اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 7 مايو/آيار2025    هي الثانية خلال أسبوع ..فقدان مقاتلة أمريكية "F-18" في البحر الأحمر    كيف تُسقِط باكستان مقاتلات هندية داخل العمق؟    وزير الشباب ومحافظ ذمار يتفقدان أنشطة الدروات الصيفية    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين جراء العدوان الصهيوني على غزة إلى 213    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    الإرياني: استسلام المليشيا فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها والمضي نحو الحسم الشامل    الكشف عن الخسائر في مطار صنعاء الدولي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    الحوثيين فرضوا أنفسهم كلاعب رئيسي يفاوض قوى كبرى    57 عام من الشطحات الثورية.    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    الإمارات تكتب سطر الحقيقة الأخير    صرف النصف الاول من معاش شهر فبراير 2021    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    الخارجية الأمريكية: قواتنا ستواصل عملياتها في اليمن حتى يتوقفوا عن مهاجمة السفن    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    حكومة مودرن    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إب.. جوهرة اليمن المهملة
نشر في أخبار اليوم يوم 17 - 09 - 2011

بعيداً عن صخب مدينة صنعاء وضوضائها ومشاكلها التي لا تنتهي قررت أنا وعائلتي قضاء إجازة العيد هذا العام متجولين بين قرى وأرياف محافظة إب التي أنتمي إليها..
أعوام عديدة مرت منذ آخر رحلة سريعة قمت بها إلى تلك الأرض الخلابة ببساطها المخملي الأخضر.. لكن مشاهداتي هذه المرة كانت مختلفة تماماً وهي ما دعتني للكتابة عن تلك المحافظة.
لمحة تعريفية
لمن لا يعرف عن هذه المحافظة فإن محافظة إب تعد من أهم المحافظات اليمنية لما تمتاز به من موقع جغرافي متميز، حيث تتوسط محافظات جمهورية اليمن، بل وتعد القلب النابض لليمن.. يغلب عليها الطابع الجبلي الوعر، ولقد أكسبها موقعها هذا وطابعها الجغرافي مناخاً لا مثيل له في كثير من بلدان العالم. فهي ذات مناخ معتدل طوال العام مع موجة برد خفيفة في فصل الشتاء وأمطار موسمية طيلة فصل الصيف الذي يلبسها ربها به حلة خضراء في غاية الجمال كاسية الجبال فيها.. لذا يطلق عليها اللواء الأخضر.. وتعد محافظة إب مركزاً سياحياً متميزا لما لها من سحر بمناظرها الطبيعية الأخاذة.
كما أنها زاخرة بالآثار التاريخية العريقة والمدن القديمة من عهد حمير وغيرها والتي ماتزال ظاهرة للعيان ولكنها تدمر يومياً على يد أهل تلك المنطقة في جهل تام دون أي التفات من الجهات المسئولة عنها.
طريق المائة حفرة ومطب
على امتداد طريق صنعاء - إب كان الإسفلت الذي رصف مؤخراً مليئاً بالحفر ومتقطعاً هنا وهناك كاشفاً عن الغش الفاضح الذي قامت به الشركات المسئولة عن إنشاء هذا الطريق.
لم يخل الطريق أيضاً من المطبات العشوائية التي صنعها بائعو القات واليقطين والبطاط من اجل إبطاء سرعة السيارات المارة وعرض بضاعتهم على أصحابها، بالإضافة إلى أعمال الحفريات والرصف التي لم تنتهِ في أكثر من منطقة بسبب توقف تمويلها..
تلك الحفر والمطبات والطرق الغير مكتملة تنغص على المسافرين رحلتهم، وتجعلهم بالكاد يستمتعون بجمال الطبيعة من حولهم وخصوصا من يسوق السيارة. حيث يظل نظره طوال الرحلة مشدودا أمامه خوفا من الوقوع في احد الحفر أو إصابة سيارته في أحد المطبات، ويضطر أصحاب السيارات المنخفضة إلى إيقاف سياراتهم في أماكن معينة ومواصلة رحلتهم مشياً على الأقدام أو استئجار سيارات أخرى مرتفعة لمواصلة رحلتهم إذا لم يكتفوا أصلاً بزيارة الأماكن ذات الطرق المعبدة نوعاً ما.. مما يحرم المناطق الوعرة من زيارة السائحين والمتجولين لها والاستفادة من الأموال القليلة التي قد يصرفونها هنا أو هناك..
