قبل يومين من حلول شهر رمضان المبارك كنت وعدد من الزملاء في زيارة غير محسوبة لمديرية وصاب العالي الواقعة في نطاق محافظة ذمار وبالتحديد إلى عزلة حمير والعارف بطبيعة تلك الأماكن النائية يدرك مدى المعانات البالغة التي تثقل كاهل سكان القرى المتناثرة على قمم وبطون سلسلة الجبال الشاهقة والتي فرضت طوقاً مرعباً على تلك البقاع وحرمت أبناء المديرية من ابسط مقومات الحياة الكريمة، فوعورة الطرق في عدة مناطق وانعدامها في مناطق أخرى حالت دون ذلك وبالرغم من الجهود الملموسة في تطويع كبرياء وصلابة جبالها منزوعة الرحمة إلا أنها تظل ضعيفة ولا تخفف من قساوة التضاريس العصية على الانحناء وعلى مقربة من قرية السلفة التي كانت منتهى رحلتنا لاحظنا منحدراً جبلياً حاداً يعلوها من جهة الجنوب يشهد حركة نشطة لأعمال وصف طريق بالأحجار ممول من الصندوق الاجتماعي للتنمية.. وقد لمسنا احتفاء الأهالي بهذا المشروع الذي وصفوه بشريان الحياة. أعباء مادية وجهد جسماني ونتيجة لصعوبة مسالك ودروب تلك البلاد فإن تكاليف أجور نقل كيس القمح أو الدقيق أو الأسطوانة الغاز إلى أقرب نقطة من محيط القرية وما جاورها على متن السيارة تتعاظم لتصل إلى أضعاف سعر المادة الرسمي خاصة مع ما تمر به البلاد من أزمة طاحنة في المشتقات النفطية المختلفة التي اندلعت منذ عدة أشهر ولا تقف عذابات المواطن عند هذا الحد فبما أن السيارة لا يمكنها الوصول إلى تلك البقعة المقطوعة عما حولها فإن على الرجل حمل الكيس الدقيق أو القمح على ظهره والغاز على رأس المرأة والمحظوظ هناك من يمتلك دابة أو حماراً يعينه على إيصال المواد إلى مسكنه حيث تستغرق عملية النقل اليدوية هذه مدة لا تقل عن أربع ساعات تحت حر الشمس أو هطول المطر لذلك كله نستشف الأسباب الكامنة وراء سعادة الأهالي بهذا المشروع. اللافت في الموضوع أن هناك عمالة رجالية ونسائية من أهالي القرى المجاورة يشاركون جنباً إلى جنب في إنجاز المشروع مقابل أجر يومي وقد شجع ذلك الكثيرين على التوافد والانضمام إلى العمالة من الجنسين باعتبار أن نسبة الفقر في هذه المناطق وما شاكلها مرتفعة جداً وبالتالي فإن أبناء السلفة يضربون عصفورين بحجر واحد تأمين مصدر للدخل حتى ولو كان مؤقتاً وانجاز طريق يقيهم عسف الطبيعة وقساوتها . ارتفاع وتحسن مستوى المعيشة وكم كانت سعادتنا غامرة ونحن نستمع إلى زهرة ناصر التي تحدثت بعفوية عن المردود الإيجابي للأجور التي تحصل عليها وأمثالها مقابل عملهن حيث قالت: لقد استطعت أن أؤمن حاجات البيت من المواد الغذائية لشهر رمضان وعلى وشك شراء ملابس العيد للأولاد التي حرموا منها طويلاً ولم تكن توفر لهم بالشكل الملائم وتستطرد: ولا أكشف سراً إذا قلت لكم أنني ومن أعرف من النساء ادخرنا مبلغاً مالياً خلال الأشهر الماضية من عملنا في المشروع وتمكنا من شراء قطع من الذهب ورأس أو رأسين من الغنم وتختتم حديثها العفوي بالتضرع إلى الله أن تظل أعمال المشروع قائمة دائماً للحصول على الأجر. المرضى كالموتى يحملون على النعوش وفي ثنايا حديث الشيخ حميد الحميري: ما يزيد الصورة مأساوية فقد أوضح أن الهم الذي لا يضاهيه هم هو عندما يصاب احد الأشخاص بوعكة صحية تستدعي عرضه على طبيب وبما أن المنطقة لا توجد بها خدمات طبية أو إسعافية حتى أولية فإن أهل المريض يتنادون فيما بينهم لجمع 10 إلى 15 شخصاً من القرية لحمله على النعش الذي يشيع فيه الموتى إلى المكان الذي تتواجد فيه سيارات ليلاً أو نهاراً وفي بعض الأوقات قد تسوء الحالة وتؤدي إلى الوفاة لكن هذا لا يعني شيئاً أمام مرض المرأة وبالذات التي تصاب بتعسر في الولادة تخيلوا كيف يكون حالها لذلك نطالب الحكومة بالنظر بعين الاعتبار لمنطقتنا.