المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    خبير أرصاد يحذر: منخفض الهدير في اليمن ليس الأول ولن يكون الأخير (فيديو)    إصابة ثلاثة أطفال جراء انفجار مقذوف من مخلفات المليشيات بالضالع    نخبتنا الحضرمية... خط أحمر!    ضبط 54 متهمًا في قضايا جرائم جنائية    أول قيادي مؤتمري موالي للحوثيين بصنعاء يعزي عائلة الشيخ "الزنداني" في وفاته    تغير جديد في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    شعب الجنوب أستوعب صدمة الاحتلال اليمني وأستبقى جذوة الرفض    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    ليس وقف الهجمات الحوثية بالبحر.. أمريكا تعلنها صراحة: لا يمكن تحقيق السلام في اليمن إلا بشرط    الحوثيون يراهنون على الزمن: هل ينجحون في فرض حلولهم على اليمن؟ كاتب صحفي يجيب    شيخ بارز في قبضة الأمن بعد صراعات الأراضي في عدن!    الأمل يلوح في الأفق: روسيا تؤكد استمرار جهودها لدفع عملية السلام في اليمن    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    دوري ابطال آسيا: العين الاماراتي الى نهائي البطولة    تشييع مهيب للشيخ الزنداني شارك فيه الرئيس أردوغان وقيادات في الإصلاح    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاگتئاب النفسي.. داء العصر !
نشر في الجمهورية يوم 18 - 10 - 2011

الاكتئاب النفسي بات يشكل ظاهرة خطيرة هذه الأيام على بعض من الشباب وخاصة الخريجين والعاطلين الذين يعانون من الفقر والوضع المعيشي الصعب وأصبحت هذه الظاهرة تهدد حياة كثير من الأسر للبحث عن قوت يومها واللجوء للتسول ولأهمية هذا الموضوع طرحته صحيفة الجمهورية أمام الأستاذ الدكتور خليل فاضل الأسيوطي استشاري الطب النفسي الذي يجري حالياً زيارة لبلادنا ضمن عدد من الدول العربية لإجراء دراسات وأبحاث علمية عن الحالات المرضية التي تعرضت لنوبات متكررة من الاكتئاب لنتعرف من خلاله عن أسباب المرض وعلاقته بالمواد الهرمونية والمسماة الاندروفينات التي يلقبها علماء الطب بأفيونات المخ وهل لها تأثير على الإنسان.
سبب الإصابة الاكتئاب
فقال في البداية أود أن أتحدث عن الاكتئاب وسببه يعود إلى انخفاض مستوى النواقل العصبية في الدفاع والتي تسمى الأمينات الأحادية فهذه الجزئيات الصغيرة ومنها السيروتونين تنقل الإشارات من خلية عصبية إلى أخرى؛ ولذلك فإن نقصها يؤدي إلى إبطاء سرعة الاتصالات في الدفاع وقد بدت هذه النظرية محكمة جداً، خصوصاً بعد النجاح الكبير الذي حققته مضادات الاكتئاب المصنعة وفقاً لتأثيراتها في النواقل العصبية.
نسف النظرية القديمة
لقد ظلت النظرية السابقة سائدة على مدى 40 عاماً ومعروفة على نطاق واسع عند الناس إلا أن الاختلافات التشريحية أدت إلى نسفها من جذورها فقد تبين أن أسباب مرض الاكتئاب لاتقتصر فقط على انخفاض مستوى النواقل العصبية، بل قد ينجم هذا المرض عن خلل دائم في الدماغ أو قد يتسبب المرض في حدوث خلل ما.