إلى جانب ذلك تفتقر تلك الطريق إلى استراحات عائلية حقيقية تقدم خدمات جيدة من حمامات ومأكولات نظيفة وكل ما هو موجود من استراحات ليست سوى أماكن متسخة مقززة لا تخضع لأي رقابة بالرغم من أنها تحمل اسم سياحية، إلا أنها أكثر تنفيراً للسياحة الداخلية والخارجية وتعطي انطباعاً سيئاً لكل من يقصدها.
حكومة الانتخابات
في محافظة إب تجد قرى كثيرة متناثرة هنا وهناك لم تصل إليها الدولة حتى بمشروع واحد ولا يعرف أهلها من الدولة والحكومة إلا أسماء المرشحين في الانتخابات أياً كانت..
يسمعون وعوداً بإصلاح الطرق وعمل مشاريع خدمية تسهل حياتهم المضنية ولكن كل هذه الوعود تذهب أدراج الرياح ولا يجدون بعد الانتخابات من يصغي حتى لمشاكلهم، فأغلب من تم انتخابهم لا يسكنون تلك القرى معهم، بل يسكنون في المدن المجاورة إن لم يكونوا مستقرين في العاصمة صنعاء.. وهكذا فإن أصحاب تلك القرى لا يعرفون عن مرشحيهم هؤلاء إلا أسمائهم التي ملأت جدران منازلهم وحجارة حقولهم، ووعودهم لهم مع كل دورة انتخابية، وقد تطال يدهم معونة مالية لا تتجاوز بضعة آلاف الريالات مع اقتراب تلك الانتخابات لضمان مشاركتهم في تلك الانتخابات.. والجيد من هؤلاء المرشحين من يقوم بتوزيع بعض المواد الغذائية أو الأموال في شهر رمضان من كل عام على بعض الفقراء ممن انتخبوه أو على من ساندوه في حملته الانتخابية والتي غالباً ما تكون صدقة أو زكاة أمواله وتجارته الطائلة التي ينشغل بها طوال فترته الانتخابية بعيداً عن ناخبيه وقضاياهم.
مشاريع وهمية وفساد بالمليارات
على استحياء نجد في بعض تلك القرى مشاريع أقيمت هنا وهناك ولكن أغلبها لم يكتمل، طرق تم رصف منتصفها فقط... مدارس لم يكتمل حتى بناء أسوارها أو مشروع مياه توقفت مواسيره عند نقطة معينة ولم تمر المياه منه منذ أعوام، فيما القرى التي يفترض أنها مستفيدة منه تعاني من شحة المياه..
أغلب تلك المشاريع أقيمت أو بدأت بدعم دولي أو بدعم من قبل منظمات أجنبية قامت بعمل دراسة جدوى لتلك المشاريع عبر جهات حكومية أو مجالس محلية وقدمت مئات الآلاف من العملات الصعبة لتشييدها ولكن غول الفساد طال تلك المشاريع وتم نهب أغلب تلك الهبات لتظل تلك المشاريع دون اكتمال.
بعض تلك المشاريع وضع حجر الأساس لها منذ سنوات حينما زارها أحد كبار مسئولي الحكومة ورصد لها مبالغ ضخمة تفوق قيمة إنشائها الحقيقية إلا أنها أيضا لم تجد طريقها للتنفيذ الكامل وظلت شاهد عيان لهذا الغول الذي يلتهم خيرات البلاد ويصر على إبقائها خارج إطار المدنية..
لا ننكر أبداً أن هناك مشاريع جيدة ومكتملة وحيوية لكنها تظل محدودة جداً وذات جدوى ضئيلة مقارنة بالمناطق الكبيرة والمتعددة في المحافظة..
فهناك العديد من القرى المترامية الأطراف وعلى سفوح الجبال تفتقر لطرق معبدة حتى ولو بدائية تسهل نقل المواطنين منها وإليها وبسبب ذلك يموت كثيرون من قاطنيها في حالة المرض عند إسعافهم أثناء نقلهم حيث يضطر أهاليهم إلى نقلهم فوق البغال أو حملهم فوق ظهورهم إذا لم يستطع المريض المشي قدماً حتى أول طريق قد يبعد مئات الأمتار عن تلك القرى...
قرى جبلية أيضاً وجدناها تعتمد على ما تجمعه من مياه الأمطار فقط للشرب والأكل وفي استخدامات أهلها اليومية تلك المياه يتم جمعها في حفر يتم صناعتها مسبقا ويشرب منها الإنسان والحيوان والطير احد تلك الحفر وجدنا أكثر من خمسة أنواع من الحشرات تطفو وتسبح داخلها قيل لنا أنها الأنظف في القرية ويتم استخدامها للشرب فقط.
أما الحفرة الأخرى فقد نمت طحالب خضراء على سطحها تم تخصيصها مؤخراً لأعمال المنزل والطبخ أحياناً بعد نمو تلك الطحالب..
ويعاني سكان تلك القرى من أمراض عديدة وأكثر أطفالها يصابون بين الحين والآخر بالاسهالات الشديدة والهزال والمغص والأمراض المختلفة بسبب تلك المياه بالرغم من تأكيد إحدى نساء تلك القرى بأنهن يقمن بغلي تلك المياه ولفترة طويلة لقتل الجراثيم والحشرات وتصفيتها قبل استخدامها في الشرب، فيما أشار أحد القرويين هناك بأنه لا توجد أي مشاريع مياه نظيفة لديهم، كما لا توجد آبار أو عيون طبيعية قريبة منهم يستطيعون الاستعاضة بها عوضاً عن هذه المياه الأسنة..
أغلب قاطني تلك القرى هجروا بيوتهم وحقولهم وانتقلوا للعيش في أماكن أخرى تتوفر فيها المياه النظيفة ولم يبق فيها سوى من لم يستطع ترك مكانه وخصوصاً من يغلب عليهم الفقر الشديد والجهل..
قرى أخرى كانت لديها تلك المشكلة أيضاً لكنها حُلت عبر حفر آبار ارتوازية وعمل سدود خاصة وحنفيات لصب المياه النظيفة قام بها فاعلي خير عبر شخصيات أو جمعيات خيرية لم تطلها يد الفساد...
قرى نائية وجدنا فيها مشاريع خيرية أتت من شخصيات وجمعيات من دول أخرى بعضها خليجية، فيما لم تصل يد حكومتنا اليمنية تلك المناطق ولم تعرف المشاريع المحلية طريقها إليها بعد.
في مقابل ذلك يمر سيل وادي بنا المشهور، والذي تغنى به عدد كبير من الشعراء، متوسطاً عدداً كبيراً من القرى مليئاً بمياه الأمطار جارفاً في موسم الأمطار جميع الحقول من حوله، والسيارات التي تحاول قطع الطريق إلى الطرف الآخر منه ويذهب في كل موسم ضحايا عدة من بشر وحيوان داخله دون أن تفكر الحكومة يوماً في الاستفادة منه ببناء سدود أو حواجز ومشاريع تحافظ على تلك المياه طوال العام ليستفيد منها المزارعون وأهالي تلك المنطقة وتذهب كل تلك المياه الجارفة كل ما يعترض طريقها من بشر وحيوان وشجر وحجر لينتهي المطاف بها في البحر العربي...
( إرحل... لا ترحل )
على غير العادة انعكست الثورة اليمنية التي تعيشها المدن اليمنية المختلفة بقوة على أبناء وأهالي قرى وأرياف محافظة إب النائية والتي حاول النظام جاهداً عزلها عن ما يحدث في الساحات اليمنية، مما يبرهن على أن ما يحدث هي ثورة حقيقية بمعنى الكلمة وليست أزمة سياسية كما يدعي النظام.
فقد جرت العادة أن تكون الأرياف أبعد ما يكون عن أي خلاف سياسي أو ظواهر سياسية، فهي لا تعني القروي البسيط الذي يقضي أغلب يومه في حقله أو بين مواشيه.
لكن الثورة الحاصلة اليوم أثرت وبشكل قوي على كل صغير وكبير في تلك المناطق حتى المتواجدة على رؤوس الجبال والتي لم تصلها الكهرباء بعد ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية، لكن الثورة وصلت إليها وبقوة ورفع ساكنها شعار ارحل.
