ثمة طفولة معذبة تتلظى في مرارة اليتم تتجرع مآسيه.. تستجدي بكل النبرات الحزينة العون والمساعدة من «الأنفس الرحيمة والأيادي الأمينة» لإنقاذهم.. للعطف عليهم..لانتشالهم من واقعهم المؤلم.. فكل القيم السماوية والأعراف الإنسانية تحث على ذلك وترغب فيه... والرائع في هذا التوجه ما بتنا نلمسه في واقعنا من وجود جمعيات خيرية تتبنى مثل ذلك وتشرف عليه.. ولعل مهرجان جبل صبر الأول لليتيم كان التجسيد الأروع وبصورة قريبة وأكثر شمولية لذات التوجه. اطلالة بهية المهرجان الذي أقيم برعاية كريمة من الأستاذ حمود خالد الصوفي – محافظ محافظة تعز - الذي لم تمنعه أجواء ذلك اليوم الماطرة من الحضور فكانت اطلالته بهية رسمت البسمة على شفاة أيتام جبل صبر.. وكم كان صائباً مقدم الحفل وهو يطلق صرخته المدوية... مرحباً بأبي الأيتام في محافظة تعز. «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون» بهذه الآية الكريمة قانون الحياة المُحفز.. استهل المحافظ الصوفي حديثه معبراً عن خالص سعادته وامتنانه لمثل هكذا فعاليات تقام خالصة مخلصة لله... لا فيها منه ولا رياء ولا تفاخر ولا شيء من هذه الأمراض التي تذهب بالآجر وتثير الضغائن. ولفت المحافظ الصوفي أن المجتمع اليمني لاغنى له عن هذه التظاهرات الخيرية التعاونية لما لها من أثر في توطيد أواصر المحبة والإخاء وحب الأوطان «فخيركم خيركم لأهلة». وفي ذات الكلمة أعلن المحافظ الصوفي عن تبرعه بمبلغ خمسمائة ألف ريال لصالح أولئك الأيتام كمساهمة شخصية منه طمعاً في نيل الأجر المحقق لكافل اليتيم. وأضاف الصوفي : إن مثل هذه الأعمال الخيرة تستحق من الجميع كل الاهتمام والجود لرعاية الأيتام وبالذات أبناء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الجمهورية والوحدة والنهج الديمقراطي الذي تسير عليه بلادنا برئاسة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح . نموذج رائع جمعية السلام الاجتماعية الخيرة صاحبة ذلك المشروع من الوهلة الأولى لتأسيسها مع بداية العام 2002م أخذت على عاتقها خدمة المجتمع في محيطها في قمة جبل صبر العروس في المجالات الاجتماعية والتعليمية والصحية والحرفية منسجمة في ذلك مع كافة الاستراتيجيات الوطنية الداعية إلى تفعيل هذه المجالات بما يتناسب مع قيم المجتمع اليمني وتقاليده العريقة. واليوم أخذت هذه الجمعية النشطة دورها بجدارة في كفالة ورعاية الأيتام، صانعة من ذلك أنموذجاً رائعاً ينبغي على الجمعيات الأخرى المماثلة أن تحتذي به كون أيتام اليمن موجودون في كل المناطق، وسبل رعايتهم والاهتمام بهم واجب شرعي وأخلاقي ينبغي على الجميع القيام به استشعاراً لبشرى الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) ومن منا لا يعرف الفرق بين أصبعيه السبابة والوسطى. مجتمع متعاون الأستاذ صادق فاضل – أمين عام جمعية السلام وأحد مؤسسيها الفاعلين وصاحب فكرة هذا التوجه المتجدد في كفالة ورعاية الأيتام يعرفنا أكثر عن هذه الجمعية فهي حد وصفه منذ تأسيسها في العاصمة صنعاء بجهود عدد من أبناء منطقة العروس العاملين هناك تسعى إلى ايجاد مجتمع متعاون متعلم خالي