مخطئ من يظن من الناس أن أي فشل يمر بحياته هو نهاية له ، وتوقف للحياة عنده ، فيصبح محنطاً لا مقام له فيها ، إن مثل هذه الأفهام لدى البعض منا هي من أودت بأولوياتنا في العيش التي ينبغي أن تكون في ظلال حياتنا. إن مما يجب على الإنسان في الحياة أو من تعثرت به أن يتعامل مع معطيات الحياة وأن يبدأ من جديد بعد كل موقف فالحياة لا تستحق أن نموت حزناً عليها لأنه باستطاعتنا أن نكون أفضل كما تقرر ذلك قوانين التغيير الكونية. متى نعي في هذا السياق أن الزيتون عندما ينضغط : يأتي لنا بالزيت الصافي ؟ وأن الفواكه عند عصرها تعطينا ألذ العصائر ؟ لذلك أخي القارئ إذا شعرت بمتاعب الحياة تضغطك بهمومها ،وتعصر قلبك بآلامها فلا تحزن ، إنه الله وراء كل بلية أراد لنا بها خيراً وأنت عليك تفعل ما قاله الشاعر : تسأل الله ربك ما عندهïولا تسأل الناس ما عندهم ولا تبتغي من سواه الغنىïوكن عبده لا تكن عبدهم يريد الله أن يخرج أحلى ما فيك إيمانك القويم لتنال الأجر، فاستعن به سبحانه وما أجمل أحد الصالحين وهو يقول : لاَ تحزَنْ إذا مَنعَ اللهُ عَنْكَ شَيئاً تُحِبُه فَلَو عَلِمْتمْ كَيْفَ يُدَبّرُ الرّبُ أمُورَكمْ لذابَتْ قلوبُكمْ مِنْ مَحَبته. وما أحلى قول الشاعر متوجها لله في أحلك ظروفه : فقيراً جئتُ بابك يا إلهي ولستُ إلى عبادك بالفقيرِ غنياً عنهمُ بيقينِ قلبي وأطمعُ منك في الفضلِ الكبيرِ الهي ما سألتُ سواك عونا فحسبي العونُ من ربٍ قديرِ الهي ما سألتُ سواك عفوا فحسبي العفوُ من ربٍ غفورِ الهي ما سألتُ سواك هديا فحسبي الهديُ من ربٍ بصيرِ إذا لم أستعن بك يا الهي فمن عونيِ سواك ومن مجيرِ إذاً لا تظن أخي القارئ أن أي فشل يمر بحياتك هو نهاية لك .. فقط فكر جيداً واشخص ببصرك إلى السماء ومقررا من أعماق قلبك : يا خالق الأكوان أنت المرتجى وإليك وحدك ترتقي صلواتي يا خالقي ماذا أقول وأنت تعلمني وتعلم حاجتي وشكاتي يا خالقي ماذا أقول وأنت مطلع على شكواي والأناتي من أروع القصص التي يمكن أن تحكى في مثل هذا الموضع قصة شاب أمريكي يدعى «والاس جونسون» التحق بالعمل في ورشة كبيرة لنشر الأخشاب وقضى الشاب في هذه الورشة أحلى سنوات عمره ، حيث كان شابا قويا قادرا على الأعمال الخشنة الصعبة ، وحين بلغ سن الأربعين وكان في كامل قوته وأصبح ذا شأن في الورشة التي خدمها لسنوات طويلة فوجئ برئيسه في العمل يبلغه أنه مطرود من الورشة وعليه أن يغادرها نهائياً بلا عوده! في تلك اللحظة خرج الشاب إلى الشارع بلا هدف ،وبلا أمل وتتابعت في ذهنه صور الجهد الضائع الذي بذله على مدى سنوات عمره كله ، فأحس بالأسف الشديد وأصابه الإحباط واليأس العميق ، لقد أغلق في وجهه باب الرزق الوحيد ،وكانت قمة الإحباط لديه هي علمه أنه وزوجته لا يملكان مصدراً للرزق غير أجره البسيط من ورشة الأخشاب ، ولم يكن يدري ماذا يفعل!! وذهب إلى البيت وابلغ زوجته بما حدث فقالت له زوجته ماذا نفعل؟ فقرر رهن البيت الصغير الذي يعيش فيه هو وزوجته وأن يعمل في مهنة البناء. وبالفعل كان المشروع الأول له هو بناء منزلين صغيرين بذل فيهما جهده ، ثم توالت المشاريع الصغيرة وكثرت وأصبح متخصصاً في بناء المنازل الصغيرة ، وفى خلال خمسة أعوام من الجهد المتواصل أصبح مليونيراً مشهورا إنه ”والاس جونسون” الرجل الذي بنى سلسله فنادق (هوليدي إن) أنشأ عدداً لا يحصى من الفنادق وبيوت الاستشفاء حول العالم. يقول هذا الرجل في مذكراته الشخصية ؛لو علمت الآن أين يقيم رئيس العمل الذى طردني ،لتقدمت إليه بالشكر العميق لأجل ما صنعه لي فَعندما حدث هذا الموقف الصعب تألمت جدا ولم أفهم لماذا سمح الله بذلك ، أما الآن فقد فهمت أن الله شاء أن يغلق في وجهي باباً «ليفتح أمامي طريقا» أفضل لي ولأسرتي. إذاً لماذا هذه الهموم التي تخنقنا؟ لماذا يتعبنا الأرق والسهر، ويذوى عودنا وتذهب نضارتنا ، لماذا كل هذه المعاناة؟ فهذا أمر قد جرى وقدر، ولا نملك دفعه إلا أن يدفعه الله عنا، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها فلا تكلف نفسك من الأحزان مالا تطيق ! استغل مصيبتك لصالحك لتكسب أكثر مما تخسر، كي تتحول أحزانك إلى أفراح عظيمة وعبادات جزيلة فسيبدل الله بعدها أحزانك سروراً في الدنيا قبل الآخرة لأن من ملأ الرضا قلبه فلن تجزع من مصيبته وهذا من السعادة ،ألا تري أن أهل الإيمان أبش الناس وجوهاً مع أنهم أكثرهم بلاءً! فكن فطن ،فالدنيا لا تصفو لأحد وكلما انتهت مصيبة أتت أختها وقد قيل: إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ïظمئت وأي الناس تصفو مشاربه أخي الممتحن ،ربما وجدت نفسك فجأة في بحر الأحزان تغالب أمواج الهموم القاتلة وهي تعصف بزورقك الصغير... بينما تجدف بحذر يمنة ويسرة ،ولكن الأمواج كانت أعلى منك بكثير ولم يبق إلا أن تطيح بك ،وفي تلك اللحظات السريعة أيقنت بأن لا مفر لك من الله إلا إليه فردد مع الشاعر قوله: وإذا عرتك بليةً فأصبر لها.......صبرُ الكريمِ فإنه بك أرحمُ وإذا شكوتَ إلى ابنِ أدم إنما.....تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يرحمُ فذرفت عيناك ،وخضع قلبك معها ،واتجه كيانك كله إلى الله يدعوه يا رب ،يا رب ،يا فارج الهم فرج لي ،وعندها فقط ستجد بحر الأحزان تسكن، الأمواج العالية تهدأ، وقاربك يسير بهدوء واطمئنان وعندها ستشعر أن شيئاً من الواقع لم يتغير سوى ما بداخلك ، قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11). وستحول لا محالة جزعك إلى تسليم، وسخطك إلى رضا ،أما وإن كانت محنك واقعة لا محالة فاجعل هذه الهموم والأحزان أفراحا لك في الآخرة وإن كانت أيامك في الدنيا ولياليك. [email protected]