يقلب مبخوت بيده اليمين بإعجاب الولاعة التي زرع الصيني في ظهرها خمسة ( ملاخيخ) في ساعة السليمانية وقد زرع بين إبهام ووسط اليد الأخرى سيجارة طال انتظارها للهب القداحة حنكه الأيسر انتفخ بالقات حتى وصل إلى عينه فضيع نصفها وأصدقائه الثلاثة معه في السليمانية والسليمانية قد ضيعت أصواتاً كانت تتقاطع وهم يصعدون رويداً رويداً إلى السليمانية وانقطاع يهبط رويداً رويداً. قال مبخوت عندما تبلغ السليمانية مائة في المائة يكون الصمت قد وصل إلى الصفر وقال المقيل ثلاثة فإذا زادوا واحداً تقاطعت الأصوات فتتشوش السليمانية ذلك مبخوت ولكن صديقاه سعيد ومسعود لا يعترفان بسليمانيته وقد جلسا جوار بعض يتبادلان الحديث بصوت واطىء كأنه الهمس وصديقه (حاجب) منهمك في الكتابة قال حاجب : سليمانية مبخوت سليمانية سلبية وسليمانية سعيد ومسعود سليمانية حمران العيون وأما سليمانيتي فهي سليمانية ايجابية فأثرها سيبقى إلى اليوم التالي : سليمانية مبخوت أفكار شاردة وجبل لا يهزه ريح، وهي اليوم في القداحة والملاخيخ الخمسة، وجبل هزه صيني قال (فجأة .. مطرقاً إلى الولاعة). من أين أتت كلمة ملخاخ ؟ سقط القلم من يد حاجب، وقفزت عينه دهشة من الورقة إلى جبهته وصمت سعيد ومسعود ولم تصمت عيونهم وقعت عليه محدقة بدهشة الملخاخ القاسم المشترك بينهم عند السليمانية ينزعون شظايا القات العالقة بين أضراسهم وأسنانهم.. والسليمانية أفكار شاردة وأوهام عند البعض ومشاريع عند البعض وكلمات مكتوبة عند البعض الآخر، وقليل منها يكون في اليوم الآخر، السليمانية قاسم مشترك وكل في واد يهيم، والملخاخ بين الأضراس والأسنان يهيم وقد لا حظ صيني عظيم ذات نهار وهم يسلخون من عيدان القات (ملخاخاً) أو ينزعونه من تحت أحزمتهم أو عمائمهم أو محفظات جيوبهم فصنع الولاعة ذات الملاخيخ، قال حاجب مطرقاً بعد أن ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة. الملخاخ أتت من الكلمة العامية ملخ أي سلخ الشجرة، قال سعيد (مقاطعاً والدهشة لم تبارحه): المشكلة ليست في الإجابة على سؤال مبخوت ولكنها في الإجابة على سؤالي .. واصل (ضاحكاً). لماذا نطق مبخوث دهراً ونطق ملخاخاً ؟ ضرب مبخوت على القداحة فبزغ ملخاخاً وضرب ثانية فاشتعلت سيجارته وأخذ نفساً عميقاً فاندفع دخان في الهواء، عاد إلى صمته وإلى الملخاخ فقد حصل على الإجابة : لا يوجد لمبخوت مشروع، أفكار شاردة عند السليمانية في مشاريع شتى، تضيع كلها في اليوم الثاني، وهي الآن في الملخاخ، قبل سنين طويلة كان يشتري قاتاً له سيقان رفيعة، ولينه، وعند السليمانية يكسر واحداً منها ويسلخه ويصنع منه ملخاخاً وعندما ضاق الحال، ضاقت العيدان حتى صارت (قطلاً) فصار يبحث عن الملخاخ عند غيره يستأذن بائع القات أن يخطف عوداً مسلوباً من شجرة على الطريق حتى من صاحب المطعم الذي يجلس على بابه، نصب على الطاولة المنصوبة أمامه علبة محشوة بالملاخيخ ليهدي كل مغادر ملخاخاً مستورداً ويهدي مبخوت ملخاخين وعلى وجهه ابتسامة عريضة فقد لمح بطرف عينه كيس القطل الذي يتدلى على يمينه، أفكاره الشاردة تتوقف لحظات وهي لحظات أخذه لنفس عميق من سيجارته وعطائه لدخان هو ما استغنت عنه رئتاه.. لحظات تضيق بها أفكاره فيأخذ ويعطي في زمن العودي ولحظات يضيق به حاله، فيأخذ ويعطي في زمن القطل وفي الحالتين يأخذ دخاناً ويعطي دخاناً لكنها الآن ليست أفكاراً شاردة، ضاق الحال بمبخوت فضاق العودي حتى أصبح قطلاً، واتسع حالهم فصنعوا لنا قداحة حبلى بخمسة ملاخيخ لنزيل ما صنعناه بين أضراسنا وأنيابنا، يأخذ ويعطي كعادته رفع القداحة أمام أصدقائه فجأة، وقال : انظروا ماذا صنع لنا الصيني ؟ ولاعة حبلى بخسمة ملاخيخ ينظرون إليه دهشين ليس منه هذه المرة ولكن من القداحة .. قال حاجب : إذا عرف السبب بطل العجب ، قال سعيد (متلهفاً) بكم اشتريتها ؟ يأخذ ويعطي بكم أشتريتها ؟ بكم ؟ عاد مبخوت إلى السليمانية صمت السليمانية أفكار شاردة وهي الآن في الملخاخ لكل آفة آفة وآفة ما بين أسناننا، وأضراسنا الملخاخ قال (فجأة): بخمسين ريالاً، أي بربع دولار، قال مسعود (ضاحكاً): ذكرتني بالحمار الذي سمع نكته فضحك في اليوم التالي ، ضحك سعيد وحاجب ليس معهم ولا يضحك مبخوت ولا يرد فقد عاد إلى الصمت من يضحك كثيراً والملخاخ يضحك أكير عاد برأسه إلى الخلف وحدق في بطن القداحة تضحك ساخراً أم متفكهاً وأنا لن أضحك أخيراً والخمسين بربع دولار أشتري بها قداحة أنت تضحك ساخراً على الريال، لا لا تضحك على القطل، والريال قطل، رفع صوته (فجأة): وأنا قطل ، رد سعيد ومسعود (دهشين): انت قطل رفع القداحة وضرب بإصبعه فبزغ من اسفلها ما بقي من ملاخيخ ثم ضربها ثانية فبزغت منها شعلة قال : أنظروا بخمسين ريالاً سقطت من يده القداحة ويده معلقة في الهواء قال: انظروا حبلى بخمسة ملاخيخ ضربها بإبهامه قال : هل رأيتم الملاخيخ وهي تتساقط، ضربها ثانية ، قال (معجباً): انظروا ما أحلى لهبها واصل ( دهشاً) إنها تضحك أكيد قداحة غالية، لهب يضحك على مبخوت مسكين مبخوت قالوا أفقدته الولاعة الضاحكة عقله.