على نوافذ الصيدلية المركزية التابعة لبرنامج دعم المرضى الفقراء في المستشفى الجمهوري يصطفون، يتزاحمون ويحملون كروت إثبات، ويمدون أيديهم بها ، يمدون أيديهم للحياة, يصارعون المرض, ويتمسكون بخيوط الحياة..تحكي لك ملامحهم استيطاناً مزمناً لأجسادهم الضعيفة، أعياهم المرض والفقر، تحاصرهم الأوجاع وهموم تكاليف أدوية تساعدهم على إضافة رصيد أعمارهم يوماً آخر أيضاً.. إنهم مرضى السكر وزارعو الكلى ومرضى الصرع، هنا في برنامج دعم المرضى الفقراء تمتد إليهم يد المساعدة وتمنحهم ما يحتاجونه من الأدوية.. صراع منذ عشرين سنة وعلي حميد من المحويت يعاني مرض السكري، يقف هنا على شباك الصيدلية المركزية لبرنامج دعم المرضى الفقراء، يرتعش جسده من طول الوقوف، وتبدو عيناه مكحلتين بالدم، يقول بامتنان: منذ عام 1997 وأنا أستطيع الحصول على العلاج المجاني مقابل سند ب «100» ريال. أما تقية حسين - من الحيمة، والتي تعاني هي الأخرى من السكري، إضافة إلى حصى في الكلى والغدة الدرقية، فيبدو عليها الانزعاج، وحين سألناها عن السبب أجابت: أنا آتي إلى صنعاء شهرياً من أجل الحصول على العلاج الخاص بالسكري، أما علاج الدرقية فلا يصرف هنا، وكذلك علاج الكلى اشتريه من الصيدليات الخارجية، وتم تحويلي إلى ابن سيناء، أما سبب انزعاجها فتقول: إنهم يرفضون صرف جرعة السكري لشهرين على الأقل بدلاً عن شهر فقط، بسبب ظروف بعدنا عن صنعاء فأنا من سكان الحيمة، وتضيف: الحمد لله العلاج متوافر شهرياً. تقليص يقول وائل الوصابي، والذي يأتي إلى هنا من أجل الحصول على جرعة الأنسولين الشهرية، الخاصة بوالدته المريضة بالسكري منذ أربع سنوات، المقرر حسب وصف الطبيب المعالج أن تصرف فيالتين شهرياً، كانت الجرعة تصرف شهرياً مجاناً من هنا، ولكن الآن تم التقليص، وصارت تصرف فيالة واحدة، وهي لا تكفي لشهر كامل، لذا نضطر لشراء الأخرى من الصيدلية، ويصل سعرها إلى 2500ريال.. ويضيف وائل: البرنامج تم التعرف عليه عن طريق الطبيب المعالج، ونحن نأخذ العلاج بشكل مستمر مجاناً من البرنامج، ولكن تحدث العرقلة بداية العام؛ حيث نستمر من ثلاثة إلى أربعة أشهر لا نستطيع الحصول على العلاج بحجة أن الدعم لم يصل..! تحتضن الكرت بين يديها، وتستند على حائط الصيدلية، تعبت من الوقوف تقول: سعيدة سعيد من العدين، مريضة بالسكري منذ خمس سنوات، وتحصل على العلاج مجاناً منذ ثلاث سنوات، أحياناً نأتي إلى هنا ولا نجد العلاج، فنضطر لشرائه من الصيدلية.. تغطية وعن البرنامج تحدث إلينا الدكتور داود العريقي - مسئول الصيدلية المركزية في أمانة العاصمة - بالقول: الأدوية تصرف للمستفيدين الفقراء بشكل عام، والذين يعانون من أمراض مزمنة، ويغطي مرضى السكري وزارعي الكلى ومرضى الصرع. المستفيدون ليس بالضرورة من زوار المستشفى الجمهوري، فالبرنامج يغطي عموم محافظات ومستشفيات الجمهورية، تتم الآلية عن طريق صرف كروت، من أجل حصر المرضى ومعرفة عددهم؛ لكي يكون لدينا قاعدة بيانات لمعرفة عدد مرضى السكر وزارعي الكلى والصرع، وبناء على ذلك يتم صرف العلاج. كما يوجد لدينا إحصائيات بالأمراض المزمنة بالذات السكري وزارعي الكلى، فهناك عشرة آلاف وثمانمائة مريض سكر الذين يستخدمون الأنسولين، وأربعون ألفاً الذين يستخدمون الحبوب، وسبعمائة وعشرون زارعو كلى، أما الصرع فلم نستطع حصره لأنه كان يعتمد على صندوق المعاقين ولكن الصندوق أوقف علاجات الصرع وتم تحويلهم إلى الصيدلية المركزية، ونحن الآن نواجه ضغطاً كبيراً. حصر قبل حوالي خمس سنوات كانت الصيدلية تصرف معظم العلاجات بالذات للناس الفقراء، لكن في السنوات الثلاث الأخيرة انحصرت بالأمراض المزمنة فقط، وهي السكري والكلى والصرع، البرنامج لديه ميزانية خاصة من وزارة الصحة والصيدلية تتبع البرنامج الجمهوري. يصرف العلاج بشكل مستمر وقبل المدة المحددة في الكرت بأربعة أو خمسة أيام، ويصرف حوالي خمسة آلاف وخمسمائة إبرة لعشرة آلاف وخمسمائة حالة “10500” وهي بالطبع لا تغطي المستهدفين، لذا لابد من زيادة الجرعة لاستيعاب عدد المرضى الفعليين. معاناة وينتقل الدكتور داود للحديث عن الموظفين العاملين في الصيدلية، موضحاً أن هناك أمراً من الوكيل أن يدفع كل مريض مقتدر “100” ريال، وهي تؤخذ كمواصلات للموظفين المتعاقدين من أجل أن يستطيعوا الحضور لخدمة المرضى. ويضيف: لا يوجد سوى ثلاثة موظفين رسميين، والباقون متعاقدون منذ عام 2000م، أما كدرجات وظيفية لم تنزل بعد، يعملون على خدمة المرضى ومساعدتهم، لقد اكتسبوا خبرة في التعامل مع المرضى خاصة مرضى السكر، الذين تثيرهم أبسط التصرفات وقد يدخلون في غيبوبة السكر. ونتمنى إدراجهم ضمن الخطة الجديدة للدولة في التوظيف؛ لأنهم خلال العشر السنوات الماضية أثبتوا جدارتهم وأمانتهم وإخلاصهم للعمل لذا من حقهم أن يحصلوا على الوظيفة.