وعلى الرغم من أنه لايوجد أي خلاف على مسألة أن المواد الكيميائية مثل السيروتونين تلعب دوراً مهماً في تنظيم المزاج، إلا أن النتائج الجديدة بدأت تثير بعض الشكوك المزعجة حول نظرية الأمينات الأحادية الخاصة بالاكتئاب.. وفي هذا الصدد يقول جورج زوبنكو، خبير علم الوراثة والاكتئاب في جامعة بيتسبيرج بولاية بنسلفانيا الأمريكية: كنا نقول للمرضى المصابين بالاكتئاب إن مستوى السيروتونين منخفض عندهم وسوف يتماثلون للشفاء عند تعويضه هذه رواية بسيطة ومريحة ولكنها خاطئة.
فبينما كان معروفاً أن جرعة واحدة من مضاد الاكتئاب تكفي لتعزيز مستويات النواقل العصبية في غضون ساعات، إلا أنه لابد من مضي بضعة أسابيع قبل أن يشعر المريض بأي تحسن.
وعلى الرغم من أن التأثيرات الجانبية لمضادات الاكتئاب الحديثة أقل مقارنة بالقديمة، إلا أنها لاتمثل العلاج السحري، حيث إنه لم يشهد سوى حوالي 50 % من المرضى الذين يتناولونها تراجع أعراض المرض بالكامل، ناهيك عن أن جزءاً من هذا التحسن يعود إلى تأثيرات العلاج الوهمي، أما الأمر الأكثر إثارة للقلق فهو أنه لم تثبت صحة أهم مبدأً من مبادئ هذه النظرية بشكل مباشر، وبعيداً عن العدد القليل من المصابين باكتئاب حاد، فإن معظم المرضى على مايبدو يمتلكون مستويات طبيعية من الأمينات الأحادية في الدماغ.
استجابة الخلايا الدماغية
ماذا عن الضغوط اليومية وأثرها على الاكتئاب النفسي؟
النتائج التي توصلت إليها شيلاين لم تسهم في توضيح الأمور بشكل أوضح، والتفسير المفضل بالنسبة لها، ينبع من نظرية صاغها روبرت سابولسكي من جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا وبروس ماكوين من جامعة روكفيلير في نيويورك، فخلال القرن الماضي، أشار هذه الخبير إلى أن قرن آمون عند الحيوانات التي تتعرض للتوتر يتعرض للانكماش، فعلى سبيل المثال توفيت القرود التي كانت تخضع للقمع عن عمر مبكر مقارنة بأقرانها، كما تبين أن عدد خلايا قرن آمون في أدمغتها كان أقل بكثير.
وعلى مايبدو فإن خلايا متخصصة في الدماغ تقوم استجابة للضغط النفسي، بتحرير شلال من الإشارات الهرمونية تحت غدد الأدرينالين على إنتاج الكورتيزول وهو أحد الستيروبدات القوية.
والواقع أن لهذه الظاهرة أهمية كبيرة، خصوصاً إذا ماحدثت في حالات يطلق عليها العلماء حالات الكراوالفر باعتبار أنها تستنفر الطاقة الاحتياطية للجسم.. ولكن وفقاً لما يقول سابولسكي ومايكوين، فإن التأثير التراكمي لكورتيزول مدمر للجسم والدماغ، فالكورتيزول يضر بالفصينات العصبية للخلية والتي من خلالها تستقبل عصبونات قرن آمون المعلومات الواردة من الخلايا العصبية بالكامل، وبما أن لقرن آمون السليم تأثيراً كبيراً في مسألة إفراز الكورتيزول، فإن تعرضه للأضرار يؤدي إلى إغلاق صمام مهم وتوقفه عن العمل معلناً بدء دورة فيزيولوجية خطيرة.
وكان معروفاً جيداً، أن مستويات الكورتيزول ترتفع عند الأشخاص المصابين بالاكتئاب وعليه رأت شيلاين أنه من المنطقي أن يعاني مرضاها الملكتئبون من انكماش في قرن آمون على غرار ماحدث لدى الحيوانات التي خضعت للاختبار.
