ابتلعت لعابها، كست الحمرة وجنتيها، تصببت عرقاً، سقطت عيناها إلى الأرض، تنفست بعمق، أطلقت عيناها الدمع، حبست نحيبها في جوفها، رفعت يدها اليسرى وغطت بها نهديها, اجترت أنفاساً عميقة ، جذبت يدها اليمنى وسدت فمها بعد أن بانت خفاياه , كان وقع أقدام الضيوف يتجه إلى الخارج بعد رفض طلبهم الذي قدموا من أجله. السحب تشد رحالها بعد إغارتها على القرية، ظهرت الشمس على حافة الجبل، و على الجهة الأخرى قوس قزح بألوانه الزاهية، خرج سكان القرية إلى حقولهم يتلذذون بمناظرها بعد أن أغارت سحب الصيف، هي واحدة من عشرات فتيات القرية، غزت العنوسة بشرتهن الحنطية، وأصابهن الزمان بمآسيه، تراقب السحاب من جوار نافذة غرفتها التي أطبقت على جدرانها الوحشة، وقفت نظراتها الحائرة على حافة المدرجات تتطلع إلى المياه وهي تعكس خيوط الشمس الهادئة، ظلت تراقب الأرض التي أصابها الزمان كذلك, وأصبحت غير صالحة للزراعة لفقدان خصوبتها،تخيلت مصيرها الأبدي الذي سيحسم خلال لحظات، ودَعت نظراتها الأرض الجدباء، ألبست وجهها السرور، بدأت بترتيب غرفتها، لم تعد تسمع إلا صوت الساعة الحائطية مدوياً “تك .. تك “ العقارب تسير ببطء ، و ضربات قلبها تزداد باطراد، تصرف نظراتها إلى المرآة الكبيرة المغطية لجانب من الجدار، وعليها صورتها التي أخفت معالمها بقع دهن داكنة وذرات غبار عالقة على السطح، مسحت ما علق بوجه المرآة بعد أن ارتفع صوت الضيوف يتناقشون مع والدها،ظهرت صورتها واضحة على المرآة وهي ترتدي ملابس احتفظت بها لمثل هذا اليوم ، يتبادل والدها النقاش مع ضيوفه، بدأ النقاش يفرز حلاوته، لا تزال جوار اللوح الزجاجي الذي ارتسمت عليه صورتها، شكت إلى المرآة الجراح منذ أن عرفت أسرار الحياة , في الثانية عشرة من عمرها, تقدم يومها أحد شباب القرية لطلب يدها ، حينها اعتذر والدها بسبب سنها الصغير، تتابعت الزيارات لطلب يدها إلا أنها لم تلق ترحيب من والدها الذي يعتذر دائماً أو يطلب أموالا طائلة، تذكرت والدتها التي قضت نحبها بعد أن ولدتها بعشر سنين، و ليوم الذي دخلت زوجة أبيها إلى هذا البيت، لملمت ما تبقى من شجونها الذي سلبه الزمن، ابتسمت في وجه المرآة عندما أنتابها الأمل، تذكرت شتاء العام الماضي حين اجتمع الضيوف في المجلس وبدأ حديثهم -كالذي تسمعه - حين قدم شاب يطلب يدها , إلا أن والدها حول الخطبة لأختها الصغيرة – غير الشقيقة تذكرت عمرها الذي أشرف على السابعة والعشرين، أدارت ظهرها إلى المرآة عندما سمعت الشاب – الذي قابلها قبل ثلاثة أيام ووعدته بقبوله زوجاً إذا وافقت (خالتها) ووالدها – يتبادل الحديث مع والدها، سلطت اهتمامها ، ركزت سمعها أكثر، ألصقت أذنها على ثقب الباب، طلب الشاب يدها من والدها ، أمتنع والدها عن الإجابة، كرر الشاب طلبه، ارتفع صوت والدها: لماذا لم تطلب يد أختها الأخرى حتى نوافقك طلبك؟ نهض الضيوف، اندفعوا إلى الخارج، كانت الشمس قد تدحرجت خلف الجبل ... ذمار في 2 / 7 / 2001