أثناء تجوالي بأروقة المستشفى استوقفتني لوحتان ممهورتان بعناية..مكتوبتان باللغة العربية والفرنسية..مرسوم على جوانبهما العريضة العلمان اليمني والفرنسي..في الأولى تعريف بقسم الصدر العتيق -الخاوي على عروشه- وعليها ذيل اسم الدكتور الفرنسي”أندريه” مؤسس القسم فيما الثانية تعريفيه بقسم التشخيص بالأشعة والموجات فوق الصوتية واسم مؤسسة الدكتورة “فيالارد”. شيخ المشايخ في البدء سألت الحاج محمود الكوكباني عن سر حضور الأسماء الفرنسية هنا فأجاب لأنهم خدموا المستشفى أكثر من غيرهم ولأكثر من أربعين عاماً فالدكتور”أندريه” مثلاً قدم إلى تعز في عام 1955م وظل في خدمة المستشفى والإنسانية حتى العام 1989م عام وفاته بعيداً عن أهله ووطنه ويعرفنا الحاج محمود أكثر بالطبيب الفرنسي”اندريه” فهو كما يصف ذو أخلاق دمثة يتفانى في خدمة الجميع دون تفرقة على يديه تعلم الكثير من الأطباء اليمنيين المهنة الرائعة والتعامل الإنساني الراقي..الجميع يذكره دون استثناء لأن رحيله ترك فراغاً هائلاً يصعب تعويضه. وأضاف الحاج محمود: هو المؤسس الأول لأقسام الصدر والقلب وبسبب شهرته ذاع صيت المستشفى وكان المرضى يتوافدون من كل المناطق ..وقد سبق وإن أطلق عليه الإمام أحمد لقب” شيخ المشايخ” وسبب ذلك حضوره ذات يوم مجلس الإمام وبجانبه حشد من المشايخ والأعيان وبعد أن عرف بهم الإمام جميعاً قاطعه “أندريه” وأنا أيش..؟! فرد عليه الإمام “أنت شيخ المشايخ” بينما يقول عبده فرحان بأن الدكتور”كان طبيب الإمام الخاص وكان يعزه ويثق بخدماته كثيراً..كما كان للدكتور “أندريه” حصان ادهم – هوكما يعتقد هدية الإمام إليه- وقد اشتهر الدكتور “أندريه” بمجيئه فوق ظهره إلى ساحة المستشفى وذلك في غالب الأيام. دموع كالمطر بالنسبة للدكتورة”فيالارد” مؤسسة قسم التشخيص بالأشعة والموجات فوق الصوتية فقد خدمت المستشفى الجمهوري كثيراً وقدمت خدماتها الإنسانية باقتدار مُلفت..حتى وهى في أرذل العُمر لم تبخل على المستشفى وكل محبيها بزيارتها الرحيمة ليبقى اسمها خالداً محفوراً في قلوب الكثيرين خاصة أولئك الذين عايشوها عن قرب. محمد عبد الودود- مندوب الحوادث المرورية في المستشفى- أحد هؤلاء يقول عن “د.فيالارد” لقد تعلمنا منها الكثير ..تعلمنا أن نعطي بدون مقابل وأن نرحم الضعيف ..لقد كانت ماهرة في أداء عملها..قادرة على استجلاب الدعم والمساعدات الأجنبية في سبيل خدمة المستشفى. وما يتذكره عبد الودود عن هذا الطبيبة الرائعة جيداً..جلبها لأجهزة أشعة حديثة من بلدها”فرنسا” ولجهل المشرفين على تخزين الأجهزة وضعوها في أحدى المخازن الأرضية غير المحمية من مياه الأمطار غير مدركين أن الموسم “صيف” وأن الأمطار قد تهطل في أيه لحظة. ذات مساء غائم هطلت أمطار غزيرة على الحالمة لتأتي الدكتورة”فيالارد” بسيارتها متلهفة للاطمئنان على”أولادها” هكذا وصفت تلك الأجهزة هبطت المفاجأة عليها كالصاعقة حين وجدت الأمطار قد أطفأت حلمها الكبير نادت الجميع وهي تبكي حد الجنون والدموع تنهمر على وجنتيها كما المطر تسابق الزمن في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. تلك صورة جميلة لا زالت مرسومة في أذهان الكثيرين ..ولعل الأجمل ما ختم به صاحبنا عبد الودود حديثه..” لو مات أبناؤها في تلك اللحظة الغامرة ما أضنها سكبت مثل تلك الدموع..”