قال تعالى:(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين). سورة الأنفال(25) وقال سبحانه:(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز). سورة الحج(40)وهذه سنة أخرى من سنن الحياة الاجتماعية وهي سنة التدافع..يقررها القرآن بوضوح وجلاء، ويبين آثارها في حياة الإنسانية جمعاء، فالمجتمعات الإنسانية تعيش في حالة من التدافع تمنع أن يستولي الطغيان والفساد على حياة البشرية. وهذا التدافع كما يكون بين الحق والباطل فإنه يكون كذلك بين أهل الباطل أنفسهم، فقد يدفع الله ظالماً بظالم، وقد يكبح جماح طاغية بطاغية آخر.. ونتيجة ذلك التدافع هي منع استيلاء وسيطرة الفساد والظلم على حياة الإنسانية والله يخبرنا أنه لولا هذه السنة لانتشر الفساد في الأرض، ولهدمت أماكن العبادة والمساجد، والاعتداء على أماكن العبادة والمساجد هو اعتداء على الحريات الفردية والجماعية المقدسة في أعلى درجات القدسية، مما يعني أن دون ذلك من الحرمات هو منتهك ومتعد عليه بلا ريب والذي يمنع من ذلك الفساد العريض، ومن تلك الاستجابة المنكرة للمقدسات والحرمات هو سنة المدافعة، فلم يزل الله يدفع أهل الشر والفساد بأهل الخير والصلاح،ويدفع بعض الظالمين ببعضهم، وبهذا تحافظ المجتمعات على حيويتها ونمائها، فالحياة تصبح متأسنة متعفنة لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض. - الاستفادة من سنة التدافع في إصلاح المجتمع إن اتساع الأفق الفكري والنفسي لدى دعاة ورواد الإصلاح هو سر عملهم الدؤوب، وعطائهم المستمر، وتضحياتهم الكبيرة، وليس هنالك ما يوسع الآفاق الفكرية والنفسية كفقه سنن الله الاجتماعية الكونية في حياة المجتمعات الإنسانية،تلك السنن التي اعتنى القرآن ببيانها أيما عناية. وسنة التدافع تعطينا مثالاً واضحاً على ذلك، فالحياة الاجتماعية لا تسير على وتيرة واحدة،ولا تمضي في اتجاه واحد، وإنما هي اتجاهات متعددة ومختلفة، ومصالح متضاربة ومتناقصة، وقوى متحالفة ومتنافسة،وفي خضم هذا التدافع الهائل في الحياة الفردية والجماعية يجب على المسلم أن يقوم بواجبه الذي يفرضه عليه القرآن،فالمسلم لا يعذر أبداً إن قعد وهو يرى الفساد يستشري، والمنكر يستعلي،والباطل يصول ويجول، لأن واجبه حينئذٍ أن يدافع بالصلاح،والشر بالخير، والمنكر بالمعروف،والباطل بالحق، وليس هذا فحسب،بل عليه أن يستجيب لمستوى المدافعة، فإذا كان أهل الباطل يتكاتفون ويتحالفون ويتعاونون فيما بينهم لنشر الخير ودحر الشر، قال تعالى:(والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنةً في الأرض وفساد كبير)سورة الأنفال (73) (1). (1) انظر: تفسير القاسمي المسمى : بمحاسن التأويل:لمحمد جمال الدين القاسمي ط دار إحياء التراث العربي- بيروت 1994م.(4/73)