من أكتوبر عام 75 - فبراير 1978ظلت البلاد بلا مجلس يمثل الشعب ولو بالتعيين فجاء إنشاء مجلس الشعب التأسيسي إضافة جديدة على طريق تحقيق الهدف الرابع من أهداف الثورة وكان تراكم الإنجازات التنموية وبدء مشوار تضييق الفجوة بين المدينة والريف من خلال خطة التنمية ودور هيئات التعاون الأهلي للتطوير والإحساس المتزايد بخطورة هجرة الشباب للعمل في بلدان الاغتراب على حساب الزراعة وتفاقم مشاكل التخريب في كثير من المناطق وخاصة المناطق الوسطى والتوتر بين الشطرين ومسلسل اغتيال الرؤساء :الحمدي وسالم ربيع والغشمي، وبروز معوقات التنمية أكثر فأكثر في الشطرين يصبغ الأجواء السياسية بلون السواد، فالأحزاب والقوى السياسية موجودة فعلاً في الساحة تحت يافطات ومسميات مختلفة لأن رؤية فئات من المجتمع التي عبرت عنها في مؤتمرات شعبية ونوعية بين عامي 1965 و 1969 وإقرار الدستور الدائم وتحريمه للحزبية كل ذلك كان يجعل من استبعاد البعض وقلة فرص المشاركة في الحياة السياسية مبرراً لوجود أحزاب وتنظيمات سرية وسيادة منطق العضلات على منطق الإقناع. وكان لابد من تغيير في أداء أي حكومة تأتي يستجيب لضرورات مواكبة متغيرات في الواقع وفي المحيط الخارجي. تأسيس المؤتمر الشعبي العام منذ انتصرت إرادة الشعب اليمني يوم 26 سبتمبر.. الثورة الأم وهو يناضل ويدافع عن الثورة ومبادئها الخالدة ومن أجل حياة حرة وكريمة وديمقراطية وهي الحياة التي جعلتها الثورة من أبرز أهدافها تحقيقاً لطموحات الشعب ومناضليه في التطور والتقدم. ولما كان النضال الثوري يكتسب أهميته بمدى تعبيره عن القطاعات الشعبية الواسعة ومدى مشاركتها في صياغة الأحداث والتحولات لهذا أدرك فخامة الرئيس علي عبدالله صالح منذ تحمله المسئولية القيادية في 17 يوليو 78 خطورة تغييب الجماهير وإزاحتها عن المشاركة في صناعة القرار ومايترتب عليه من جر العمل الثوري إلى مآزق الارتجال والاستبداد. كما أدرك ضرورة تقييم الوضع الناجم عن غياب الدور الشعبي النظري مما يجنب العمل الوطني مغبة الوقوع في دوامة التجريب والضبابية الفكرية وفي ضوء الإدراك وبجسارة القائد الذي لا يتهيب أمام مايرى إنجازه ضرورياً لتطوير الأداء الثوري وتوفير المسيرة الوطنية كان لابد من إيجاد وثيقة وطنية يتوفر لها الإجماع الشعبي مبلورة لأهداف الحركة الوطنية ومبادىء الثورة اليمنية واستكشاف أسلوب متطور للممارسة الديمقراطية. ولقد مثلّ إقرار الميثاق الوطني إثر الدراسة المتأنية الناضجة مع رجال الدولة ومختلف فئات الشعب ونخبه نواة الوحدة الفكرية في مستهل مرحلة تاريخية جديدة أعقبت مرحلة متخمة بأسباب الصراعات والمعوقات التنموية.. اتسمت بعدم استقرار الحكومات وضعف الانجاز بمافي ذلك على صعيد بناء الدولة. وبوجود القائد تبرز معه كفاءة الناس فقد أوجد الدليل والمنهج وغرس القيم وفتح الباب واسعاً لصنع تحولات تؤمّن طريق المستقبل وتوسع سبل الوصول إلى الوحدة فعند توليه السلطة وجد أن مخلفات الماضي كبيرة ومتراكمة وان التحرر بالتخلص منها يحتاج إلى حركة ثورية نضالية قوية تستند