التوتر النفسي
ولكن كيف لهذا العضو أن يفسر أسباب ظهور أعراض الاكتئاب؟
من المعروف أن أهم وظائف قرن آمون تتعلق بالتعلم والذاكرة، ورغم أن المكتئبين قد يعانون من مشكلات في الذاكرة، إلا أنها لاتمثل الأعراض الرئيسية بالتأكيد وهذا الجزء يرتبط بمناطق أخرى من الدماغ لها علاقة بالمزاج والمشاعر ولكن يبدو أنه من الصعب الاقتناع أن الأضرار التي تلحق بقرن آمون يمكن أن تسبب هذه المجموعة المتنوعة من الأعراض.
ومهما يكن الحال، لم يمض وقت طويل حتى كشفت الدراسات التي أجريت على بعض الموتى، اختلافات تشريحية في أجزاء أخرى من أدمغة المكتئبين.
ففي القشرة الأمامية الجبهية التي يعتقد أنها تلعب دوراً كبيراً في المشاعر السلبية ونماذج التفكير الاكتئابية الأخرى، اكتشف الباحثون عصبونات صغيرة على نحو غير طبيعي وعدداً قليلاً من خلايا الدعم في الدماغ المسماة بالخلايا الدبقية.
وفي الوقت ذاته، وجد الخبراء أن الجسم اللوزي المسئول عن الإحساس بالخوف والقلق متضخم عند العديد من المرضى.
وعلى الرغم من أنه لم يتم التأكد ما إذا كان الضغط النفسي مسئولاً عن هذه التغيرات أيضاً إلا أنها قد تلعب دوراً في توضيح نوعية الأعراض التي يعاني منها الناس.
ومع ذلك فإن هذه النتائج لاتبعث كثيراً على التفاؤل.
فعلى نحو مفاجئ بات ينظر إلى الاكتئاب الذي لاتزال أعراضه الرئيسية تحمل توصيفات نفسية إلى حد كبير على أنه مرض يشترك في العديد من الملامح مع أمراض عصبية انتكاسية مثل باركنسون والزهايمر.
ولاشك في أن معالجة التلف الدماغي أكثر صعوبة من معالجة التوازن الكيميائي، الأمر الذي استدعى ظهور نظرية جديدة تقوم على النتائج الجديدة السابقة.
وهنا لابد للمرء أن يتساءل ما الذي يقف وراء تشوش نظام الضغط النفسي في المقام الأول؟ ولماذا يستجيب بعض الناس للضغط النفسي بهذه الطريقة بينما يستطيع آخرون مواجهته من دون أن يكون له تأثيرات مرضية؟
في هذا الصدد بدأ رونالد دومان وزملاؤه في جامعة يل، بالبحث عن طريق لتعديل النظريات القديمة بحيث تشمل الاكتشافات الجديدة المتعلقة بالدماغ..
ويجب ألا ننسى أن عقار البروزاك ومضادات الاكتئاب الأخرى حققت في أغلب الأحيان نجاحاً كبيراً، ما يعني أن نظرية الأمينات الأحادية قد لاتكون خاطئة بالكامل؛ إذ لاحظ الخبراء أن البروزاك وعقاقير أخرى، تسبب في زيادة مستويات مادة تسمى عامل التغذية العصبية الدماغي الموجود في قرن آمون، والذي اعتبر في البداية عامل نمو له علاقة في تطور النظام العصبي، إلا أنه بات الآن معروفاً بأهميته في حماية العصبونات في الدماغ.
اكتشاف مذهل
بعد مضي ثلاث سنوات على الدراسات التي قامت بها شيلاين،حقق الخبراء اكتشافاً مذهلاً ألقى بظلاله على جميع النتائج السابقة.
فقد كان الخبراء يعتقدون على مدى سنين طويلة أن الخلايا العصبية الجديدة تتشكل خلال فترة نمو الدماغ فقط وإذا ما ماتت تلك الخلايا فترة البلوغ، فلايمكن تعويضها.
لكن الخبيرين فريد كيج من معهد سولك في سان دييجو بولاية كاليفورنيا واليزابيت جولد من جامعة برينستون، اكتشفا أن قرن أمون في الدماغ البالغ يستطيع إنتاج خلايا جديدة.