فعلى طوال الطريق المؤدي إلى أكثر قرى ومدن محافظة إب تجد الإسفلت وقد كتب عليه عبارات الرحيل للنظام وزبانيته بين كل بضعة أمتار وتجد اغلب المنازل والكهوف والحجارة والجروف الجبلية رافعة لشعار الثورة المختلفة، وقلما تجد عبارات مساندة للنظام كتبت هنا أو هناك على استحياء من متنفذين في تلك المناطق والمستفيدين من بقاء النظام.
ولا تخلو مجالس تلك القرى ولقاءات أهلها من نقاشات حادة حول الأحداث التي تجري على الساحة اليوم وتجد الغالبية متعصبين وبقوة للثورة ومستعدين لحمل السلاح في أي لحظة وتحويلها من ثورة سلمية إلى مسلحة إذا ما لزم الأمر، معبرين عن سخطهم وتذمرهم من نظام جعلهم معزولين تماما عن العالم وعن المدنية وجعل أبنائهم عاطلين عن العمل وغير مؤهلين بسبب قلة ورداءة التعليم لديهم وعدم تطوير المنطقة وجعلها جاذبة للسياح على الرغم مما تزخر به من مناظر خلابة لتوفير فرص عمل أفضل لأبنائها عوضاً عن هجرهم لها ورحيلهم إلى الخارج بحثاً عن لقمة العيش لهم ولآبائهم..
غالبية القرويين ينظرون بتفاؤل نحو الثورة وتحقيق دولة تعني بهم وباحتياجات منطقتهم وتخفف من وطأة الفقر التي يعاني منها اغلب قاطني تلك المناطق وعمل مشاريع حقيقية يستفيد منها القاصي والداني وخلق بيئة سياحي ترفع من مستوى المعيشة في تلك المحافظة التي جعل النظام ساكنيها يبيعون بناتهم بأبخس الأثمان لرجال الخليج طلباً للعيش تحت مسمى ( الزواج السياحي ) دون أن يعوا مخاطره وفي ظل صمت حكومي مطبق فضحته منظمات حقوقية وصحف محلية ودولية.
ويتفاخر أهالي تلك القرى بمن لديه خيم أكثر في ساحات الاعتصام ومن عدد أبنائها أكثر في تلك الساحات ويقومون بإرسال ما يستطيعون جمعه من فاكهة ولبن وكعك لأبنائهم وزملائهم في ساحات التغيير والحرية رافعين اكفهم لهم بالنصر...
في المقابل تجد أنصار النظام أقل عدداً بكثير، كانوا في البداية مستقويين على هؤلاء الثائرين.. لكنهم اليوم أكثر خنوعاً وخوفاً على أنفسهم ومصالحهم في تلك القرى بعد أن شعروا بأن الثورة ناجحة لا محالة، واكتفوا بان يأتوا في جنح الظلام لمحو عبارات الرحيل أو تغييرها لصالح النظام والعودة سريعاً لأوكارهم قبل أن يشاهدهم احد..
( قرى وأرياف تغرق في ظلام دامس )
لم تنعم قرى وأرياف محافظة إب كأغلب الأرياف اليمنية بخدمة الكهرباء إلا في السنوات القليلة الماضية...
وبسبب موقف أغلب أبنائها اليوم والتي تمتلئ ساحات التغيير والحرية بالأمانة وبقية المحافظات بهم ولرفع غالبية أهلها شعارات الرحيل عالية على جدران منازلهم المتهالكة، كان العقاب وخيما حيث تم قطع الكهرباء عن اغلب تلك المناطق وجعلها محرومة من تلك الخدمة لأيام عديدة قد تصل لأسبوع كامل..
لم تكن أعذار فروع مؤسسة الكهرباء بتلك المناطق انقطاع التيار الكهربائي عن تلك القرى بسبب الأعمال التخريبية التي يقوم بها مسلحون في مأرب ولكن تم إضافة عذر سرقة فيوزات خاصة بكنبات الكهرباء الخاصة بتلك القرى.
