إغلاق مطار "بن غوريون" يدفع الصهاينة للمغادرة برا .. هربا من الموت!    كندة: «ابن النصابة» موجّه.. وعمرو أكبر الداعمين    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    مجلس الوزراء يشدد على مواجهة تدهور العملة للتخفيف من معاناة المواطنين    فعالية ثقافية للهيئة النسائية في الأمانة بذكرى رحيل العالم الرباني بدر الدين الحوثي    حدود قوة إسرائيل    مانشستر سيتي يفوز بثنائية على الوداد في كأس العالم للأندية    حجة .. إتلاف مواد غذائية منتهية الصلاحية في مديرية المحابشة    عدن بين الذاكرة والنسيان.. نداء من قلب الموروث    الرئيس المشاط لأهالي غزة: "نصر من الله" سترونه قريبا    الرئاسة تحذر الحوثيين من الزج باليمن في صراعات إقليمية مدمرة    اجتماع بصنعاء يناقش جوانب التحضير والتهيئة الإعلامية لمؤتمر الرسول الأعظم    رئيس الوزراء يناقش نشاط وزارة الشئون الاجتماعية والوحدات التابعة لها    لملس يزور الفنان المسرحي "قاسم عمر" ويُوجه بتحمل تكاليف علاجه    روسيا تحذر أمريكا من مساعدة تل أبيب «عسكريا»    انتقالي شبوة يتقدم جموع المشيعين للشهيد الخليفي ويُحمّل مأرب مسؤولية الغدر ويتوعد القتلة    رسميا.. برشلونة يضم خوان جارسيا حتى 2031    الأطراف اليمنية متخادمة مع كل المشاريع المعادية للمنطقة    البيضاء : ضبط ستة متهمين بجريمة قتل شاب من إب    الرهوي يناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    ترقية اليمن إلى عضوية كاملة في المنظمة الدولية للتقييس (ISO)    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 19 يونيو/حزيران 2025    مأرب.. مقتل 5 اشخاص بكمين استهدف شاحنة غاز    السفارة الروسية في "إسرائيل" توصي رعاياها بمغادرة البلاد    وسط تصعيد بين إسرائيل وإيران.. اختفاء حاملة طائرات أمريكية خلال توجهها إلى الشرق الأوسط    مدارج الحب    طريق الحرابة المحمية    واتساب يقترب من إطلاق ميزة ثورية لمسح المستندات مباشرة بالكاميرا    أزمة خانقة بالغاز المنزلي في عدن    صراع سعودي اماراتي لتدمير الموانئ اليمنية    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    ألونسو: لاعبو الهلال أقوياء.. ومشاركة مبابي تتحدد صباحا    بن زكري يقترب من تدريب عُمان    عاشق الطرد والجزائيات يدير لقاء الأخضر وأمريكا    شرطة صنعاء تحيل 721 قضية للنيابة    موقع أمريكي: صواريخ اليمن استهدفت الدمام و أبوظبي وتل إبيب    بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    شاهد الان / رد البخيتي على مذيع الجزيرة بشأن وضعه على قائمة الاغتيالات    الحديدة.. فعاليتان في المنيرة والزهرة بذكرى يوم الولاية    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    صنعاء .. التربية والتعليم تعمم على المدارس الاهلية بشأن الرسوم الدراسية وعقود المعلمين وقيمة الكتب    وجبات التحليل الفوري!!    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    اغتيال الشخصية!    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب والأديب ومسؤولياته
نشر في الجمهورية يوم 10 - 09 - 2011

لا يمكن لنا أن نطمئن إلى صدق التحليل ، وجدوى معالجة الظواهر، إلا إذا عاد الحس الأدبي يمارس واجبه النقدي في صدارة العطاء القلمي لحياة اليوم. ونحن إذ نحاول تتبع حياة الأدب والنقد اليوم، نحاول أن نرصد عجز الحس الأدبي عن هذه المتابعة والممارسة الحيوية والهامة على السواء.