وعليه فإن التلف الدماغي الذي شاهده الخبراء في الدماغ للشخص المكتئب ليس ناجماً فقط عن موت الخلايا، بل أيضاً عن عدم تولد خلايا عصبية جديدة أو تعطل عملية تعرف باسم تخلق النسيج العصبي وهكذا باتت هناك إمكانية لعكس مراحل تطور المرض.
وعلى الفور استغل دومان مسألة تخلق النسيج العصبي بالإشارة إلى أنها امتداد لنظريته التي تقول إن مضادات الاكتئاب تبقي خلايا قرن أمون على قيد الحياة من خلال تعزيز مستويات عامل التغذية العصبية الدماغي.
كما تمكن دومان والخبير باري جاكوبس من التوصل إلى نتائج تفيد أن البروزاك يقوم على ما يبدو بتحفيز عملية تخلق النسيج العصبي في قرن أمون.. ولإثبات هذه العلاقة، تحالف دونان مع رينيه هين من جامعة كولومبيا في نيويورك، لاختبار هذه الفكرة على الفئران، فعندما تم نقلها إلى أماكن جديدة أصبحت الفئران متوترة جداً، الأمر الذي انعكس على تفاعلها مع الطعام في ظاهرة تعرف باسم فقدان الشهية الناجم عن تغيير المكان والتي تستخدم عادة كنموذج لقياس الاكتئاب والتوتر.
وعندما قام الفريق بتقديم مضادات اكتئاب لتلك الحيوانات أصبحت أقل توترا وتناولت طعامها بشكل طبيعي، ولكن عندما تم تعريضها لجرعة محددة من الأشعة السينية التي تكبح عملية تخلق النسيج العصبي في قرن أمون، ظلت تلك الحيوانات متوترة.. وعليه فإنه ينبغي أن تكون عملية تخلق النسيج العصبي حجرا أساسا مضادات الاكتئاب.
مفاتيح اللغز
استمر دومان في العمل لإثبات أن جميع فئات مضادات الاكتئاب بالإضافة إلى العلاج بالتخليج الكهربائي أو بالصدمة الكهربائية،تحفز ولادة خلايا عصبية جديدة في قرن أمون وذلك من خلال زيادة مستوى عامل التغذية العصبية "الدماغ" وفي دراسات أخرى، توصل كيج وكارل كوتمان من جامعة كاليفورنيا في إيفرين إلى نتيجة مفادها أن التمارين البدنية المعروفة بقدرتها على تحسين المزاج عند البشر يمكن أن تثير عملية تخلق الأنسجة العصبية، كما اكتشف فريق دومان أن البروزاك يحتاج من ثلاثة إلى أربعة أسابيع للقضاء على أعراض البأس عند الفئران المكتئبة.. وعلى الرغم من أن تحفيز عملية تخلق الأنسجة العصبية هو صلب عمل عقار البروزاك إلا أن تأثير العقار على مستويات السيروتونين لاتزال تمثل الخطوة الحيوية الأولى.. فارتفاع مستوى السيروتونين يؤدي إلى ارتفاع مستويات بروتين يعرف باسم سي آر إي بي داخل الخلايا العصبية؛ الأمر الذي يقود بالنهاية إلى إطلاق عملية تخلق الأنسجة العصبية.. والواقع أن دومان تمكن وزملاؤه من قبل من عكس التأثيرات السلوكية للاكتئاب بالكامل عند الجرذان في غضون ثلاثة أيام من خلال تزويد الدماغ بعامل التغذية العصبية الدماغي بطريقة الحقن.
الحقن مسألة غير عملية
بيد أن الحقن المباشر في الدماغ البشري مسألة غير عملية، ولكن هناك عقاقير تستطيع أن ترفع مستويات البروتين سي آر إي بي وعامل التغذية العصبية، وتعرف باسم كوابح فوسفوديا تيريز.