إلى رؤية ذات بعد إنساني تراعي كافة حقوق الإنسان.. وفي سبيل تجسيد هذه الرؤية على صعيد الواقع بتناقضاته السياسية والاجتماعية فقد وجد الرئيس علي عبدالله صالح صعوبات جمة بالغة التعقيد وهو مايعني خلق استراتيجية وآلية لاستمرار فعالية الثورة اليمنية على نحو ديناميكي باستيعاب المتغيرات والتحولات المختلفة. القوانين والتشريعات وفي ظل قيادته تم سن القوانين والتشريعات لإحداث تغيير شامل في جميع المجالات الإدارية والمالية التنظيمية والقضائية كما عمل أيضاً على توسيع رقعة التعليم ليصل إلى كافة مناطق البلاد على طريق القضاء على الجهل والأمية والتخلف فزاد عدد المدارس والمعاهد بنسبة كبيرة وزاد الاهتمام بإعداد وتدريب المعلمين والمعلمات حيث كان هناك معهد واحد في عام 1969 ووصل عددها إلى أحد عشر معهداً واتسعت جامعة صنعاء وكليات التربية التابعة لها وعدد مخرجاتها وعلى ذلك المنحى عمدت حكومات المؤتمر برئاسة الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني الذي كان قد شكل مجلس الوزراء لأول مرة عام 75 وأستمر في موقعه حتى عام 1980. ثم ترأس الحكومة من “83 - 1990م” والدكتور عبدالكريم الأرياني من عام “1980 - 1983” عمدت إلى إزالة الفوارق والامتيازات بين طبقات المجتمع وذلك من خلال : - تعميم الوظائف العامة وجعلها حقاً لكل مواطن قادر على العمل وراغباً فيه وفقاً لقانون الخدمة المدنية المنظم لشغل الوظيفة العامة للدولة. - التعيين في الوظائف العليا دون النظر إلى الوضع الاجتماعي أو الانتماء القبلي. - وبذل الرئيس علي عبدالله صالح جهوداً كبيرة على صعيد إقامة الدولة اليمنية الحديثة حيث كان أعلن من خلال خطابه الأول كرئيس منتخب من مجلس الشعب التأسيسي العمل بكل مافي وسعه لتحقيق ذلك إيماناً منه بأن إزالة الثالوث الرهيب “الجهل والفقر والمرض” وإيجاد مجتمع مدني قائم على الممارسة الشاملة لحقوق الإنسان لا يأتي إلا بقيام دولة حديثة ولم تكن تلك الرؤية مجرد حالة من التطلع عند الرئيس ولكنها قناعة صادقة سعى إلى تحقيقها من خلال استراتيجيات وخطط وبرامج راعت إلى حد كبير طبيعة الواقع اليمني وخصوصياته والتعامل معه بقدر مناسب من الموضوعية ودون قفز أو إحراق للأوراق والمراحل. أولويات : أولويات هذه المرحلة تمثلت في تحقيق الأمن والاستقرار وإزالة بؤر التوترات على طريق إيجاد سلام اجتماعي دائم على امتداد رقعة الوطن بالإضافة إلى التركيز على انتشار رقعة التعليم والاهتمام به كماً وكيفاً ونوعاً بوصفه الطريق الأمثل لمكافحة الجهل والتخلف وإشعاع المعرفة كضمانة حقيقية لإدراك المواطن حقوقه في إطار المواثيق والأعراف والاتفاقيات الدولية والعربية والقوانين والتشريعات الوطنية.. فضلاً عن ايلاء المشاريع الاجتماعية والخدمية المتصلة بحياة المجتمع والأفراد أولوية مباشرة باعتبار ذلك حقوقاً أساسية للمواطن على الدولة القيام بها كونها تمثل ضرورة في حياة المجتمع لاسيما مجتمع الريف لخلق التوازن النسبي بين الحياة في الريف والحضر للتخفيف من حدة الهجرة من الريف إلى المدن. بناء