الحديث الرابع: أخرج ابن حبان في صحيحه عن عباس (رضي الله عنهما) قال: بينما النبي(صلى الله عليه وسلم) بالمدينة إذ قال: الله أكبر جاء نصر الله وجاء الفتح وجاء أهل اليمن نقية قلوبهم، لينة أفئدتهم – أوطاعتهم – الايمان يمان والفقة يمان والحكمة يمانية). ملاحظات: يا الله ما أروعه من مشهد هو آية في الجمال والحسن والبيان، متناسق في واقعه وكلماته إذ يأتي موكب النصر رديفاً للفتح، ويأتي في ظلالهما أهل اليمن بقلوب صافية وأفئدة لينة استقر الايمان منها في السويداء لأول وهلة فقد كانت من قبل متفتحة للحق سريعة التأثر والانفعال به ومعه جاهزة ومستعدة على الدوام لتقبله. ومن ثم جاءت نتيجة التفاعل بين الإيمان وتلك القلوب فقه وحكمة وهي نتيجة من نتائج تفاعل الإيمان في النفوس البشرية أياً كانت تلك النفوس، ولكن ميزته هنا أنه تفاعل سريع الظهور والنتائج، وهو مع سرعته هذه عميق الأثر قوي الجذور راسخ البنيان. وجملة الشهادات النبوية في الأحاديث السالفة الذكر هي سبع شهادات: الإيمان، الحكمة، الفقه، السكينة، الوقار، لين القلوب، رقة الأفئدة. وهذا يعني أن أهل اليمن لهم قلوب وأفئدة ذات خشية واستكانة، سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير، سالمة من الشدة والقسوة والغلظة، كما قال بعض العلماء رحمهم الله تعالى. ومن المفاهيم التي يمكن استنباطها أو استقرائها من تلك الأحاديث الأربعة والتي تحدثنا عن بعضها بالأمس مايلي: أولاً: أن قوله(صلى الله عليه وسلم): (الايمان يمان والحكم يمانية والفقة يمان) إنما هي أحاديث صحيحة متفق عليها لامجال للتشكيك بصحتها. ثانياً: أنها جملة إسمية والجملة الإسمية كما هو مقرر عند علماء اللغة تفيد الثبات والإستمرار، فهي مستمرة إلى يوم القيامة. ثالثاً: أن للإيمان بضعاً وسبعين شعبة، فلما كان الإيمان يمان دل هذا على أن أهل اليمن عندهم من شعب الإيمان أكثر من غيرهم، وبمعنى آخر أن العقلية اليمانية كان لها النصيب الأوفر من شعب الإيمان، وكان لها الحظ الكبير من التحلي بمواصفات منهج الإيمان – الكتاب والسنة. رابعاً: ومادام أهل اليمن قد أوتوا الحكمة أفلا يعني هذا أنهم أوتوا خيراً كثيراً لقوله تعالى: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) وما الحكمة إلا إصابة الحق والعمل به، وهي العلم النافع والعمل الصالح. كما ذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه(مفتاح دار سعادة). خامساً: وقد لاأكون مجافياً للحقيقة إذا قلت أن تلك الصفات عند أهل اليمن يلزم منها أن تنفي أضدادها، ومعنى هذا انتفاء الجهل والكبر والسفة، ونحو ذلك من الصفات السيئة المضادة لصفات الخير والتي وصف بها أهل اليمن.. والله أعلم.