وباتت شركة ميموري للأدوية بولاية نيوجيرسي الأمريكية، وعلى وشك البدء في المرحلة الأولى من التجارب الأكلينيكية حول واحد من تلك العقاقير لمرضى مصابين بالاكتئاب.
ويعتقد دينسي تشارني الذي يترأس برنامج اضطرابات التوتر والمزاج في المعهد القومي للصحة بولاية ميرلاند الأمريكية، أن مفتاح ذلك اللغز المعروف بالاكتئاب يتمثل في تضخم الجسم اللوزي، ويقول تشارني إن الهرمون الذي يتم إنتاجه في الدماغ والذي يثير عملية إفراز الكورتيزول كناقل عصبي منفصل تماماً عن الاستجابة للضغط النفسي إلا أن تشاربي وماكوين يتوقعان أن الأشخاص المعرضين للإصابة بالاكتئاب ينتجون كميات كبيرة منه وأن وجود استعداد وراثي للإصابة بتضخم وفرط نشاط الجسم اللوزي.. يعادل تعرض الشخص للضغط النفسي بشكل مستمر وهو ما يؤدي في النهاية إلى انطلاق الدورة الخطيرة التي تلحق الأضرار بقرن آمون والقشرة الأمامية الجبهية.. ويقول تشارني إن الأدوية التي يتم تطويرها لكبح عمل هذا الناقل العصبي أثبتت فعاليتها في الدراسة التي أجريت على الحيوانات وأنه متفائل بأن تتحول إلى علاجات فعالة جديدة للاكتئاب.
عملية معقدة
ومع ذلك لايزال الطريق طويلاً فالاكتئاب حالة في غاية التعقيد وربما تشمل تورط العديد من الجينات، إلى جانب العديد من العوامل البيئية.
ووفقاً للخبيرة النفسانية جليندا كاكوين من جامعة ماكاستر بمقاطعة أو نتاريو، ثمة عدة طرق رئيسية تؤدي إلى الاكتئاب منها الاستعداد الوراثي والإهمال أو التعرض للمعاملة السيئة في فترة مبكرة من العمر أو التعرض لإصابة كبيرة خلال فترة البلوغ ويختلف تأثير كل عامل من شخص إلى آخر.
وعليه فإن السبب الرئيسي للاكتئاب قد يختلف من شخص لآخر وبالتالي فإن الطريقة العلاجية المثالية أيضاً ستكون مختلفة؛ ولذلك فإن خطوات التواصل إلى علاج شاف تتمثل في معرفة السبب الذي أدى إلى تطور هذه الحالة في المقام الأول.
أفيونات المخ
وهل أفيونات المخ مرتبطة بحالة الإنسان المصاب بالاكتئاب يقول الدكتور خليل فاضل:
بدأ بحث الإنسان في أوائل السبعينيات باكتشاف غير متوقع لمستقبلات الأفيونات في مخ الإنسان إذا كنا نمتلك هذه المستقبلات داخلنا فمعنى هذا أن أجسادنا تنتج مواد كيميائية لها خصائص الأفيون، وهذا ماحدث بالفعل.. فكر العلماء كثيراً قبل الوصول إلى نتائج حتمية بخصوص هذه المورفينات الإنسانية وحاولوا بالبحث والمتابعة معرفة خصائصها وأماكن وجودها من خلال تتبع رحلة وفعالية المورفين المصنع “العقار” فوجدوا أنه يبطئ من النبض والتنفس فبحثوا في القلب والرئتين وعرفوا أنه يقتل الألم فبحثوا في الجهاز العصبي المركزي والطرفي فعرفوا أنه يحدث اضطرابات في عملية الهضم والإخراج فنقبوا في الجهاز الهضمي ووجدوا أنه يزيد من الرغبة الجنسية فبحثوا في الغدد والجهاز التناسلي وعرفوا أنه يحدث البهجة ففتشوا في أسرار المزاج الإنساني وتقريباً وجد العلماء “الأندورفين” أو مستقبلاته في كل مكان بحثوا فيه، وجدوه كموصل ينقل النبضات العصبية، يزيل الألم ويحفز تحرير الهرمونات ويقوم بكل هذه الأشياء إما في وقت واحد أو على فترات وبسرعة ودون أي جهود ووجد العلماء أن عقاري النالوكسون والنالتركسون، وهما معروفان بأنهما “ مضادات للأفيون” وأيضاً يخلقان مستقبلات “الأندروفينات” باحتلالها، فقام العلماء بحقن أحد هذين العقارين لبعض المتطوعين فوجدوا أنهم قد أحسوا أكثر بالألم وبأنهم أقل بهجة لكن لم يشتكوا من صعوبة في التنفس ولم تنتبهم نوبة تشنجية أو دخلوا في غيبوبة.