الدولة الحديثة وبهذه الرؤية الاجتماعية والإنسانية التي توقف عندها عدد من الكتاب والباحثين استطاع الرئيس صالح وحكومات المؤتمر تحقيق توازن موضوعي بين قدرات وإمكانيات الدولة المتواضعة وبين متطلبات بناء الدولة الحديثة من مفردات ذات صلة بالجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والاجتماعية ونحوها. مبدأ الحوار وفي الوقت الذي انعقد فيه المؤتمر الشعبي العام في الفترة من “24 - 29 أغسطس 1982” وإقرار الميثاق كان مبدأ الحوار يتجذر كبديل للفرقة والانقسام وخطر التصدع في البنية الوطنية.. فالحوار في أطره الشرعية وفي مناخات ديمقراطية هو السبيل الدائم لمواجهة أي معضلات ومع الإيمان بأهمية ذلك هناك أمور إستراتيجية لا تقبل المساومة وهي : العقيدة الإسلامية – الثورة ومبادئها وأهدافها.. وكذا استقلال الوطن وسيادته. ثورة وعي اجتماعي الميثاق الوطني أحدث ثورة في الوعي الاجتماعي الشعبي برزت نتائجه في القفزات التنموية وتقدم الثورة وتنامي نجاحاتها في مختلف مجالات الحياة ومنها الممارسة الديمقراطية من خلال تأسيس عدد من النقابات. حوارات وحدوية في عام 1979 جرت انتخابات هيئات التعاون الأهلي للتطوير وتوسيع عضوية مجلس الشعب التأسيسي كخطوات بدت فاتحة خط سير جديد وقرار إنشاء لجنة الحوار الوطني عام 80 ضمت ممثلي مختلف ألوان الطيف السياسي، فالقرار الجمهوري رقم “9” لسنة 82 بشأن قيام المؤتمر الشعبي العام وكان الرئيس علي عبدالله صالح قد أصدر قرار العفو عن المنخرطين في الجبهة التي عارضت السلطة بالسلاح لسنوات.. تزامنت هذه التطورات مع خطوات هامة على طريق الحوار مع الإخوة في الشطر الجنوبي على طريق إعادة تحقيق الوحدة. وقف استيراد الخضروات والفواكه في عام 82 كانت تقارير الجهاز المركزي للإحصاء والدراسات الأكاديمية تؤكد على الاهتمام بالزراعة باعتبارها المهنة الرئيسية في اليمن حيث تصل نسبة العاملين في هذا القطاع نحو 70 % من إجمالي القوة العاملة في البلاد وأن نسب توزيع الملكية كالتالي : - الملكية الخاصة بالدولة 2 - 3 % - الأوقاف 15 - 20 % - ملكية الأفراد والجماعات 77 - 83 % أما المساحة المزورعة فنسبة 80 - 90 % بواسطة الملاك وتشكل الزراعة المورد الرئيسي للدخل القومي ومع ذلك فهو في تناقص مستمر بسبب زيادة معدلات نمو القطاعات الأخرى كالصناعة والتجارة والنقل والخدمات وتزايد معدلات الهجرة إلى الخارج والسبب الأخطر هو التوسع في زراعة القات الذي يعتبر العائق الأساسي أمام التنمية الزراعية والذي أدى إلى انخفاض صادرات البلاد وتناقض دخلها القومي وأهم النتائج المترتبة على زراعة القات زيادة المساحة المزروعة بالقات بنسبة 80 % من مساحة المحاصيل المستدامة وأصبحت زراعته تحتل المساحة المزروعة بالبن مع تزايد الاعتماد عليه كمصدر وحيد للدخل ماجعل السياسة الزراعية في ظل حكومة الإرياني معبرة عن تجذر التخطيط العلمي. إنشاء النقابات والجمعيات والمنظمات بفعل نقاء الأجواء السياسية بعد عام 82 ونجاح الإجراءات الحكومية في ظل حكومة الدكتور/ عبدالكريم الإرياني “1980 - 1983” في الجانب الاقتصادي وعلى الأخص في مجال منع استيراد بعض المنتجات الزراعية كالفواكه والخضروات بهدف زيادة الإنتاج المحلي على طريق الاكتفاء الذاتي تم تزايد الاهتمام بمشاركة المواطنين في عملية التنمية وتفعيل مسئولية أعضاء المؤتمر الشعبي العام في إشاعة الوعي بأهدافه ومبادئه ووصول الطرق إلى القرى والمناطق النائية ومعها المشاريع الخدمية من مياه ومدارس ووحدات صحية ووصول التيار الكهربائي أيضاً إلى كثير من المناطق وإنشاء العديد من النقابات والجمعيات والمنظمات المهنية والنوعية والجماهيرية والاتحاد وفروع لها في المحافظات وبعض المناطق في إطار غرس وتجذير أسس قيم ومبادئ الممارسة الديمقراطية في أوساط العمال والطلاب والنساء وغيرهم كل ذلك مثل خلفية لمزيد من الفعاليات التعاونية والشعبية التي استهدفت تقويم التجربة التعاونية وحشد الطاقات لإحداث نجاحات تنموية واسعة وحكومة عبدالعزيز عبدالغني للفترة 84 - 1990. المجالس التعاونية عمدت إلى تقييم التجربة استناداً إلى المقومات الفكرية والنظرية للميثاق الوطني وبناء على نتائج التقويم تم إعداد وصدور القانون رقم “12” لعام 1985م الخاص بإنشاء وانتخابات المجالس المحلية للتطوير التعاوني والتي أعطيت صلاحيات إنشاء وإدارة المشروعات وتشغيلها والمرافق العامة وفق القواعد والنظم النافذة على مستوى الوحدات الإدارية وفي نتائج الدراسات للاحتياجات السكانية وقد حدد القانون رقم “12” بهذا الشأن ان تخضع انتخابات هذه المجالس لقواعد وأحكام الانتخابات العامة رقم “79” لسنة 1980م الذي حدد أن الانتخابات العامة تتم بطريقة حرة ووفق قاعدة الاختيار السري.. هذه التجربة توخت تطبيق مفاهيم جعلت جوهر الديمقراطية مرتبطاً بالمجتمع وبمحتويات التطور الاقتصادي والاجتماعي بغية تحقيق البناء المجتمعي القائم على التعاون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. إنتاج النفط في هذه الفترة تحقق مشروع إنتاج النفط من حقول مأرب وأخذت مشاريع خدمية وتنموية تشمخ في سماء ال ج . ع . ي منها ماكان مجرد أحلام.. في عام 1988م تشكل مجلس الشورى الذي اختلف عن شورى عام 1971. بل عن كل المجالس السابقة من حيث أنه جاء في مرحلة استقرار ووعي سياسي متنامٍ الآن لأن ظروف اليمن في 1988مختلفة عن ظروف واقعه عام 68، 71، 78 فمجلس الشعب التأسيسي وبالرغم من كونه معيناً قد لعب ادواراً بارزة من أجل تهيئة البلاد لانتخابات عامة سواء للمؤتمر الشعبي العام أو لانتخاب مجلس الشورى لعام 1988م. وقد مثلت انتخابات مجلس الشورى في يوليو 88م بعداً متقدماً في مسارات التجربة الديمقراطية وحقوق الإنسان ووعيه وطموحه في حقوقه السياسية والمدنية حيث والانتخابات تمت بالاقتراع السري الحر والمباشر وأفرزت ممثلين شغلوا 128 مقعداً بالإضافة إلى “31” عضواً معيناً من قبل السلطة وبمجموع 159 عضواً.. وبتلك الأشكال من أنماط الممارسات السياسية والديمقراطية والاجتماعية والإنسانية أخذ الحراك الديمقراطي والتعاوني والإنساني يتطور على نحو ملحوظ بعد مايو عام 1990م.