ورصدنا تخلف عطاء الكتاب وعطاء التلفزيون وعطاء المسرح والسينما جميعاً والمواقع الإلكترونية المختلفة ، في محاولة جادة لإيقاظ وعيه بدوره الهام – إن أريد أن تكون هناك حياة فنية وثقافية – الآن في مواجهة مسؤولياتها وواجبها الذي لا شك أنها تدركه، وينبغي أن توجهه بشجاعة وصدق ، وأن تقوم به بنفس الشجاعة والصدق من ناحية ، وبإيمان وعمق متأصل بأن الفرد الأديب ، والفرد الناقد ، والفرد المبدع ، والفرد الدارس ، هو البؤرة الوحيدة الصالحة لتحدث ما نريد من وجود فني ثقافي جديد ومتطور وفعال في دنيا اليوم الراكدة الحس والعطاء على السواء.
وفي كل المشكلات التي قدمناها لا يكفي أبداً الوقوف عند مشكلة منها لإبراز الحجج وإظهار المسببات المؤقتة والعارضة في أزمة وجودنا الثقافي اليوم، فالمسألة متكاملة يدخل جزؤها النظري عاملاً كاملاً متفاعلاً مع جزئها التطبيقي في كل زاوية من زوايا النقاش والبحث.. والالتفات إلى قضايا النشر والتعليم والثقافة ، والتطور التكنولوجي في دنيا المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون والطباعة، أساس منهجي في فهم الظاهرة ورصدها وبالتالي في محاولة علاجها على أسس صحيحة من الخبرة ومن العلم على السواء .
ونحن لا نريد أن نحتمل مسؤولية القيام بالعبء على طائفة دون أخرى ، أو على حرفة دون أخرى ، أو على حرفة على أخرى ، أو على اتجاه دون اتجاه. وإنما نحن نحاول أن نكون محايدين إلى أقصى حدود الحياد . فنقول إن المسؤولية هي مسؤولية كل العاملين في الحقل الثقافي جميعاً، مهما اختلفت المنابر ومهما اختلفت الأدوات .. فالكل بلا تفرقة وبلا تحيز، مسئولون عن واقع ثقافة اليوم، وعن واقع العطاء الفني الذي يفرض نفسه على المتلقي اليوم، وهو في الحقيقة نفس الواقع الحضاري والعلمي الذي يمكن أن يكون الصورة لدنيا اليوم الثقافية.
فالمسألة ليست مسألة البحث عن مكمن المسؤولية .. قدر ما هي مسألة استشارة الإحساس بالمسؤولية عند الفرد، سواء كان متلقياً أم منتجاً أم ناقداً أم دارساً على السواء.
فليس من واحد منا سينجو أبداً من المسؤولية ، وليس من حجة تنهض اليوم لتدافع عن فرد أو مجموعة مشاركة في حياتنا الثقافية ، عن صورة الواقع الثقافي المعاش والمفروض من جمهرة المثقفين بلا استثناء اليوم.
المسؤولية إذن مسؤولية مشتركة ، سواء في تحملها من يعملون ، ومن سيفكرون ، ومن سيخططون على السواء. وسواء أيضاً في تحملها من يدركون أبعادها الآنية ، ومن يدركون أبعادها المرحلية ، أو أبعادها الدائمة والطويلة المدى، والعميقة الأثر على السواء. فالكل مسئول طالت نظرته أم قصرت، وعمقت نظرته أم تسطحت.. فالأمر لا يتعلق برؤيا أفراد ، قدر تعلقه بموقف جماعات ، هي على ظواهر اختلافها، وتناقضها ، تكون آخر الأمر صورة واضحة لمعنى المجتمع الثقافي العربي ، بكل أحلامه ، وآلامه وعجزه وطموحاته المستقبلية جميعاً.