الأندروفينات والألم
يؤكد الدكتور خليل أنه إذا وقع إنسان وانكسرت يده وهو يعرف أن ثمة كسرا قد حدث في العظم ومع ذلك لا يحس إلا بألم وبتوتر قليل لمدة ساعات حتى يذهب إلى المستشفى، فإن هذه الفترة الزمنية يعتقد العلماء أن “للمورفين الإنساني” دوراً كبيراً فيها تحاشياً للصدمة وتخفيفاً للحدث وتمهيداً للتدخل الجراحي والطبي، إنها تمهيد فطري طبيعي يتيح فرصة العمل لكل الأطراف، واستمر بحث العلماء خصوصاً مع الألم المزمن واهتدوا إلى مراكز محددة نبهوها كهربياً في أحد جنود البحرية الأمريكية الذين عانوا من آلام مبرحة بسبب التعرض لصدمة وجرح شديدين لفقرات الظهر فاستجاب المريض وخفت عنه الآلام للمرة الأولى في حياته، بل وتحول من مريض بالاكتئاب يرغب في الانتحار إلى إنسان واثق يعمل فترة محددة في أحد المكاتب وتزوج وكون بيتاً سعيداً.
يضيف الدكتور خليل أنه منذ بضع سنوات أدهشنا العالم ليفين من جامعة كاليفورنيا باكتشافه تأثير “الترضية” وهو “الشعور بزوال الألم نتيجة اعتقاد المريض بالعلاج وإيمانه به” مما يدفعنا للاعتقاد بأن للأندروفينات دورا في عملية “الترضية”.
في وعام 1988 استطاع ليفين إثبات أن حقن مريض “بأي شيء غير كيمائي..ماء، حقن مثلاً” يؤدي إلى زوال الألم وكأنه تلقى جرعة تساوي 8 ملليجرامات من المورفين.
وتطرق البحث العلمي إلى موضوع آخر شائق ألا وهو “إيذاء النفس جسدياً” فمن المعروف أن بعض المرضى يقطعون أياديهم ويحرقون أجسادهم دون أدنى إحساس بالألم.
ويذكر د. فاضل لنا تجربته الشخصية مع مريض في جنوب لندن وصل به الأمر إلى قطع ساقه بمنشار دون ألم ومريضة أخرى تتلذذ بحرق ذراعيها وبطنها بالسجائر المشتعلة وتقطيع جلدها بالسكين.
ويقول د. فاضل: إن العلماء يعتقدون أن مثل هؤلاء الأشخاص يعانون من أمراض عقلية وأن أفعالهم الغريبة المؤلمة هذه تعمل على شحن أجسادهم “بأفيونات المخ الأندروفينات” لهذا يقولون إنهم يشعرون براحة واسترخاء بعد هذه الأفعال.
مدمنو الرياضة البدنية
ويعلق الدكتور خليل أن معظم الناس قرأوا أن الركض ومزاولة الرياضة البدنية مساوٍ لتحرير الأندروفين في الجسم وأن الإنسان بعد مجهود عضلي يشعر بالراحة والهدوء والاسترخاء وهذا أدى إلى أن البعض صار يدمن ممارسة المجهود البدني أي الاعتماد عليه نفسياً وبدنياً بمعنى تعوده على تحرير المورفينات الإنسانية بشكل منتظم ومتكرر ويومي!
