لا تستيقظ متأخراً ولا تمضي إلى عملك متثاقلاً .. ولا تلعن الحظ ، ولا تلوم الآخرين أو تلقي المسئولية عليهم ، ولا تقرأ برجك في الصحيفة ولا تنتظر أن يتغير العالم ... هل استيقظت ذات صباح وقلت لنفسك : اليوم سأغير حياتي وسأراجع أسلوب عيشي وسأتخذ لنفسي نمطاً جديداً في أسلوب العمل والعيش والحياة ؟ هل فكرت في تغيير ذاتك ذاتياً من غير أن يجبرك على ذلك التغيير الطبيب أو مدير عملك ؟ يعد تغيير الذات ذاتياً من أهم أشكال التغيير وأكثرها صعوبة في الوقت نفسه ،ولكن تغيير الذات ذاتياً ضروري ،وأي تغيير خارجي لا يرافقه تغيير ذاتي لا يجدي نفعاً ،والمقصود بالتغيير الذاتي ذاتياً إدراك الفرد لموقعه في الأسرة والمجتمع ووعيه لدوره المتجدد والمتغير وممارسته التغيير في ذاته بسيطرة ذاتية قوامها الإرادة والتخطيط والتوجيه والتنفيذ لبرنامجه الفردي الخاص ،ويمكن تلخيص مفهوم تغيير الذات ذاتياً بأنه التحكم بالذات والقدرة على توجيهها نحو الأفضل . وشرط تغيير الذات ذاتياً يكون بإرادة داخلية لا خارجية وبسبب ذاتي لا خارجي وبقرار شخصي ،وإن كان هذا التحديد الداخلي لا يعني الفصل كلياً بين ما هو داخلي وخارجي . ولتوضيح ذلك يمكن القول إن تغيير الذات ذاتياً بسبب الانتقال من حي الى حي أو من عمل إلى عمل أو بسبب حدث ما في الأسرة لا يمكن أن يعد تغييراً ذاتياً في الذات ،فعندما ينتقل المرء في سكنه منحي بعيداً عن عمله إلى حي قريب ،ويبدأ بالذهاب إلى عمله سيراً على الأقدام لا يعد تغييراً ذاتياً إنما هو تغيير بسبب عامل خارجي ،وكذلك الأمر عندما يصبح الموظف مثلاً مديراً في المؤسسة التي كان يعمل فيها ،فإن أي تغيير في سلوكه لا يعد تغييراً ذاتياً في الذات ،إنما هو تغيير بسبب عامل خارجي ،كذلك عندما يبدأ الولد الأول في الأسرة بالذهاب إلى الروضة أو المدرسة ويضطر أحد الوالدين إلى الاستيقاظ باكراً لإيصاله بالسيارة إلى الروضة أو الى المدرسة ،لا يعد هذا تغيير الذات ذاتياً في الذات . إن التغيير الذاتي في الذات يكون بدافع من الداخل وإرادة من الذات ،لا بعامل خارجي ، كأن يقرر الموظف الذهاب الى عمره سيراً على الأقدام ولكنه هو نفسه لم يتغير ،وكأن يقرر الموظف تغيير سلوكه الشخصي في مكان عمله وهو في وظيفته نفسها ولم ينتقل الى وظيفة أخرى ،كذلك أن يشرع الأبوان بالاستيقاظ باكراً لا من أجل إيصال ولدهما الى المدرسة ،إنما لقرار ذاتي ولهدف شخصي خاص بهما . ومن هنا يتضح أن تغيير الذات ذاتياً يتعلق بأهداف وغايات وقرارات وتغيرات وإرادات ذاتية داخلية لا علاقة لها بالأوضاع الخارجية ،وإن لم تكن منقطعة عنها كلياً لأنه لا يمكن الفصل التام بين ما هو داخلي وخارجي . أمثلة للتغيير ومثل ذلك التغيير ضروري ،وله وظائف كثيرة أهمها : - تجديد الحياة ودفع الرتابة والسأم عن الذات وعمن حولها وبعث الحيوية والنشاط في النفس . - الإفادة من الطاقات والقوى الشخصية الكامنة والمهدورة وغير المستفاد منها . - تحقيق النجاح والازدهار وتوفير الدخل والارتفاع بمستوى المعيشة . - التخلص من الكسل والعلل الجسدية . - الشعور بالطمأنينة والراحة