الوريث رفس صدرها بكفه الخشن، صرخ: حتى لحظة موتك.. لن أطلقكِ. هددت: «سأنتحر». هرعت إلى الحمام.. عبت زجاجة (الكلوركس). خرج من البيت مرفرفاً: غداً يصبح كل شيء ملكي.. أنا وريثها الوحيد. انفتاح سألت الزهرة رفيقتها: لماذا تفتحتِ قبلي؟. قالت الرفيقة بانتشاء: فتحت قلبي للنور والمطر قبلكِ. حرمان عيناها مركزتان على الشاشة. حفل ساهر. ممثلات يلتمعن بملابسهن الأنيقة ومجوهراتهن الثمينة. الموائد عامرة.. لحوم، أسماك، سلطات غريبة، فواكه، حلويات. شعرت بأن رائحة الطعام تخترق مساماتها. يدها، بهدوء، تستل كسرة خبز مدهونة بالزيت والزعتر. يدها الأخرى تلوك ثقوب فستانها القديم. كرم جلس على الرصيف ماداً يده إلى المارة. في المرة الأولى جمع ديناراً. في الثانية جمع مائة دينار. في الثالثة جمع ألف دينار. لم يعد يجلس على الرصيف. مضت سنوات طويلة.. شاهده المارة يسقط في كف سائل ألف دينار. صرخوا به: هذا كثير. قال: يوم جمعت ديناراً أكلتُ به، ويوم جمعت مائة اكتسيت، ويوم جمعتُ ألفاً تعلمتُ.. فوقيت نفسي ذل السؤال. سواد يستحم كل يوم والناس تنفر منه وتسأله عن القمل الأسود الذي يتناثر من شعره. ذات ليلة كان شجاعاً، استخرج نواياه وأفكاره وحرقها. لم يعد يسأله أحد عن قمله الأسود. الخوف غمرتها السعادة وهو يحيط إصبعها بخاتم الزواج. خطر لها أن تسأله: لماذا طلقتَ زوجتك بعد عشر سنوات؟. رد بقرف شديد: لقد ترهل وجهها. نظرت إلى وجهها النضر الجميل في المرآة. حذفت له الخاتم. خيانة سألها: «كم مرة مارستِ خيانتي»؟. قالت: «بعدد صفعاتك». وسألته: «كم مرة خنتني»؟. قال: «بعدد شكوكِ».. أغمي عليهما معاً. العقاب حملت سيفها لتقطع شجرة مثمرة فوق رأس الجبل. قبل أن تصل، تعثرت.. هوت. لم تنتبه لسيفها المسنون فانكفأت عليه. السراب مطت خصلة من شعرها. قالت له وصوتها يترجرج بالدمع: انظر، لقد شبتُ قبل أواني لأجل أن أربيكَ وتصل إلى مرتبتك العالية. سخرَ من شيبها: كان هذا واجبك. ابتعد يمتطي طريقه. بقلب الأم المقهورة كانت تتابع ذلك السراب الذي سار باتجاهه. احتجاج أوشكت الشمس أن تغادر غرفتها، نشطت تشعل قناديلها. قالت: «لا أحتاج للشمس». في الليل فاض المطر. اقتحم غرفتها.. تبللت أشياؤها.. هرعت إلى النافذة طامعة بحرارة الشمس لتجفف البلل. كانت السماء غائمة.. ظلت حزينة بانتظار شمس أخرى. الفرق وقفت أمام المرآة، تأملت صورتها.. ثم نزعت غطاء رأسها، قفازيها، ثوبها الطويل.. تمنت لو تصبح قطة تسير في الشوارع. خسارة قرر أن يقرأ مائة كتاب في يوم واحد. في اليوم التالي اكتشف أنه فقد حاسة الذوق. عراك قالت له: «أنا قطة». قال لها: «أنا كلب». دخلا في عراك مميت.. خرجا منه منهارين.. ملوثين بالدماء. قالت له: «أنا امرأة». قال لها: «أنا رجل».. وتعانقا. أمنية ترجرج جسدها الثخين داخل البانيو. تمنت: «ليتني أصير سمكة». حين همت ترتدي ملابسها، فوجئت أنها لا تلائم حجمها. كانت تحولت قزماً صغيراً. عطر عبرت أمامه.. استنشق عطرها. خبأه في صدره. حين استقر في الفراش واندست زوجته بقربه برائحة يومها.. أطلق العطر المخبوء في صدره. استطاع أن ينام. الرسائل جمعت كل رسائل الحب المتبادلة. قررت أن تمزقها. قالت: لن يشفي هذا غليلي. فكرت تغسلها بالماء. قالت: لن يمحو الماء كل الكلام. فكرت تحرقها. سمعت هسيس الكلمات: بعد عام، ستقرئين رسائل حب أخرى ثم تحرقينها. حصار في الليل، لا يستطيع أن ينام.. حاصرته رائحة ضميره. الرائحة أكتافها عارية. لسعها البرد. بحثت عن دفء. من بينهم تمنته وحده يدفئها. تقدم منها، خلع جاكيتته، دثرها بها، دفئت. لكن سنوات طويلة مرت قبل أن تفارقها رائحته الكريهة. الجزاء فقأ عين الشمس. شُوهد في اليوم التالي يبحث عن عصا.