ولقد أكدت البحوث بفحص دم هؤلاء ارتفاع نسبة أفيونات المخ في أثناء ممارستهم لها وثبت أيضاً بالفحص النفسي الطبي أن هؤلاء الرياضيين يكونون معتدلي المزاج المبتهج، والنشاط البدني وهذا ما تؤكده الحكمة القديمة بأن “العقل السليم في الجسم السليم” لكن هناك علماء آخرين يتشككون في مسألة علاقة “الأندروفينات” بتحسن المزاج في الرياضيين ويعزون صحتهم النفسية الجيدة إلى أمور مثل: نشاط الحواس، النظام، الإحساس بالتميز وبروح الفريق، الأمان، ويقولون إن مسألة الأندروفينات لا تصح في حالات الإنهاك والتعب الشديد وبعد ممارسة رياضة عنيفة أو طويلة، لكن من المؤكد أن جرعات معتدلة ومنظمة من الرياضة البدنية كفيلة بأن تجعلنا سعداء.
حقيقة مؤكدة يذكرها الدكتور خليل مفادها أنه من المعروف أن الإنسان يأكل ليعيش، ولكنه معروف أيضاً أن الإنسان يأكل ليستمتع وليس هناك دليل أكبر من اختلاق أنواع الأطعمة وتفنن الناس في الأكل والتذوق والتلذذ والشبع والانتشاء المصاحب لالتهام أنواع مختلفة من الطعام وتبقى هناك أطعمة محددة مثل تلك الحارة “المحتوية على الفلفل” والحلوى التي تعطي نشاطا وبهجة وإحساساً عاماً جيداً.
لكن ما العلاقة بين “الأندروفينات” والشهية المفتوحة جدا؟
يعتقد أن “الأندروفينات” تساعد الجسم على التحكم في الشهوة الجارفة لتناول الدهون والحلوى في مواجهة الإجهاد والجوع وان اضطراب هذه المورفينات الإنسانية يكون في الواقع أرضية كيمائية لأمور مثل السمنة واضطرابات التغذية الأخرى ويثبت تلك النظرية أن إعطاء مغلقات طريق الأفيون لذوي الوزن الثقيل يساعدهم على أن يأكلوا أقل ووجد بالفحص الطبي أن المرضى بالشدة العصبية المتميزة بالإفراط الحاد في تناول النشويات والدهون” وكذلك المرضى بالفقد المرضي للشهية تكون نسبة الأندروفينات لديهم منخفضة؟!
الحمل والبلوغ
جهزت الطبيعة الكائنات الحية بشهيتين كبيرتين الأولى للطعام لتمنع الانهيار الجسدي والثانية للجنس لتمنع الانقراض مما حدا بالعلماء إلى دراسة علاقة الأندروفينات بتناول الطعام وإلى دراسة علاقتها بالجنس ولقد كان فمن خلال الأبحاث التي أجريت على مدمن المخدرات اتضح أن مدمني المورفين والهيروين يعانون من العجز الجنسي والبرود وأنهم يشفون من تلك الأمراض عند تخلصهم من الإدمان؟!