والرضا عن النفس . - التفوق أمام الآخرين ونجاح الأولاد . إن المرء عندما يقرر الذهاب الى عمله سيراً على الأقدام ،مثلاً بإرادة ذاتية أو السير الى حد معلوم ثم أخذ إحدى وسائل المواصلات ،يغير بذلك في برنامج حياته كلها ،فهو سوف يستيقظ عندئذ باكراً ،وسوف ينشط دورته الدموية ،وسيقلل من نسبة الكولسترول في جسمه وسوف يسلي نفسه في الطريق بالاستمتاع بما يرى من مشاهد ،وسوف يصل الى عمله قوياً نشيطاً ،ويظل محافظاً على نشاطه طوال اليوم . ومن ذلك أيضاً أن يقرر المرء السير نصف ساعة فقط خارج منزله قبل النوم ،بدلاً من أن يمضي نصف الساعة تلك في مقعده أمام التلفاز يشرب القهوة ويتناول الأطعمة،إن السير ساعة أو نصف الساعة ليلاً قبل النوم تعني أخذ الهواء النقي إذ تقل نسبة التلوث في الشوارع ليلاً ،وتعني أيضاً التزود بالأوكسجين ،وحرق سعرات حرارية ،وهضم الطعام ،مما يساعد على النوم الهادئ المريح ،ويقلل من تراكم الشحوم والدهون ويسلي النفس وينسيها صخب الحياة ومشكلاتها. ومن أمثلة تغيير الذات الإقلاع عن التدخين ، فكل المدخنين يعلمون أن التدخين ضار ،ولكن عندما يقرر المدخن ترك التدخين يكون قد اتخذ قراراً ذاتياً في تغيير ذاته،قبل أن تجبره على اتخاذ ذلك القرار الشيخوخة والعلل والأمراض وقبل أن يجبره على ذلك الطبيب . إن الإقلاع عن التدخين يؤكد للفرد أنه قوي الارداة ويمنحه الثقة بالنفس ،ويجعله يفاخر بذلك أمام الناس ،ليصبح نموذجاً يحتذى ،ومثالاً يفاخر به ،وهو يؤكد أيضاً أنه قوي الشخصية بذاته لابعلبة التبغ التي يحملها ،أو نوع السيجارة التي يدخنها ،وهو بذلك يرفض مظاهر النقص ويتخلص منها. ومن أمثلة تغيير الذات : علاقة الرجل بأسرته ،إذ على الرجل أن يسأل نفسه : كم ساعة أمضي في اليوم مع زوجتي وأولادي ؟ هل أقعد معهم في جلسة مصارحة ؟ هل أسألهم عن حياتهم وأمورهم الخاصة ؟ عما يحتاجون فعلاً ؟ هل أخرج معهم في نزهة ؟ أم هل أكتفي بالعمل ليل نهار خارج البيت وأنا لا أراهم ولا أتناول الطعام معهم لكي أوفر لهم المال فقط ؟ هل أمضي السهرة مع أصحابي في المقهى ولا أرجع الى البيت إلا متأخراً ؟ ولعل من أهم أشكال تغيير الذات هو المطالعة : هل يسأل المرء نفسه ماذا قرأت الأسبوع الماضي ؟ هل يسأل صحبه وأصدقاءه ماذا قرأتم ؟ أم هل يسألهم ماذا أكلتم وماذا اشتريتم ؟ أو ماذا شاهدتم يوم أمس في التلفاز؟ مجرد قرار إن تغيير الذات هو قرار لابد من اتخاذه بين حين وحين آخر ،إذ لابد من مراجعة الذات ومحاسبتها ،واكتشاف أخطائها ،والعثرات التي وقعت فيها ،والسلبيات التي اعتادت عليها ،والعمل على التخلص من كل ما هو سلبي وخاطئ وعلى المرء أن يسأل دائماً نفسه : ماذا فعلت في الأسبوع الماضي؟ وماذا قدمت الشهر الماضي ؟ هل طورت في حياتي ؟ أم هل ما أزال أعيش على النمط الذي اعتدت عليه ؟ أستيقظ متأخراً ، وأمضي الى عملي متثاقلاً ، وأشرب فناجين القهوة ، وأنفث دخان السجائر ، وأقرأ برجي في الصحيفة ، وألعن الحظ ، وأنتظر العالم أن يتغير ، وألوم الآخرين ، وألقي عليهم المسؤولية . * مدربة في مجال التنمية البشرية والبرمجة العصبية