وبسبب ذلك العذر الواهي يقوم أهالي تلك المناطق المحرومة بجمع قيمة تلك الفيوزات التي يصل قيمة الواحد منها لأكثر من عشرة الآف ريال وشراء فيوزات جديدة ودفع تكاليف تركيبها للمؤسسة ولكن سرعان مايتم سرقتها مرة أخرى..
أحد مهندسي الكهرباء المنتمين لتلك المناطق كان حاضراً بالصدفة من صنعاء لزيارة أهله, حينما سألناه عن كيفية السرقة لتلك الفيوزات أكد بان من يقوم بسرقتها كهربائي محترف، مؤكداً انه يعمل في مؤسسة الكهرباء ومختص في تركيب ونزع هذه الفيوزات لأنها ليست بالعملية السهلة...
الأدهى في الموضوع كله أن تلك الانقطاعات الطويلة ليست متساوية في كل تلك المناطق، ففي المناطق التي يكثر فيها أنصار النظام تقل ساعات الانطفاء فيها فيما تطول لأيام في القرى المناصرة للثورة تحت ذريعة سرقة الفيوزات والأعمال التخريبية...
أحد رجال تلك القرى أخبرنا بأنهم عندما ذهبوا إلى المدينة المجاورة للشكوى بسبب طول انقطاع الكهرباء عنهم بينما القرية المجاورة لهم لا تنقطع الكهرباء عنها نصف تلك المدة رد عليهم رئيس المجلس المحلي قائلاً ( انتم ماقرحتم طماش ورصاص بسلامة الرئيس سعهم ).
إلى جانب ذلك تعاني تلك المناطق من ضعف تغطية شبكة الاتصالات خاصة للهواتف المحمولة والتي تمنع التواصل لأيام عديدة بين أهاليها وأبنائهم في الداخل والخارج.
ولم تكتمل المعاناة إلى هذا الحد فقط، بل تم إمعان في مضاعفة معاناتهم عبر قطع المياه الحكومية لتقوم النساء والأطفال بجلب المياه من أماكن بعيدة على رؤوسهن وفوق البغال والدواب.. كما يتم بين الحين والآخر إخفاء إسطوانات الغاز وخلق أزمات غاز في المنطقة أحيانا لا تكون تلك الأزمة موجودة في أي محافظة أخرى وإذا ما توفرت اسطوانة الغاز فيتم رفع قيمتها إلى أضعاف مضاعفة، مما يضطر غالبية أهالي تلك المناطق الذين يعانون من الفقر الشديد للعزوف عن شرائها واستخدام الحطب بديلاً عنها، وهو ما ظهر جلياً عند مرورنا بأغلب الأحراش والوديان التي وجدنا معظم أشجارها وقد قطعت مما ينذر بكارثة بيئية وشيكة إذا ما استمر الحال على ما هو عليه.
وزراء ومسئولين كثر....دون فائدة
عدد كبير من مسئولي الدولة ينتمون إلى مناطق مختلفة من محافظة إب بينهم وزراء لوزارات هامة وحيوية وآخرون أعضاء في مجلسي النواب والشورى وقادة عسكريين ورجال أعمال ونفوذ في اليمن، لكن بصماتهم في مناطقهم ومسقط رأسهم تكاد تكون معدومة... ولا تعلم أن من هذه القرية أو تلك من هو اليوم مسئولاً في الدولة إلا من خلال الفلل والمنازل الفارهة المغلقة والخالية من السكان والتي بنوها في وسط المنازل الطينية أو الحجرية القديمة والمتهالكة الخاصة بأبناء تك القرية..
على مقربة منا في طريق إحدى القرى مرت سيارة فارهة اشتبه أهالي تلك القرى بسائقها انه مسئول في الحكومة يبحثون عنه منذ مدة طويلة وحاولوا التهجم عليه ولكنهم سرعان ما تبينوا الاختلاف وبعد التحري عن السبب علمنا أنهم ينتظرون نزول هذا المسئول إلى قريته على أحر من الجمر لمعاتبته على التنكر لأبناء منطقته وعدم توظيف أي احد من ابنائها في التوظيف الجديد بالرغم من الشهادات التي يحملونها...