هذا يدل على وجود علاقة وثيقة بين المخدرات وتنظيم الدورات الهرمونية التناسلية وهناك في قلب المخ تقبع سيدة الغدد “الغدة النخامية” وسيدة سيدات الغدد “ما تحت المهاد” وهما تتبادلان الإشارات والعلاقة لتنظيم كل شيء ولتحرير المورفينات الإنسانية واتضح بما لايدع مجالاً للشك أن تعاطي المخدرات في فترتي الطفولة والمراهقة يؤثر بشكل سلبي على عملية الخصوبة عند الإنسان من كل ما سبق يتضح أن تعاطي الأفيونات الصناعية على هيئة مخدرات يتدخل ليعطل الدورات الهرمونية الطبيعية لمنعها الجسم من تحرير الأفيونات الطبيعية داخله وبالتالي يضطرب الجهاز العصبي والهرموني ويحدث خلل وظيفي في سائر الأعضاء كذلك لوحظ أنه في فترة الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل يخفف إحساس المرأة بالألم وبالضغط ويعتقد أن إفراز الجسم لكمية أكبر من الأفيونات الإنسانية وراء هذا الإحساس بجانب الشعور بالغبطة لمواجهة إجهاد الولادة ويعتقد أيضاً أن نسبة الأندروفينات في دم المرأة الحامل تصل إلى ذروتها قبل الولادة “تقريباً عشرة أضعاف النسبة المعتادة” وأن معدلها يهبط فور إتمام الولادة.
البهجة.. الضحك.. الدموع
يشرح ذلك الدكتور خليل بقوله: قد يعتقد البعض أن معظم، إن لم يكن كل، تأثيرات الأفيون عضوية إلا أنها في حقيقة الأمر تمتد لتأخذ مجرى نفسياً انفعالياً لدرجة الاعتقاد بأن كل شيء متعلق بالنشوة والغبطة والسعادة مرتبط بتحرير مادة الأندروفين في الجسم مثل اللعب مع الحيوانات، سماع الموسيقى وحتى التجارب الخاصة جداً عند الاقتراب من الموت إلى تلك الهزات والرقصات سواء في “الديسكو” أو الزار أو الضحك عالياً أو البكاء بحرارة كلها لحظات انفعالية حادة وساخنة لها ارتباط واضح بتحرير الأفيونات الطبيعية في جسم الإنسان.
ويحكى عن مريض بمرض عضال مؤلم كان يضحك نفسه ضحكاً عميقاً حتى تهتز بطنه بشدة عشر دقائق كل ليلة فيستطيع النوم على الأقل لمدة ساعتين دون أية معاناة.
ويحاول الباحثون وعلى رأسهم “وليام فراي” من كلية طب ستافورد بأمريكا إثبات العلاقة بين الضحك وتحرير مادة الأندروفين في جسم الإنسان، لكن يبدو أن المسألة صعبة للغاية فقد وجد أن تحرير الأندروفينات والضحك مرتبطان بالحد من الخوف والغضب والكآبة، كما أن الضحك رياضة تدخل الهواء النقي إلى الرئتين وتترك عضلات الجسم في حالة استرخاء جميلة.
من ناحية أخرى بحث الإنسان في وظائف المخ وتغيرها من حالات الغضب والحزن إلى السعادة أو العكس وعلاقة كل ذلك بالوجدان ووجد أنها لم تزل منطقة معتمة جداً لا نعرف عنها النزر اليسير، لكن وجد أن كيمياء الدموع التي تبثها ما في الإنسان في حالات الفرح والحزن وتقشير البصل واحدة وبالتالي فليست هناك أية دلالات قاطعة في مجال كيمياء الدموع.
تتيح دراسة النفس وتغيراتها من خلال دموع الضحك والبكاء، كما وجد أن المصابين ببعض الأمراض مثل تقرحات القولون “على سبيل المثال لا الحصر”.
تنخفض قدرتهم على البكاء كما وأن مرضى كثيرين يرتاحون من آلامهم عندما يستطيعون البكاء وإن مرضى أكثر عندما تتحوصل أحزانهم وتكبت فإنها تولد تعطلا في العلاج وتؤخر التقدم من الناحية الطبية والحياتية.
وهكذا تتدخل كيمياء الإنسان "أفيونات المخ الأندروفينات" في الحياة الطبيعية في الضحك والبكاء، في الانتشاء والطرب، في لحظة البلوغ وألم الولادة، في التريض، وفي الجوع، وتناول ألذ الطعام، وفي الاستماع للموسيقى المحببة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.