منذ اللحظة الأولى التي تعلن فيها العشر الأواخر من شهر رمضان سرعان ما تبدأ تباشير عيد الفطر المبارك وذلك من خلال الزحام الذي يكتنف المدن اليمنية الصغيرة والكبيرة، وأصوات الباعة الذين يظهر اغلبهم في هذا الموسم الخصب من العام..صحيفة الجمهورية طافت أرجاء العاصمة اليمنيةصنعاء لتشتم نكهة العيد من خلال ذلك الزخم الهائل من الناس والبضائع المختلفة. ألوان مبهرة البداية في شارع التحرير بقلب العاصمة اليمنيةصنعاء ،حيث انتشر الباعة على طول الرصيف من الجانبين ،وبالأخص باعة الملابس الملونة و المختلفة ،يقول محمد علي احد المتسوقين :الألوان تبهرك ،وإلحاح الزبائن على بيع بضائعهم يجعلهم يطرقون كل السبل المقنعة للشراء ،بل يجعلهم في أكثر الأحيان أكثر إلحاحا على إرغام الزبون على الشراء ،وحين اصل الى منزلي كما حصل في الأعياد السابقة أتفاجأ بان البضاعة التي اشتريتها ما تسواش الثمن الذي دفعته ،وهذا يجعلني أكثر تخوفا من باعة الرصيف او بالأحرى من بضائع الرصيف،لكن هذا لا يمنعني من فحص ما اريد شرائه قبل ا ن اقع في الفخ ،خصوصا وإنني اسكن خارج صنعاء ‘فاذا خدعني البائع فليس من المعقول ان أعود اليه واقطع كل هذه المسافة الطويلة. زحام شديد الزحام على أشده ..حيث يجمع زحام الساعات الثلاث التي تسبق لحظات الإفطار وزحام العشر الأواخر من رمضان التي تسبق العيد ..باب السبح يكتظ بالقات والكدم والتمر والخضروات والجنابي واللحوح والملوج والعاب الأطفال والسحاوق واسكافي منهمك في خياطة احد الأحذية،فيما صراع يكاد ان ينشب بين طفل بائع للكدم وشخص غاضب ..ويتكاثر الزحام ،وفي الاتجاه الآخر بجانب جامع القبة نساء متشحات بالسواد الذي يغطي كل أجسادهن وأطفال صغار جاثمون حولهن ببراءة..النساء تمتد أياديهن لفاعلي الخير ليجودوا عليهن بما اجاد الله عليهم ..لقد تزايدت أعداد النساء المتسولات هذا العام اكثر من العام الماضي ربما بفعل الازمة التي عصفت باليمن الحبيب وعرت الكثير من الاسر المستورة التي لم تجد سوى الرصيف ملاذا آمنا لها يقيها شبح الفقر،وتتغلغل أقدامي باتجاه شارع التحرير فأجدني تتجاذبني ايادي الباعة ،يقول جمال نعمان الحداد الذي ترك كتبه الرصيفية إن العمل مع الكتب وخلال هذا التوقيت بالذات يعد خسارة كبيرة فمن النادر من يأتي لشراء الكتب الامر الذي جعلني الجأ الى البحث عن ضمار اشتريت به ملابس ،والحمدلله الامور تمضي على ما يرام وحركة البيع والشراء قوية وان كانت اقل من العام الماضي ،لكن الحمدلله انه ما زال هناك حركة وبيع وشراء ،والتاجر حتى ذلك الموسمي يستطيع ان يجني ثمرته في هذا الوقت،امابقية ايام السنة باستثناء موسم عيد الاضحى المبارك .اقصد كل ايام السنة بوار ،وانا اعود بعد اكتمال الموسم الى بسطة الكتب والله يعين الناس على شراء احتياجاتهم ،ثم انصرف عني للحديث مع زبائنه الكرام كما يراهم بعينيه. أجواء رمضانية عيدية ويستمر تسكعي في اجواء ممزوجة بالفرحة الرمضانية العيدية ،فرحة تكاد ان تفلت مني كلما فكرت في مصروفات العيد فاقارن نفسي باولئك المفترشين الرصيف لا يريدون اكثر من قوت يومهم ،واواصل المسير وابواق السيارات تكاد ان تصم اذني ناهيك عن ميكروفونات الباعة اصحاب العربيات والبسطات المختلفة. وفي حي شميلة قضيت بقية النهار وسط زحام لا يختلف عن بقية الأحياء الصنعانية بل واليمنية ان لم تكن العربية ..اسواق جديدة وباعة جدد ومشترون جدد البعض يتسوق لشهر رمضان والبعض الآخر يتسوق للعيد وطائفة ثالثة للاثنين معا،وتتسرب الأجواء الخارجية الى اعماقي شلالات من سرور وسعادة في ظل عجلة الحياة التي تدور بسرعة هائلة وترتسم صنعاء لوحة رائعة مع الغروب الذي يحمل في طياته فرحتين في وقت واحد فرحة الفطر بعد يوم شاق من الصيام ،وفرحة العيد بعيد ثلاثين يوما من الظمأ والجوع والعبادة ،وفي ظل هذا الزحام يبرز بعض الباعة الذين كسدت بضائعهم في هذا الوقت ،يقول احد الباعة للأجهزة الالكترونية :الناس أكثر إقبالا على شراء الملابس والملابس فقط ،وغيرها لا يتم الالتفات إليه الا نادرا ،وزاد انطفاء الكهرباء المتكرر والشبه المتواصل الطين بله ،فزاد ذلك من كساد بضائعنا،ويبرز المثل الشعبي: في الشارع الف دكان على كف الرحمن. وهنا يبرز اكثر من ذلك فباعة الرصيف اكثر من اصحاب الدكاكين ،ولا يدفعون ايجار ماء او كهرباء او محل الامر الذي يجعل من ربحهم اكثر وفرة ،وان كانوا يرون عكس ذلك. سوق النساء الزحام لا يتوقف وبعد الافطار كان اكثر من ذي قبل ،وخصوصا زحام النساء اللاتي يخرجن للتبضع ، يقول احد سائقي الباصات ساخرا :من اين خرج كل هذا السواد الاعظم من النساء ،لا بد ان اعداد النساء في اليمن اكثر بكثير من اعداد الرجال ،فيما تقول احدى النساء المتسوقات ان التسوق لا يقتصر على الرجال فقط وليس حكرا عليهم ،فالنساء لهن الحرية في ذلك ولديهن الذوق الذي يتناسب معهن ،وتتساءل عن المشكلة التي تكمن وراء تسوق المراة ..وتضيف ساخرة ان العادات والتقاليد الذكورية والقبلية في اليمن تحصر المراة في عمل المنزل فقط ،وهذا ظلم ،ثم ان كثيرا من العائلات تخرج جماعات للتسوق والدنيا امان الله،وتظل الفرحة هي الفرحة وان كانت منقوصة قليلا حتى يتم التخلص من كل المشكلات العالقة في الساحة اليمنية..وتلك مسالة ذات اهمية لن تكتمل الفرحة الا بحلها.