احد المسئولين أراد أن يقدم مشروعاً متميزاً لأبناء قريته التي لا يوجد فيها حتى مدرسة للابتدائية، فقام بتسوير أرضية كبيرة تتجمع فيها الأمطار مما يستحيل زراعتها ليحولها إلى نادي لكرة القدم!!
كارثة بيئية وشيكة
على امتداد طريق ذمار - عنس بداية الدخول إلى محافظ إب تجد أكياس البلاستيك منتشرة بكثرة على طول الطريق متناثرة بين الحقول وعلى الأشجار تلك المنطقة مخصصة لبيع القات بأنواعه أسواق ممتدة دون رقابة على تلك الكارثة البيئية التي يسببونها هؤلاء الباعة.
مناطق أخرى مجاورة لسيل وادي بنا قام مسئولوها بتصريف المجاري إلى مجرى السيل دون مراعاة لما قد يسببه هذا التصرف من تدمير لأكبر مجرى مائي في اليمن يشرب منه الإنسان والحيوان والشجر، إضافة إلى رمي المخلفات داخل هذا السيل أو تجميعها في أماكن مكشوفة وسط الحقول والقيام بإحراق بعضها بشكل عشوائي وغياب دور قطاع النظافة والبلدية هناك اللهم إلا في أماكن محدودة وتكون غالبا تابعة لمسئولين هناك..
كل تلك التصرفات وغيرها تنذر بكارثة بيئية حقيقية على المنطقة إن لم تكن على البلد بأكمله إذا لم يتم وضع حلول سريعة لها خصوصا في ظل تساهل أعضاء المجلس المحلي هناك إن لم يكونوا مشتركين في تلك الأعمال.
أطباء خارج نطاق الرقابة
إذا كنت طبيباً عاماً ولم تجد فرصتك في فتح عيادة ومزاولة المهنة في الأمانة أو إحدى المدن لعدم كفاءتك فإن الفرصة كبيرة أمامك في تلك المحافظة أو غيرها..
ففي محافظة إب وفي أكثر من مديرية وجدنا أطباء وطبيبات تخصصهم طب عام ولكنهم يعالجون كل الأمراض ابتداءً من الولادة ومعالجة الأطفال ومروراً على أمراض الكلى والزائدة والمرارة واللوزتين وخلافها والتي تدر أموالاً طائلة وانتهاءً بإجراء عمليات صغيرة لإزالة أورام يكتشف فيما بعد أنها أورام خبيثة تنتهي بصاحبها إلى الموت المحتم نتيجة التدخل الطبي الخاطئ، هؤلاء الأطباء فتحوا عيادات البعض منها غير خاضع للشروط الصحية مستغلين فقر وحاجة الناس هناك وجهلهم أيضاً وصمتهم تجاه كل ما يحدث لهم من مشاكل، تجد أكوام النفايات تملأ عيادته والأدوية المختلفة موجودة لديه لا تعرف كيف يتم تخزينها.. يعالج كل شيء ولديه غرفة عمليات صغرى أيضا... وعندما يفشل في معالجة أي حالة يضطر أسفا لتحويلها إلى صنعاء أو مدينة آب ا تعز ليكتشف المريض وأهله الكارثة هناك..
حالات كثيرة تسمعها عن الأخطاء الطبية القاتلة هناك لكن دون أن يحرك أحد ساكناً ويظل هؤلاء الأطباء يحصدون الأموال الطائلة والأرواح البريئة في ذات الوقت طالما هم يدفعون ما عليهم للجهات المعنية..
فأين وزارة الصحة من كل هذا.. وكيف يتم صرف التصاريح لهم، لا أحد في تلك المنطقة يعلم ذلك أو يجرؤ على السؤال.
طريق العودة... وأزمات مفتعلة
عند عودتنا إلى صنعاء رأينا سيارت مختلفة تقف في طوابير طويلة لا تكاد أن تنتهي امام محطات المشتقات النفطية المتواجدة على امتداد الطريق نسمع بين الحين والآخر فيها اطلاق الرصاص قيل انه لتفرقة أي خلافات تحدث بين المواطنين المنتظرين ليعودوا إلى انتظامهم، كثير من المزارعين هناك تلفت محاصيلهم بسبب اختفاء مادة الديزل التي طال غيابها وارتفعت أسعارها بشكل جنوني حتى المشتقات الأخرى لم يسلموا من ارتفاع أسعارها وتذبذب تواجدها لتضيف أعباءً ثقيلة على كاهلهم لن يتحملها موسم حصادهم القادم..
