السياسة كما نعهدها بهذا الزمان منظومة سيئة إلى المسالك القذرة، فمنذ أن اقترفها الإنسان فاستهوته، ودخل مجاهلها صار أقرب إلى الظلم منه إلى العدالة. والمال والنفوذ كمفسدتين إن أسيء استخدامهما دوماً ما يتحولان مع السياسة مصعداً للظلم والاستغلال والمعاناة. أما السياسة المقترنة بالأخلاق فلا ينتهجها على شاكلتها تلك غير القلة القليلة، وهم في تاريخ الإنسانية معدودون لندرتهم، فالفيلسوف لن يكون فيلسوفاً حقاً قديماً أو معاصراً إذا تجاوز المنظومات والمبادئ الأخلاقية ليقال عنه عبقرياً فقد أخطأ مقصده. والمفكر الذي سخر فكرة لمجاراة الأخطاء البشرية أصبح فكرة وصمة في جبين الفكر، وعُدّ فكرة منشأ للأخطاء لا مقوماً للأخلاق الإنسانية ... مع أن ... السياسي غير مطالب بالتخلي عن أخلاقه ليصبح سياسياً بارعاً وليس مطالباً بما يجعله أسوة سيئة في الحياة فيما أن بمستطاعه أن يكون قدوة حسنة للآخرين. والعالم ليس مطالباً بالتخلى عن عقيدته لمجاراة أهواء الناس، فلن يرضيهم حتى أن يتنكر لمبادئه، حتى يغدو شخصاً آخر متناسياً مع الأهواء المتناقضة مع ضميره وقناعاته. ومع ذلك تقول لنا النوازع البشرية إن ما مكان إلا بان التحول من النقيض إلى النقيض إذا ما انقاد وفق رغائبه لا وفق ضميره ومبادئه. إن الإنسان لم تصل لمصيرها الراهن إلا بعدما تجاوز الناس مبادئهم وضمائرهم، ولم تصل المجتمعات البشرية لهذا المصير المأساوي ألا بسبب انحراف البعض عن المسار الصائب في الحياة. ومأساة الإنسانية الأولى أنها ابتدأت بالأخطاء، مما راكمها في حياة الإنسانية، وأعطاها صنعة الاستمرارية وحالة الرسوخ. لذلك هي أحوج ماتكون إلى العودة لمنابعها الإنسانية القويمة المرتكزة على نبل الأخلاق وأصفاها، التي تستهدف الحياة المثلى، المستضيئة بالقيم، المحاطة بمبادئ الخير والحب، والعدل والجمال والفضيلة، حتى تتجاوز تحديات واقعها المعاصر وتتجاوز مآسيها بكل ألوانها ومصادرها. إن لكل إنسان دوراً في الحياة عليه أن يختار الدور المتناسب مع مبادئه مع ضميره مع قناعاته، وأن يكون في صميم مشاعره مستوحياً باستمرار أسمى الأقوال والأفعال، ليصبح في الحياة مثالاً لمن يعايشهم ولكن مثالاً مغايراً وحسناً.