اليوم.. أعود للحديث عن اللجنة العليا لمكافحة الفساد.. كنتُ قد كتبت موضوعاً حول التحديات التي ستواجهها، وأشرت إلى تحديات إقامة جهاز إداري ومالي وفني وقانوني للجنة، وكذا مدى صلاحياتها في اتخاذ الإجراءات ضد الفاسدين والمفسدين. الآن أعود لمناقشة الموضوع في ضوء نقاش حدث في تجمع من المثقفين حول التحديات والآليات والصلاحيات، والقدرة على تنفيذ اللجنة لقراراتها وإجراءاتها ضد المتورطين في فساد أو إِفساد.. ودار النقاش حول البناء المؤسسي للجنة العليا وفروعها في الأمانة والمحافظات والمديريات.. واتفق مع ما كتبته عن ذلك بعض الاخوة، وذلك في حاجة اللجنة وفروعها إلى مبانٍ وأثاثٍ وتجهيزات وقرطاسية، وكوادر إدارية ومالية وفنية وقانونية ومختصين وموظفين وعمال «مراسلة ونظافة» وما شابه ذلك أسوة بالأجهزة الأخرى. أحد الاخوة قال: إن ما تطرحونه يضيف عبئاً على الدولة، ويكلف أموالاً ونفقات ووظائف وما شابه ذلك مما تتضمنه بقية أجهزة الدولة، وإذا كان الأمر كذلك فمعنى ذلك أن اللجنة ونشأتها بهذه الطريقة ستصبح فساداً إلى جانب الفساد، وإفساداً إلى جانب المفسدين، وعبئاً يكلف الدولة مئات الملايين للإنفاق عليها وتغطية حاجتها.. مضيفاً: إن موازنة اللجنة وفروعها وهيئاتها بالشكل الذي تطرحونه يمكن أن تكلف الدولة سنوياً أكثر مما يكلفه الفساد والمفسدون سنوياً، الأمر الذي يجعل الجدوى من اللجنة وفروعها معدوماً، وبالتالي «كأنك يابوزيد ما غزيت»، أو «خرجنا بخفي حنين»..! ما طرحه العبد لله فيه منطقية وموضوعية، أدتا إلى الصمت من قبل الجميع، وانشغال كل بعلاقي القات الذي أمامه، أو بباكت السجارة، والولاعة «القداحة»، وبدت الحيرة على وجوه الجميع.. فقطع الصمت والوجوم أحد الزملاء.. حين قال: المسألة سهلة، ولا حاجة لما طرحتموه البتة من مبانٍ وتجهيزات وآليات وكوادر وموازنات، لأنه كما قلتم ستصبح اللجنة وفروعها عبئاً يكلف الدولة أكثر مما يكلفها الفساد والمفسدون، لكن المسألة في غاية السهولة جداً، فيكفي أن: 1 تنشأ إلى جانب اللجنة العليا فروع في الأمانة والمحافظات والمديريات فقط. 2 تُعطى اللجنة وفروعها استقلالية تامة، وتكون قراراتها باتة ونهائية وملزمة للحكومة بالتنفيذ. 3 يلحق الجهاز المركزي وفروعه باللجنة العليا وفروعها. 4 يقوم الجهاز المركزي وفروعه بإحالة الملفات المكتملة إلى فروع اللجنة لاتخاذ القرار في حق أصحاب الملفات. 5 بالنسبة لملفات ذوي الوظائف العليا في الدولة، أي «محافظ، وزير، وكيل وزارة، رئيس مصلحة، وكيل مصلحة» فتحال إلى اللجنة، العليا للبت فيها واتخاذ القرار بشأن أصحابها، ويعتبر قراراً باتاً ونهائياً تلزم الحكومة بتنفيذه. الجميع استحسن الفكرة.. لكنهم انصرفوا إلى أحاديث جانبية كل مع من بجواره.