وعلى مدخل صنعاء فوجئنا بتوقف أكثر المركبات وصعوبة حركة السير، تساءلنا عن السبب، قيل لنا أن أفراد الأمن يقومون بتفتيش جميع المركبات بحثاً عن أي سلاح لمنعه من الدخول إلى العاصمة، استغرق وقوفنا هناك أكثر من ساعتين دون أن نستطيع اخذ استراحة أو أن نجد مكاناً للأطفال أو لقضاء الحاجة وكنا كل ما اقتربنا أكثر من نقطة التفتيش نفاجأ بهم يمنعون أي مركبة فيها شباب أو رجال فقط من دخول صنعاء دون أي سبب ويكتفون بتمرير المركبات التي تقل العوائل والأطفال بعد تفتيشهاً تفتيشاً دقيقاً وبعد دخولنا لصنعاء بساعتين سمعنا خبر إغلاق ذلك المدخل نهائياً أمام المسافرين الذين قطعوا آلاف الكيلو مترات للعودة إلى منازلهم بعد قضاء عطلة العيد خارج مدينة صنعاء، مما يزيد من عنائهم وقلقهم وعودة بعضهم أدراجه أو الانتظار ساعات طويلة أمام المدخل في العراء حتى السماح لهم بالدخول
( طفولة ضائعة.. وشباب مهاجر )
وأخيراً يعيش أغلب أهالي محافظة إب في فقر مدقع، البعض منهم كان أوفر حظاً حينما التحق بصندوق الضمان الاجتماعي ولكنه فوجئ بالتعذيب الذي يحصده كل ثلاثة أشهر في النزول من قريته إلى مقر الصندوق والمعاملة للحصول عليه وسط مماطلة الموظفين وبالكاد يصرف معاش الضمان الذي لا يكفي أحياناً لشراء كيس دقيق.
أطفال من أعمار مختلفة ذوو بشرة بيضاء غزتها سمرة الشمس وسوء التغذية، تكتسح خدودهم حمرة لفحة الهواء البارد التي تسبب جفافاً في البشرة تاركة علامات واضحة، يلحقون الأغنام والمواشي في المراعي أو يحملون دبيب الماء فوق الدواب، بالكاد يعرفون القراءة والكتابة وغالباً لا يفقهون ما يقرأون يدرسون في مدارس خالية من أي نشاط معرفي أو مهاري بالكاد يجدون الكتاب والمعلم وغالباً لا يجتمع الاثنان وان اجتمعا فلا يمكثان لأكثر من شهرين أو ثلاثة طوال العام وهكذا صرف لهم شهادات دون تحصيل علمي حقيقي ويظل مكانهم هو اللحاق خلف تلك الأغنام..
أما الشباب فيحلمون دوماً بالهجرة ويسعون للاغتراب خارج الوطن، من كان ذو حظ وفير فهو مغترب اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية أو حاملاً للجنسية الأمريكية أو في إحدى دول الخليج عاملاً ومن كان أقل حظاً وهم غالبية الشباب اليوم يدخلون بطرق غير مشروعة إلى المملكة العربية السعودية ويعملون بأعمال مختلفة يلاقون خلالها صنوف العذاب والشقاء..
أما معظم الآباء والأمهات فهم يعملون في الحقول والوديان يترقبون مواسم الأمطار ليبذروا بذورهم أو يحصدوا ثمرهم.. الذي بالكاد يعيلهم ومن معهم من نساء أبنائهم الغائبين وأطفالهم وينتظرون على أمل أي مبالغ يرسلها أبناؤهم.. يبتهلون بالدعاء ليل نهار طلباً من الله أن يحفظهم وألا يفاجأوا بهم عائدين في صناديق أو يسمعون خبر موتهم في الحدود أو أثناء مطاردتهم بين المدن والأرياف السعودية، في الوقت الذي تعد منطقتهم ذات موارد سياحية وتجارية لو استغلت بشكل أمثل لأغنتهم وأغنت اليمن أجمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.