الدكتور/ عبدالله أحمد العمري ل «الجمهورية»: - مخاطر الربو الشعبي قد تطال حتى الجنين لأم مصابة بهذا المرض - لايوجد علاج نهائي للربو الشعبي حتى الآن.. وعلى مرضاه التعايش مع مرضهم بالحفاظ على عدم تهيج جهازهم التنفسي نستشعر عظمة الخالق عزوجل وحكمته البالغة أن وهبنا نعماً كثيرة نلمسها ونراها من حولنا، بل ونستشعر البعض منها فينا، قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ومن ذلك الجهاز التنفسي الذي يعتبر أحد الأجهزة الحيوية الهامة في الجسم، فهو يعمل على استخلاص الأكسجين للجسم من الجو، وعلى تخليصه بالمقابل من ثاني أكسيد الكربون من خلال عملية التنفس، وهو بمثابة شرطي المرور الذي ينظم حركة دخول الهواء إلى الرئتين ولايسمح بدخوله إلا صافياً نقياً. في هذا اللقاء الذي جمعنا بالدكتور/عبدالله أحمد العمري اختصاصي أمراض الصدر، ننتقل إلى بحث ومناقشة شائكة صحية كُثر من يعانون منها، مرتبطة بهذه العملية الحيوية.. عواملها ومسبباتها كثيرة وأبرز مظاهرها صعوبة أو ضيق التنفس، وإذا ما تطورت واستفحل أمرها أفضت إلى الاختناق والموت.. إنها مشكلة الربو الشعبي والسبيل إلى تجنب أزماته التنفسية وتداعياته الخطيرة على الصحة، فإلى ما جاء في هذا اللقاء. أعراض المرض - ماهو الربو الشعبي وما أعراضه؟ لنوضح أولاً آلية التنفس، فإلى الجزء السفلي من الجهاز التنفسي توجد الرئتان وهما عضوان إسفنجيان في الجزء العلوي من القفص الصدري، تذكر المصادر الطبية أن وزنهما معاً يصل إلى قرابة(كيلو غرام واحد) لدى الانسان البالغ، وتتكونان من جيوب صغيرة جداً تسمى(الأسناخ الرئوية) تحويان ما يقرب من (ثلاثمائة إلى أربعمائة مليون سنخ رئوي)، متراصة بعضها فوق بعض بشكل عجيب أشبه بحبات العنب المتراصة في العنقود يملأها حوالي(خمسة لترات من الهواء) وتغطي جدران هذه الأسناخ شبكة من الأوعية الدموية الدقيقة، تمر من خلالها ملايين من كريات الدم الحمراء، تعانق الهواء داخل هذه الأنساخ وتحمل على ظهرها الأكسجين، تجذبه إليها جذباً مغناطسياً بواسطة المادة الحديدية المحيطة بها والتي تسمى(الهيموجلوبين) وتنقله إلى جميع خلايا الجسم، ثم تعود محملة بثاني أكسيد الكربون من كافة خلايا الجسم إلى الأسناخ في الرئتين، ومن ثم طرده خارج الجسم.. هكذا يتم تبادل الهواء بواسطة عملية التنفس (الشهيق والزفير) حيث يصل معدل التنفس في الدقيقة الواحدة من(16 - 18مرة).. إلى هنا نأتي إلى تعريف الربو الشعبي وما ارتبط به من أعراض.. كلمة ربو مشتقة من اليونانية وتعني حرفياً صعوبة التنفس.. أما التعريف الحديث فيشمل وصفاً للأعراض والآليات الأساسية المسببة للمرض وتأثيره على عمل الرئتين ومسالكها الحيوية وحساسيتها.. وأعراض الربو تشمل السعال والأزيز(الصفير المصاحب للتنفس) وقصر النفس، وتتسم الحالة بنوع معين من إلتهاب بطانة المسالك الهوائية في الرئة، وتأثير هذا الإلتهاب على الرئتين من شأنه التسبب في تضيّق المسالك الهوائية مع تقليل كمية الهواء الذي يمكن إخراجه من الرئتين في وقت معين، وفي سرعة طرد الهواء منها. البيئة.. والمسببات - كثيراً ما يشار بأصابع الاتهام إلى التغيرات البيئية وتلوث الهواء عند الحديث عن الربو الشعبي.. ما مدى صحة ذلك؟ وما العوامل التي تتسبب في ظهور الأزمة عند مرضى الربو المثيرة للجهاز التنفسي وأزمات الربو؟ هذا مؤكد بصفة عامة فبالنسبة للربو الشعبي ترجع مسببات الربو الشعبي إلى عدة عوامل، أغلبها بيئية مهيجة للجهاز التنفسي تنشأ من خلالها أزمات الربو، وهي: 1 - سوس الغبار المنزلي وهي حشرة لاترى بالعين المجردة، توجد في بعض أدوات المنزل(كالفرش – الوسائد – السجاد) ويعود لها السبب في نشوء نوع خاص من التحسس يعمل على إثارة الربو عند بعض المصابين. 2 - لقاح الأشجار والحشائش والزهور أو مايسمى بحبوب الطلع الصغيرة التي تنقلها الرياح أو الحشرات لتلقيح أطراف التأنيث من النبات، وهي عامل يساعد على الإصابة بالربو. 3 - مايوجد في صوف وشعر بعض الحيوانات(كالأغنام – الأرانب – القطط وغيرها) ويتطاير في الهواء. 4 - العدوى الناتجة عن الغزو الفيروسي أو البكتيري الذي يصيب الجهاز التنفسي بشكل عام، كنزلات البرد وأمراض الصدر الرئوي والانفلونزا والزكام. 5 - الأدوية المستخدمة في حالة الروماتيزم، كآلام المفاصل والعضلات وكذلك بعض الأدوية القلبية. 6 - الانفعالات النفسية(كالغضب – الخوف – القلق- الحزن) والمقصود هنا المؤثرات المباشرة منها والتي يكون لها في الجسم ردة فعل بمردود سلبي على الجهاز التنفسي نتيجة إفراز بعض المواد التحسسية المثيرة لأزمة الربو. 7 - المنظفات والمطهرات، كالفلاش والمبيدات الحشرية وبعض الروائح والعطورات والطلاء وماشابه من مواد كيمائية التركيب ذات المردود التحسسي على الجهاز التنفسي. 8 - التلوث البيئي للجو بالدخان والغبار الناتج عن الأشغال العامة، كالكنس وغيرها. 9 - تغيرات الطقس، أي حالة الجو وتقلباته، مثل(الرطوبة والحرارة – البرودة – الضباب – الندى). 10 - تناول بعض المأكولات من الأطعمة، حيث وجد لها دور كبير لدى بعض المصابين في تغيير نوبة الربو. علامات فارقة - كيف يمكن التفريق بين أعراض وعلامات الربو الشعبي وبين الحالات العارضة والمصاحبة لبعض الأمراض المهيجة للجهاز التنفسي؟ تبدأ علامات وأعراض الربو على المصاب عندما يشعر بضيق في التنفس أو صدور صفير لايسمع من الصدر أو كحة أو أكثر من عرض واحد، ثم يتعافى المريض بعلاج أو بدون علاج، يصحبها سعالٍ جاف.. كما يصاحب الأزمة الشديدة عرق بارد وعدم القدرة على الكلام والاستلقاء، ومعها يرى المصاب في الجلوس ارتياحاً من الشعور بالاختناق. وينشأ العطاس أو الحكة في الأنف عندما يكون مصاحباً بحساسية في الأنف.. غير أن 20% من الأزمات تتألف من الكحة فقط. ومن خلال الفحص الإكلينكي يلاحظ الطبيب: - سماع أصوات الأزيز بالسماعة الطبية واضحة، وقد لايسمع بالسماعة إذا كانت الأزمة شديدة. - زيادة فترة الزفير بحيث تساوي فترة الشهيق. - غالباً ما تكون الأشعة للصدر سلبية، وأحياناً في وقت الأزمة يظهر انتفاخ في الرئتين جراء احتباس الهواء، إذ أن الزفير أصعب من الشهيق، وعند الفحص المجهري لبلغم المصاب في حالة الأزمة الشديدة تشاهد خيوط حلزونية. عواقب وخيمة - ماتداعيات وعواقب إهمال المرضى بالربو لأنفسهم لجهلهم أو عدم إلتزامهم بتدابير الوقاية وقواعد العلاج؟ في حال جهل مريض الربو الشعبي أو عدم تمكنه من الفهم الكافي للوقاية من المرض أو عدم محاولته الابتعاد عن أزمات الربو بتجنب عواملها ودواعيها، فإن المرض لديه يتطور وتكون له مضاعفات خطيرة، أبرزها: - عدم ارتواء الجسم من الأوكسجين وإصابته بالخمول. - عدم القدرة على الحركة والنشاط الطبيعي. - الميول إلى النوم مع تبلد الحس. - تنمل في الأطراف لقلة وصول الأكسجين إليها. - الشعور بالتعب لأقل مجهود. ومن أبرز مضاعفات الربو أيضاً حدوث نوبات شديدة وحادة يكون فيها التنفس صعباً ويكون معها المريض عادة في وضع قائم أو جالس على يديه وركبتيه ويسيطر عليه القلق مخافة الاختناق ويتصبب منه العرق، حيث تعتبر هذه الحالة طارئة تحتاج إلى الرقود في المستشفى.. ومن المضاعفات الأخرى مايحدث نادراً من فشل قلبي رئوي خصوصاً بين المدخنين المصابين بالربو.. على العموم، بالاستطاعة اليوم تجنب مخاطر هذا المرض ومضاعفاته، فهو من الأمراض التي يكون فيه للمصاب دور هام في السيطرة على مرضه بالوقاية عبر اتباع النصائح والإرشادات الصحية واستخدام الوسائل العلاجية حسب توجيهات الطبيب المعالج. الربو والحمل - هل ثمة تأثير على الحمل لدى من يعانين الربو الشعبي؟ وما يتعين على الحوامل فعله للحد من أي خطر محتمل من جراء هذا المرض؟ معاناة المرأة الحامل عندما يصاحب حملها حالة مرضية، كالربو تزداد، بل تؤثر هذه المعاناة على جنينها فالجنين بطبيعته لايتنفس في رحم أمه، والمشيمة موضع اتصال الحبل السري بين الأم وجنينها، ومن خلالها تمر كافة المواد الغذائية بما في ذلك الأكسجين، بينما تظل الرئتان واقفتين عن العمل حتى بداية الدقيقة الأولى من خروجه إلى الدنيا صارخاً، عندما تكون الرئتان جاهزتين لاستقبال الهواء ويكون هذا إيذاناً ببدء العمل في الجهاز التنفسي.. وكون الجنين طيلة فترة الحمل يعتمد على أمه في عملية التنفس، فإن المرأة الحامل تلعب دوراً هاماً في التغلب على أزمات الربو من خلال إلتزامها بالنصائح الوقائية الكفيلة بالتصدي لهذا المرض والحد من مخاطره التي قد تطال حتى الجنين.. كما يجب عليها الحرص عند التعامل مع الأدوية، خاصة الحقن وألا تتعاطى العقاقير الفموية إلا إذا كانت الفائدة المتوقعة من هذه العقاقير تفوق أية مخاطر قد يتعرض لها الجنين، وذاك أن هذه الأدوية لها القدرة على اختراق المشيمة والوصول إلى الجنين، ولذا يجب أن تقرر وتقدر من قبل الطبيب المختص ليحدد نوعيتها وجرعاتها المحددة.. ويكون عادة العلاج الآمن هو البخاخ. نصائح وقائية - ماالنصائح الوقائية التي تتوجه بها إلى مرضى الربو الشعبي؟ يجب أن يكون مرضى الربو الشعبي قادرين على التعايش مع هذا المرض بالحفاظ على عدم تهيج الجهاز التنفسي ومنع حدوث نوبات الربو، من خلال النصائح التالية: - الفهم الصحيح لمسببات الربو، وذلك بوضع برنامج تحرٍ يسجل فيه المريض مواعيد نوبات الربو، والعامل الرئيسي في حدوثها. - الابتعاد عن الأجواء التي لها دور كبير في تهيئة الظروف للعدوى الفيروسية، مثل (الأنفلونزا – الزكام- حساسية الأنف). - التعامل مع المنظفات والمطهرات والروائح والعطورات والطلاء بحرص وعناية تامة، وهو مايتعين على مرضى الربو الشعبي فعله، لأن لهذه المواد ردة فعل تحسسية على الجهاز التنفسي تساعد على إيقاظ نوبات الربو الشعبي عند بعض المصابين. - اجتناب