من الأمراض قادر على إدارة وتنمية موارده بسهولة. مضيفاً أن الجمعية تهدف أيضاً إلى غرس روح المحبة والإخاء وتعميق روح التراحم والتكافل الاجتماعي والتعاون على فعل الخير بين أبناء المنطقة وتمتين صلاتهم الاجتماعية أينما وجدوا ودفعهم للاسهام الفاعل والنشط في دعم المشاريع الأهلية والفعاليات الخيرية في المنطقة. مشروع طموح وفيما يخص المستجد الأهم مهرجان جبل صبر الأول لليتيم فهو جد وصف فاضل يعد الانجاز الأروع والأكبر الذي تحقق بجهود خيرين كثر، فقد استفاد من هذا المشروع الخيري حوالي 115 من أيتام المنطقة. وكشف فاضل أن لديهم في الجمعية خطة تتمثل باستجلاب الكثير من الدعم ومن ثم إضافة أسماء أيتام جدد لذات المشروع من المناطق المجاورة، المحرومة من هكذا توجه. وشكر فاضل خلال حديثه كل الخيرين الداعمين للجمعية ولهذا المشروع مفصحاً أن الجمعية ما قامت إلا بجهود هؤلاء وجهود أعضاءها الفاعلين مختتماً حديثه أنهم سيغذون الخطى نحو مجتمع متكامل متراحم متلاحم وهو ذاته الشعار الذي أقيمت تحت مضلته فعاليات ذاك المهرجان الذائع الصيت. واجب الجميع أما الأستاذ محمود عبدالقادر الجنيد – الرئيس الفخري لجمعية السلام واحد الداعمين البارزين لها في مسيرتها الخيرية، فقد اكد أن كفالة الأيتام من الأعمال الجيدة التي فيها النفع العام للمجتمع ككل، والطفل الذي يفقد راعية ووليه يكون عرضة للانحراف خاصة إذا لم يتلقفه اهل الخير... وهذا التكافل حد وصفه يقي المجتمع هذا الخطر. وخلص الجنيد أن الله سبحانه وتعالى قد أعظم الأجر والمثوبة لكافل اليتيم وهو في المقابل وعد المقصرين بالخسران المبين في الدنيا والأخرة واليتيم عندما يفقد من يعوله تبقى إعالته واجب على المجتمع المحيط به ككل. ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه يقول «كفى بالمرء اثماً أن يضيع من يعول». وختم الجنيد حديثه بأن المجتمعات الصغيرة لو استشعرت هذه المسئولية وتسابق أهل الخير فقير في تقديم المساعدة والعون لكل محتاج ما وجد هناك فيها ذو حاجة «والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه». خير البيوت يقول الأستاذ عبدالعزيز عبدالوهاب الطيب – أن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد وعد اليتيم برفقته في الجنة بدليل قوله أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى وفرج بينهما. وأضاف عبدالعزيز أن هذه الكفالة لها أنواع متعددة فهي قد تكون بإعطاء اليتيم مبلغاً من المال لسد حاجته الضرورية وقد تكون بضمه إلى البيت واعتباره فرد من أفراد الأسرة في كل الميزات والأعطيات وقد تكون بحث الميسورين بأن يقدموا المعروف للأيتام. وحث عبدالعزيز هؤلاء الميسورين بأن يتسابقوا في كفالة ورعاية الأيتام موضحاً أن خير البيوت تلك التي فيها يتيم يربي مستدلاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه». وأضاف عبدالعزيز أن كل ما يقدمه صاحب المال وكافل اليتيم عائد ثوابه وأجره إليه مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم «كل معروف صدقة» وقوله أيضاً «صنائع المعروف تقي مصارع السوء». فلا تقهر من جانبه الشيخ علي الحجازي - مدير رباط الحجازي في شرقي صبر.. أثنى على هذه الجهود في عمل الخيرات مضيفاً أن الله يأمرنا بإخراج الصدقات وكفالة الأيتام ويرغبنا في ذلك ويضاعف لنا الأجر والثواب، مستدلاً بقوله تعالى ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ) وقوله كذلك ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) صدق الله العظيم. وأضاف الشيخ الحجازي أن الله سبحانه وتعالى قد نهانا عن قهر اليتيم ونهر السائل مستدلاً بقوله تعالى (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر ) صدق الله العظيم. أيادي أمينة ثمة قصص مؤثرة كثيرة تتضح في تفاصيلها حياة قاسية يعيشها أيتام لم تتلقفهم أيادي أمينة.. وقد أجتمع في ثنايا تلك الحكايا جوع وعوز وتعذيب وقهر نفسي وجسدي. وقد كشفت دراسة علمية وميدانية قام بها فريق بحثي من كلية الطب بجامعة صنعاء قبل ثلاثة أعوام.. كشفت أن معظم الأطفال الأيتام في صنعاء يعانون من وضع غذائي وصحي بسبب سوء التغذية وإرتفاع معدل الأمراض المعدية، وأن أكثر من 37% من الأيتام لديهم نقص في الوزن و12% من اجمالي العدد لديهم ضعف.. إلى ما هنا لك من التفاصيل المؤلمة. واذا كانت ذات الدراسة قد انحصرت في داريين للأيتام وشملت 300 يتيم تتراوح أعمارهم بين 16 18 سنة.. فإن الأدهى والأمر من ذلك حين أثبتت دراسات أخرى لأطفال لم تحتويهم دور الأيتام فتلقفهم الشارع بكل مأسيه وأصبح هؤلاء جزء من ظاهرة أطفال الشوارع التي باتت تؤرق الجميع. جمعية سباقة كما سبق لمصادر رسمية أن قدرت أيتام اليمن بحوالي مليون نسمة، منهم 90% يعانون العوز والجوع والحرمان وقهر وقساوة من يعولهم.. فيما ثلاثون مؤسسة تعمل على كفالة الأيتام ولم تستوعب أكثر من حشر بعضهم، فيما البقية لا يزالون يتجرعون المعاناة. وهنا تأتي جهود جمعية السلام الاجتماعية الخيرية التي خرجت عن الإطار التعاوني المحدود للجمعيات الصغيرة المماثلة، وأنطلقت بعيداً عن المركزية الخيرية في كفالة ورعاية الأيتام خاصة إذا ما علمنا أن أكثر دور ورعاية الأيتام متمركز في المدن الرئيسية وأغلب الرعايا المدعومين مدنيين بإمتياز. وكون جمعية السلام هي السابقة في هذا التوجه، فهو أمر مدعاة للغبطة.. والمطلوب من الجمعيات المماثلة أن تحذو نفس التوجه، خاصة وأن المجتمع اليمني ريفي بما نسبته 70% ولذلك فإن نسبة الأيتام في الريف قد تكون بذات النسبة من إجمالي أيتام اليمن. أمنية أخيرة إذا هي دعوة للتسابق في فعل الخيرات، ومجتمعاتنا الإسلامية بحاجة ماسة إلى تفعيل هذا التوجه خاصة وأن ديننا الحنيف يحثنا عليه ويرغبنا فيه.. ومدعاة هذه الدعوة أن المجتمعات الغربية أخذت بها وطبقتها بكل مسئولية وإلتزام. واعترف هنا أنه قد تملكتني الدهشة حين قرأت في أحد التقارير أن هناك أكثر من مليون و 400 ألف جمعية خيرية فقط في الولاياتالمتحدة مهتمة في هذا الشأن، غالبيتها مشابهة لجمعية السلام المشار إليها أنفاً، من حيث الاهتمام بمناطق معينة. الأمر ببساطة بحاجة إلى عزم رجال.. والأمل في مختلف الأحوال والظروف موجودة وليس هناك من أمنية إلا أن نرى مهرجانات مماثلة في كل مناطق اليمن.