ومن هنا كانت المشكلة جماعية في شكلها العام ، وهي في نفس الوقت شخصية وحميمة جداً في شكلها الشخصي الذي يمس كل صاحب قلم ، وكل صاحب هدف يستخدم القلم والفكر لإبراز موقفه ، ولإبراز تصميمه أن يكون واحداً من أصحاب الكلمة والقلم ، في تحديد مسار فكر وثقافة أمة العرب اليوم – فهذه الهموم التي يعيشها مثقف العصر ليست وليدة أوهامه ومخاوفه ، قدر ما هي وليدة المعاناة التي يراها حوله في كل مناحي الإنتاج الثقافي والفني والفكري في عصره ويسكت عنها ، أو يتغاضى عن وجودها، إشفاقا على نفسه من آثار اعلان الحقيقة، وإبراز عفن الصورة وتدهورها، فهذه الهموم حقائق ملموسة لم يعد في التغاضي عنها أي جدوى لإخفائها أو التستر عليها ، ولم يعد في إغفال رصدها بصدق منجاة لأحد من عفنها وتفسخها.. فهذا العفن والتفسخ يولد جراثيم جديدة أشد خطراً من صورة الجسد المتعفن ذاته ، وهذه الجراثيم تنهش تدريجياً في جسد وجودنا الثقافي ، وفي مكونات مستقبلنا في إصرار ودأب، ولن تكون النتيجة إلا ظهور أجيال جديدة استشرى فيها المرض إلى الحد الذي ستعتبر فيه مظاهر المرض والتخلف هي صورة الصحة والسواء.
فمن قبل لم يكن يقبل من مفكر أو أديب أو شاعر أن يكون صدى لفكر غيره،أو لموقف غيره ، أياً كان هذا الموقف وأياً كان أصحاب الأصل في العطاء الفني الذي يفرزه ، وما قامت معاول مدرسة أبولو ومدرسة الديوان في مطلع حياتنا الثقافية بهدم شوقي والهجوم على شعراء عصره إلا لرفضهم أساساً أن يوظف الشعر والأدب في خدمة القصر أو غير القصر، ورفضهم قطعياً أن يكون الفن والأدب في غير خدمة الأمة نفسها بوجودها الحاضر، ومستقبلها الوليد ارتكازا على جلاء صورة ماضيها المشرق بالعطاء والفكر و الفن .
ومنذ مطلع النهضة الحديثة ، وكل صاحب رأي وقلم يدرك أن المسؤولية التي يحملها اتجاه أمته مسؤولية خطيرة تمتد لتشمل حياته كلها، ومن هنا احتمل رجال الفكر والفن التشريد والاعتقال والسجن والجوع وبل تعرضوا للتآمر والاغتيال في أحيان كثيرة .. ففكر كل رجل هو ملك لأمته، لأن معركة هذه الأمة منذ اللحظة الأولى كانت وستظل تخلف بنائها الفكري عند القاعدة وحتى القمة .. ولأن معركة هذه الأمة منذ اللحظة الأولى كانت وستظل إزاحة الترسبات المخيفة والمتراكمة مما دسه المستعمر وولدته أجيال التخلف والخوف في روحها ووجدانها.
والتخلص من الأثر بالغرب في كل شيء ، والتعلم ، وكفالة الكفاف لمجاميع هذه الأمة ، لم يكن كله إلا وسائل من أجل غاية أسمى ، تلك ، أن تعود هذه الأمة – قاعدة وقمة – إلى مستوى حياة العصر فكرياً وثقافياً وروحانيا ًووجدانياً على السواء .. وأن يكون المواطن العربي في بنائه الروحي والخلقي والفكري جديراً بعصره من ناحية وبموروثة الديني والفكري والحضاري من ناحية أخرى.
