمهتمين بالشأن الثقافي وأسرة الفتى الموهوب عبدالرحمن. محتويات المعرض بعد قص الشريط إيذاناً بافتتاح المعرض من قبل الضيوف طاف الحاضرون بجناح المعرض وتعرفوا من الفتى عبدالرحمن إلى شرح عن معاني ودلالات لوحاته الفنية البالغة زهاء مائتي لوحة فنية جميعها مستوحاة من التراث والعادات القديمة والتقاليد في مسقط رأسه في قرية الصيقة مديرية ساه وكذا بعض المشاهد المؤلمة من كارثة السيول والأمطار ومناظر من الطبيعة الخلابة والحيوانات وبعض اللوحات التي رسمها من نسج خياله لقصور ومبان حديثة وقد أبدى الضيوف إعجابهم وانبهارهم لما حاكته أنامل المبدع الصغير من رسومات ولوحات فنية. أصداء وكلمات الأخ أحمد عبدالله بن دويس مدير مكتب الثقافة بوادي حضرموت والصحراء أبدل إعجابه الشديد برسومات ولوحات فنية تعكس مدى الخيال الواسع لدى عبدالرحمن.. وأكد أن وزارة الثقافة ستقدم كل ما بوسعها من دعم لتطوير هذه الموهبة والارتقاء بها. الأخ المهندس أحمد جعفر الحبشي ممثل مؤسسة مبادرة الشباب المكلاحضرموت أوضح أن هذه الإضاءة تأتي كبادرة من مبادرة المؤسسة المتتالية للاحتفاء بالمبدعين ورعايتهم وتحفيز أقرانهم للاقتداء بمثل هذه المواهب، ولفت إلى أن اهتمام المؤسسة واختيارها لعبدالرحمن يأتي لما تتميز به موهبته وسنه الصغير، وتعهد الحبشي باسم المؤسسة بأن ترعى المؤسسة كل ما ينتجه عبدالرحمن وكل المبدعين بشكل عام في كافة المجالات، وأن التنسيق جار لنقل المعرض لعاصمة المحافظة المكلا للمشاركة في فعاليات مهرجان البلدة السياحي ويكون عبدالرحمن حاضراً في ذلك العرس الاجتماعي. الأخ محمد برك الجابري مدير مكتب التربية والتعليم بمديرية ساه لم يخف شعوره تجاه ما شاهده من رسومات مؤكداً أن هذه الموهبة سيكون لها شأن مستقبلاً وسيكون حافزاً ومشجعاً لأقرانه من أبناء مديرية ساه. الأخ عيفة سالم بن قحيز الجابري والد عبدالرحمن أكد أن السعادة تغمره وأن هذا اليوم أسعد يوم في حياته وهو يرى عبدالرحمن في سماء الإبداع وقال لقد بذلت الكثير والكثير لإسعاد عبدالرحمن وعودة البهجة والسرور إلى قلبه وها هي اليوم تتلألأ من خلال هذا المعرض عبدالرحمن يتحدث: أنا سعيد هذا اليوم وشعرت أنني ولدت من جديد لأنني أرى رسوماتي وإبداعاتي ترى النور بعد أن ظلت حبيسة الغرف. لقد بذلت كل جهدي ووقتي لهذا اليوم والأيام القادمة وقال: عندما شفيت من المرض وعدتُ والدي بأن أرفع رأسه ذات يوم نظير لما قدمه لي من مساعدة وتضحيات ورعاية كريمة وها أنا أفي بوعدي وإن شاء الله أواصل المشوار والتألق حتى نصل للعالمية شاكراً كل الجهات والمؤسسات والأفراد الذين وقفوا إلى جانبه وهي كذلك لكل وسائل الإعلام لتسليطها الأضواء عليه وعلى رسوماته. وأخيراً لنا كلمة: الفتى الموهوب عبدالرحمن الجابري مشروع رسام عالمي قادم بقوة متى ما وجد من يقف إلى جانبه ويشجع إبداعاته ويأخذ بيده للطريق الصحيح.. ولا شك أن الحس المرهف والخيال الواسع الذي يتمتع به مبدعنا سيجعله يخطف الأنظار ويشق طريقه نحو العالمية في أسرع وقت بإذن الله تعالى. عبدالرحمن في سطور: عبدالرحمن عيظة سالم بن قميز الجابري. من مواليد 1991م حضرموت مديرية ساه صيقة آل عامر. التحق بالدراسة عام 1997م وانقطع عنها عام 2003م. ظهرت موهبته الإبداعية في عام 2007م عندما بدأ بالرسم على التراب. تلقى دعوة من دار الواضح للنشر والإعلان بدولة الإمارات العربية المتحدة أبو ظبي. يحلم بأن يواصل المشوار وأن يحصل على دورات تأهيلية في الكمبيوتر. يعشق الطبيعة ويهوى الصمت والهدوء. أجمل لوحاته تلك التي نسجها عن ساه في الماضي والتي تجسد العادات والتقاليد. والد عبدالرحمن هو شخصية تربوية متقاعد يهوى الخط. له تسعة أشقاء ولكل منهم هواياته ومهنته. عبدالرحمن واحد من أبناء قريته الذين فقدوا منازلهم من كارثة السيول والأمطار في أكتوبر 2008م وحينها تحطم جهازه الكمبيوتر الذي يقضي معه أوقات فراغه. عبدالرحمن يحتفظ بلوحة فنية لمنزلهم الذي تهدم كان قد رسمها على الورق.