منذ بدأ التكوين والجمال يرافق الحياة في كل جوانبها ليرسم ملامح الامل بالاحساس عند الكائنات الحية ، فالموسيقى تشغل حيزاً كبيرا ً في حياتنا اليومية وتأثر تأثيرات عديدة منها الايجابي كما السلبي فهي تجمعُ بين العلم والفن فهي من (( العلم الموزون )) كالجبر والحساب والهندسة والمنطق والعروض وهي علوم متعاضدة رباطها النظام ووحدة الحركة والسكون . أما كونها فناً لما لديها من ابداع جمالي يحدث في النفس تفاعلاً بين الفرح والترح والثورة والهدوء ، وبمرور الزمن تلاقحت الشعوب بفنها وعلمها حيث سنحت الفرص للمجال الموسيقي في التأليف والاحساس ضمن القواعد الموسيقية فقد استطاع الموسيقي ان يستمع الى موسيقى الشعوب ليبحث عن ذاتهِ في بيئةٍ غير بيئتهِ طبقاً الى ما استساغته طبيعتهُ الخاصة في عقلهِ الموسيقي ، فمن هنا بدأ اكتشاف التأثيرات النفسية التي تحدثها الموسيقى على الانسان في ايجابيتها او سلبيِّتها فاختلاف التاثير يختلف من شخص الى آخر تبعاً لحاجة الانسان في نوع الاستماع والاستمتاع بها . فالعلاج النفسي بالموسيقى يعتبر احد الوسائل العملية في تحديث الحالة النفسية في الانسان وذلك بتنشيط الحواس والغدد والجهاز العصبي وقد نجحت تجارب عديدة اجريت على الانسان وهو جنين في رحم أمه بعد تجاوزه المراحل الأولى في التكوين فبدأت التجارب العلمية باسماع الام منذ الشهر الرابع لحملها وحتى الولادة انواع الموسيقى في هدوئها او صخبها حتى تبين تأثير الموسيقي في البناء النفسي للانسان في شخصيته ِ بعد البلوغ . فالموسيقى هي لغة الاهتياج العاطفي تعبر عن احاسيس الانسان طبقاً للون النغم الذي يستشفه ُ سواء كانت هادئة او ثائرة او فرحة او حزينة ، فالموسيقى الهادئة تولد صفاء ذهنياً وسكوناً في التأمل ِ وبذلك تدفع اشكال الملل والقلق والكآبة المتولدة من الرتابة المتكررة في الحياة . كما تُنمَّي في الفرد حسَّ الرقاقة المترفة التي بدورها تحضُ للسعي الى المثالية ناهيك بأنها تُعين على الشفاء من امراض عضوية ونفسية ، اما الموسيقى الصاخبة فهي تثير القلق على جانبي السلب والايجاب فالجدية التي تحملها ترنيمات هذا اللون توشم انطباعاتها سلبا ً على الانفس ذات التصرف الصلب غير المرن حيث تثير فيها الاصرار على ما هي عليه واما تأثيرها على الانفس المترفة جداً فهو تأثير ايجابي لمعادلة المرونة الفائقة عن الحد المطلوب في الرقة وكذلك لو استخدمت هذه الموسيقى في الحروب فستولد انتصارات من اثر تأجيجها لحس الحماسة والثبات كما جاء عن نابليون انه قال : ان سبب كسبه لاحدى المعارك هو ابداعية بتهوفن المسماة ب(( سيمفونية القدر )) . كما هدد الفنان الكبير مارسيل خليفة بقطع اللسان من قبل اسرائيل لو استمر ببث الاناشيد الحماسية التي تساعد على التصدي بصلابة للدولة الغازية . فكل شيء ٍ نستشعره ونحسه الا ونرى للموسيقى فيه حديث فهي اوسع الفنون قدرة على خدمة الانسان وتعتبر من من اسمى انواع المنشطات النفسية والعضوية . فقد وجدت في عالم الدول المتقدمة مستشفيات تستخدم الموسيقى في علاج الامراض قبل المثول الى صالات العمليات بدلا ً من المعالجة الكيميائية حيث اصبح شفاء الامراض التي من ضمنها آلام الظهر ، النخاع الشوكي ، الامراض العصبية ، ارتفاع الضغط وآلام الرأس ممكناً دون الحاجة الى اقراص الادوية او غيرها, وبهذا يكون العلاج بالموسيقى ناجحاً نجاحاً باهراً لم يكن بالامكان تحقيقه باستخدام الادوية الاخرى التي تستعمل لمثل هذه الحالات وهذا ما يبرهن عليه الخبير الطبي د. “ جيفري رودي” صاحب احدث طريقة للاستشفاء بجامعة اوهايو الامريكية عندما كان يرسل مرضاه ليمارسوا ألوانا ً من التمارين النفسية والتدريبات الذهنية مع التناغيم الموسيقية في الهواء الطلق وعلى العشب الاخضر، وقد قيل عن د. “ رودي” انه يحقق ما يشبه المعجزات في شفاء المرضى دون الرجوع للعقاقير الطبية ويقال ان العلاج الجديد استطاع ان يحوِّلَ الخاملين والكسالى الى مغامرين دؤوبين والمترددين الى جريئين واشداء. فكان د.«رودي» رئيساً لاطباء دار الشفاء في ولاية متشغان ، التي بلغت شهرة عالمية ، وتستهدف في الدرجة الأولى ، اعادة عمل اجهزة الدم والتنفس الى حالتها الطبيعية بعد الاصابة المرضية بأساليب ممارسة الحركة الرياضية الموسيقية مابين صعوبة وشدة الحركة وخفتها في الرقص مما يساعد في انعاش النفس وصحته وعافيته فسرعان ما نجح “ رودي” في غضون اسابيع تحويل مرضى القلق والتعاسة والكآبة ، الى اصحاء تغمرهم البهجة والسكينة . فقد نشأت هذه الطريقة من طرائق عديدة من ممارسة التركيز الذهني والحسي ثم حصرها لسمع ما تبتغيه المؤلفات الموسيقية والتفاعل الوجداني والحركي مع ذبذباتها تحت رقابة طبية ، ثم اضيفت لهذه الطريقة تمارين خاصة مدروسة ، حتى اصبحت اسلوباً لعلاج طبي متكامل ٍ ينفذ تحت اشراف فريق طبي مختص . والتفسير العلمي لفعالية الموسيقى في علاج الانسان هو ان الموسيقى تقوم بتهييج افراز (( الاندروفينات )) وهي احدى الهرمونات التي تفرزها الغدة النخامية ويكثر تمركز هذه الهرمونات في اللوزتين وفي الجهاز اللمفاوي فيعتقد الباحثون العلماء انهم على اولى الخطوات في تحقيق وتعميم هذا الاكتشاف الذي سيحدث تغييراً جذرياً في الآراء المعروفة ب(( كيمياء الألم )) بفضل الاندروفينات التي هي احد انواع ( البيبتيد) وهكذا فإن الألم والمتعة والانفعال وكثيراً من الامراض لها اتصال بعمل الاندروفينات التي اكتشفت في بداية السبعينيات من القرن العشرين ، والتي اتضح ان الموسيقى تساعد بصورة كبيرة على زيادة افرازها ، وبالتالي على توازن النفس وعلاج الجسم وشفائه من الامراض .