ومازال المستعمر ومن يمثله وسيظل، يلعب دوره المباشر ، وغير المباشر أيضاً، ليعوق تطور الفرد العربي ، وليمنع وصوله الكامل لروح المعاصرة ، ولتملك تقاليد فكره ووجدانه ، ومازال المستعمر وسيظل ، يناور ويداور، ويواجه بعنف السلاح مرة ، ويتراجع بروح التآمر مرات ليخسر الفرد العربي كل معركة انتصر فيها من أجل خلاص روحه من مترسبات العبودية والتبعية والذلة ، وعقد النقص من غيره من الشعوب التي تمتص خيراته ودمه ووجوده الحي الحقيقي كله .
وهذه المعركة وان تكلمت فيها المدافع، وأريقت فيها الدماء تظل دائماً وأبداً تدور في أرض أخرى.. هي روح الإنسان العربي نفسه، ويظل هدفها الحقيقي هو الكيان الداخلي للإنسان العربي، قبل أن يكون الهدف هو أرضه أو ماله، أو استقلاله الوطني.. وإذا كنا نحن ننظر إلى القضية من منطلق فهمنا القومي والوطني والديني لوجودنا العربي، فالذي لاشك فيه أن الطامعين في أرضنا ومالنا.. ينظرون إلى القضية من نفس المنطلق . ويدركون أن تحطيم هذا الرابط الذي يجمعنا، وللفصل بيننا وبين ماضينا، وإنهاء وجودنا ككيان عرقي موحد، هو الخطوة نحو تدمير وتفتيت تماسكنا كمجموع، وكأقاليم، ثم كأفراد يحسون بأنهم مرتبطون بأرضهم وتاريخهم بجذور عريقة ممتدة لا يمكن اقتلاعها أو تدميرها. وتدمير هذا المفهوم يعني تدمير كل مكوناته ، ومن مكوناته اللغة، والدين والثقافة والحضارة. ومن مكوناته الإنسان كخلق ووجود فكري وروحي وتراثي . أي الإنسان كوجود حي متفاعل مع ماضيه ومرتبط بحاضره ومتطلع إلى خلق مستقبله.
ومن هنا كانت أدوات هذه المعركة مختلفة ومتعددة وخبيثة. ومن هنا كانت أسلحتنا الوحيدة ضد هذه المعركة هي الرجال أصحاب الانتماء والمسؤولية. رجال الفكر والفن والثقافة الذين يحافظون على روح هذه الأمة جيلاً بعد جيل . والذين يقفزون بها إلى المعاصرة عن فهم ومسؤولية.
والذين يستهدفون بناء الإنسان العربي القوي فكراًوخلقاً وثقافة في مواجهة إنسان العصر المتقدم ، نتيجة مورثاته من عطاءات رجال الفكر والفن والثقافة في بلاده عبر العصور المتعددة ، وعبر الأجيال ، من صراع مرير خاضه هؤلاء الرجال ليحافظوا على تماسك إنسانهم ، وارتباطه بثروته وحضارته وتماسكه أمام كل القوى التي حاولت تدميره من الخارج أو الداخل على السواء.
والأرض السليبة تسترد ، والمال الضائع يعوض ، ولكن الإنسان المدمر من داخله، يعني انحدار أمة ونهايتها ، ويصبح رجالها أياً كان مظهرهم وكأنهم يحملون أكفانهم فوق رؤوسهم في انتظار لحظة دفنهم الرسمي ، رغم أنهم موتى في حقيقة أمرهم وإن كانوا لا يدرون .
ونحن لم نقدم الصورة الحالكة لواقعنا الثقافي من فراغ ، وإنما نحن حاولنا رسمها من خلال تتبع كل جزئية منها على حدة ، وبتتبع كل جهاز من أجهزتها لرسم واقعه ومعاناته وضموره عن تحمل المسؤولية .
فإن جئنا لندق جرس الخطر الآن فلسنا ننطلق من موقف خطابي أو مزايد... وإنما نحن نرى أن أمتنا ينقص أصحاب الفكر فيها شيء من الشجاعة لإعلان الحقيقة قبل فوات الأوان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.