عشية الذكرى الثانية للعدوان الذي شنته إسرائيل لمدة 23 يوما على قطاع غزة بدأت فترة الهدوء النسبي الذي ساد المنطقة منذ ذلك الحين تتصدع, بعد ازدياد ملحوظ للعمليات الإسرائيلية ضد القطاع وزيادة في صواريخ المقاومة الفلسطينية الموجهة إلى إسرائيل, مما ينذر بهجوم إسرائيلي جديد على القطاع.وبينما لا تزال غزة تكافح للتعافي من الدمار الذي لحقها بسبب “عملية الرصاص المصبوب”، أواخر العام 2008 وأوائل العام 2009 والتي قتل الإسرائيليون خلالها أكثر من 1400 من سكان هذا القطاع، يشعر العديد من المراقبين بالقلق من أن هذا التصعيد غير المسبوق في أعمال العنف عبر الحدود قد يثير عدواناً إسرائيلياً جديداً. غير أن المراقبين لا يرون أن التصعيد الحالي يقصد منه تجدد المواجهة الشاملة بين الطرفين, بل يعتقد أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يمكنها لو أرادت أن ترمي بكل القواعد عرض الحائط أن تطلق صواريخها على هرتزليا أو مطار بن غوريون, خصوصا أن لديها القدرة على فعل ذلك لو أرادته. وما تريده حماس -حسب المراقبين- هو اختبار ردة الفعل الإسرائيلية, وهي بذلك -حسب رأيه- تضع قواعد جديدة للعبة. كما يعتبر التصعيد الحالي -حسب بعض المحللين- اختبارا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان يتهم سلفه إيهود أولمرت بعدم استخدام القوة الكافية للتصدي لمئات الصواريخ التي أطلقت من غزة قبل عملية الرصاص المصبوب. ومما يزيد من حدة التوتر إعلان المسؤولين العسكريين الإسرائيليين أن المقاتلين في غزة تمكنوا من تسليح أنفسهم بصواريخ كورنت القادرة على اختراق المدرعات. ويرى المحلل الإسرائيلي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط مير جافدنفر أن على إسرائيل أن تكون حذرة للغاية في تعاملها مع غزة “في ضوء العزلة الدولية التي تعانيها بشكل متزايد”. ويحذر من أن أية ردة فعل مبالغ فيها تقوم بها إسرائيل ضد القطاع سيصعب عليها أن تؤمن دعماً أميركياً أو أوروبياً لها. الى ذلك أدانت الخارجية المصرية أمس الغارات التي شنتها القوات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال اليومين الماضيين، محذرة من خروج الوضع عن السيطرة. وأعرب المتحدث باسم الخارجية المصرية حسام زكي عن قلق بلاده إزاء التصعيد الأخير في القطاع. وطالب جميع الأطراف بممارسة ضبط النفس وتبصر العواقب قبل الإقدام على خطوات غير محسوبة. واعتبر زكي -في تصريح للصحفيين أمس -أن هذه الغارات تمثل محاولة لصرف الأنظار عن تعطل العملية السلمية الناتج عن تعنت المواقف الإسرائيلية. وشدد على أنه لا ينبغى أن يعطي أي طرف لإسرائيل الفرصة لتشتيت الأنظار والتهرب من مسؤولياتها عن انهيار المسار السلمى. وقال زكي إن على إسرائيل أن تفهم أن هذه الغارات لا تسهم سوى في توتير الأجواء وتأجيج المشاعر ضدها في المنطقة، كما أن المرحلة الدقيقة الحالية لا تحتمل مثل هذا السلوك. وتأتي تصريحات زكي بينما تتصاعد الأوضاع الأمنية في قطاع غزة، مع اقتراب ذكرى الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة قبل عامين. وتقدمت تل أبيب بشكوى إلى مجلس الأمن تطالب فيها بتوجيه رسالة واضحة وقوية لمواجهة ما وصفته بتزايد إطلاق الصواريخ والقذائف من غزة على جنوب إسرائيل. وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي قد لوح بشن هجمات على قطاع غزة. وقال إن المسلحين في غزة استخدموا للمرة الأولى صاروخا مضادا للدروع ضد دبابة إسرائيلية، معتبرا ذلك مؤشرا على تطور القدرات القتالية للفلسطينيين.. حذر مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية من الحملة الشرسة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي بالقدس، وتصعيد سياسة الاستيلاء على أملاك اللاجئين الفلسطينيين وطرد السكان من منازلهم لصالح المستوطنين. وكشف المركز عن الدور الذي يقوم به ما يسمى “حارس أملاك الغائبين” بتهجير العائلات المقدسية وطردها من منازلها، والسيطرة على العقارات، مستغلاً الوضع القانوني لإقامة تلك العائلات.. واتهم المركز شركات يهودية أميركية بالوقوف وراء عمليات الشراء وتمويل الاستيلاء على العقارات والأنشطة الاستيطانية بالمدينة. ولفت إلى الدعم اللا محدود الذي تقدمه الحكومة الإسرائيلية للجمعيات الاستيطانية، مستعينة بالجهاز القضائي الذي يوفر الغطاء والدعم القانوني لها. وبحسب المركز في العام 2010 تم الهدم والاستيلاء ومصادرة قرابة خمسمائة عقار ومنزل، ومن المتوقع في العام المقبل مضاعفة وتيرة هذا النهج خصوصا أن هناك عشرين ألف منزل صدرت بحقها أوامر هدم فورية. وقال مدير مركز القدس زياد حموري: “نتحدث عن مخطط وضع عام 2005، لكنه جمد خشية من انهيار المفاوضات، فإسرائيل شرعت بخطوات مبيتة للاستيلاء على عقارات اللاجئين لتقليص الوجود الفلسطيني واستبدال اليهود المستوطنين به”.. وأكد أن “المخطط ينسجم وممارسات أخرى لتضييق الخناق على المقدسيين، من خلال تكثيف الهدم، وفرض ضغوطات اقتصادية والشروع بجباية ديون متراكمة من السكان تقدر بملايين الدولارات، ومن يتخلف عن الدفع ستسحب منه الإقامة وسيصدر بحقه أمر طرد”. ولفت إلى أن حملة التبرعات بخمسمائة مليون دولار -التي أطلقتها الدول العربية كدعم للقدس- لم يصل منها شيء.. وخلص للقول إن “الاحتلال شرع بفتح ملفات حول ملكية المقدسيين للعقارات، والعام المقبل سيشهد هجمة شرسة ستطال مئات العائلات والتي ستشرد بعد سلب منازلها”. وروت عدة عائلات معاناتها بعد تلقيها إخطارات بترك منازلها لصالح جمعيات استيطانية. وقالت الحاجة فاطمة سالم (58 عاما) “عائلتي كانت تقيم بالبيت قبل النكبة، وبعد احتلال القدس ألزمنا بدفع بدل إيجار المنزل لحارس أملاك الغائبين”. وتابعت “بعد الاحتلال بست سنوات، جاء يهودي عراقي وادعى ملكيته للمنزل، وحصل على أمر قضائي بأن ندفع له بدل الإيجار”. وأكدت: “وصلني مؤخرا إشعار بأن ندفع مبلغ ستمائة دولار بدل الإيجار، فرفضت ذلك وقررت المحكمة إخلاء المنزل، وبتنا نخشى طردنا”. ويتزامن تكثيف الاستيلاء على العقارات، مع الانتهاء من بناء جدار الفصل العنصري حول القدس، الذي سيعزل قرابة 165 ألف مقدسي عن المدينة، وسيتم اعتبارهم غائبين وبالتالي وضع اليد على عقاراتهم وأملاكهم التي سيحول الجدار دون تواصلهم معها. وقال الباحث في تاريخ القدس الدكتور محمود مصالحة “إسرائيل تستغل ضعف السلطة الفلسطينية وحالة الانقسام بين فتح وحماس وغياب الموقف العربي والدعم الأميركي، لتنفرد بالقدس من خلال استهداف أملاك الغائبين وإجلاء السكان ومصادرة الأراضي وتزييف التاريخ والتهويد”. وأضاف “هناك الكثير من العقارات الفلسطينية والأردنية والمصرية توجد بالقدس الغربية، وأستغرب من عدم قيام أي طرف عربي برفع دعاوى ضد إسرائيل لاسترجاعها”. وأشار إلى أن القدس تشهد حملة تطهير عرقي واستهداف للأملاك لم تشهدها منذ احتلت، “فإسرائيل بررت الاحتلال للمدينة بالدوافع الدينية مع العلم بان القدس لم تذكر في التوراة”. وأوضح “أن الصمت على ممارسات الاحتلال بمثابة تآمر على القدس، فإسرائيل تسعى لفرض سياسة الأمر الواقع وإخفاء المعالم العربية والإسلامية والمسيحية عن المدينة، لمنع أي تسوية سياسية مستقبلية”.