تقلبات الجو المناخية، كالرطوبة والحرارة والبرودة، فهي من العوامل التي لها تأثير مباشر على مرضى الربو الشعبي. - الابتعاد قدر الإمكان عن الحيوانات الأليفة، مثل (الأغنام – الأرانب – القطط) فالروائح الكريهة المنبعثة عن روثها وفضلاتها تحتوي على مواد مثيرة للتحسس عند البعض، لها ردة فعل على الجهاز التنفسي والإصابة بنوبات الربو الشعبي. - اجتناب الانفعالات العصبية والنفسية المؤدية إلى اضطراب في إفرازات الغدد الهرمونية التي من شأنها التسبب في احتقانات دموية في الجسم، تظهر علاماتها واضحة من خلال حمرة الوجه، وهي أشد أثراً في الإصابة بالربو الشعبي. - التخلص من سوس الغبار المنزلي الذي يعيش في بعض الأدوات المنزلية(كالفرش – الوسائد – البطانيات) فهي تسبب التحسس المثير للربو الشعبي المصحوب باحتقان أنفي وانسكابات دمعية. - عند استمرار حالة الربو وعدم تحسنها يُنصح المريض بتغيير المكان الذي يعيش فيه والذهاب إلى منطقة أخرى. الوسائل المتاحة للعلاج - كيف تتم معالجة الربو الشعبي بالوسائل المتاحة؟ لايوجد حتى الآن علاج نهائي للربو الشعبي، إلا أن العلاجات المتاحة تسمح للمريض بأن يمارس حياة طبيعية والأبحاث الطبية من قبل المتخصصين لإيجاد علاج ناجح لاتزال مستمرة ويبقى الحرص على اتباع الوقاية الصحية في معالجة مرض الربو من الأمور الهامة التي تساعد على التعايش مع هذا المرض ومنع تطوره والحد من حدوث مضاعفاته الخطيرة، من خلال تجنب العوامل المسببة له، وضرورة استخدام الوسائل الوقائية والموسعة للشعب الهوائية والمضادة للتحسس التي تعمل على تحسين وظائف التنفس والقضاء على كافة أزمات الربو واستخدام العلاجات كلٌ حسب حاجته وشدة الحالة عنده.. إن مدى الاصابة بالربو الشعبي تتفاوت من شخص إلى آخر وذلك من حيث حدوث النوبات وتكرارها خلال العام فالبعض يصاب لبضعة أيام في السنة والبعض الآخر قد تكون لديه الاصابة بالنوبات بشكلٍ دوري أو فصلي أو أسبوعي أو ربما يومي، وعليه يتفاوت العلاج تباعاً لطبيعة مرض كل مصاب.. على كلٍ فإن الأشخاص الذين تكون إصابتهم موسمية أو أقل من مرة واحدة أسبوعياً بحاجة إلى موسعات الشعب الهوائية والمعالجة عند حدوث النوبات فقط.. أما الأشخاص ذوو الاصابات المتكررة فيحتاجون بالاضافة إلى العلاج بالموسعات – إلى أدوية أخرى تقيهم النوبات مستقبلاً.. وبالتالي هناك عدة أدوية لعلاج مرضى الربو، أهمها البخاخات حيث أنها تذهب إلى الشعب الهوائية مباشرة وامتصاصها إلى الدم قليل مقارنة بالعلاجات التي تؤخذ بالفم والإبر وبالتالي فإن مضاعفاتها الجانبية أقل بكثير.. وهنا أنواع منها: - بخاخات موسعة للشعب(فتولين –يالميتورول –فنيتورول) وتستخدم عند الحاجة للحالات الخفيفة. - (الانتي لوكوترينات)ولها مضاعفات جانبية كثيرة خطيرة إذا استخدمت من دون إشراف طبيب. - (سترويد) تستخدم يومياً لوقاية الحالات التي تحتاج لبخاخات موسعة أكثر من اللازم. - بخاخات ضد الحساسية: وتكون مفيدة إذا التمس المريض منها نفعاً. - بالتالي إذا لم تجد البخاخات نفعاً يأتي دور الأقراص، ثم الإبر في الحالات الإسعافية والعلاج المستنشق. المركز الوطني للتثقيف والاعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة والسكان