صنعاء.. اعتقال الدكتور العودي ورفيقيه    قبائل المنصورية بالحديدة تجدد النفير والجهوزية لإفشال مخططات الأعداء    وبعدين ؟؟    اليوم العالمي للمحاسبة: جامعة العلوم والتكنولوجيا تحتفل بالمحاسبين    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    الجدران تعرف أسماءنا    قرارات حوثية تدمر التعليم.. استبعاد أكثر من ألف معلم من كشوفات نصف الراتب بالحديدة    التلال بحاجة إلى قيادي بوزن الشرجبي    الجوف .. تنفيذ المرحلة الثانية من شبكة الطرق الزراعية بطول 52 كلم    تمرد إداري ومالي في المهرة يكشف ازدواج الولاءات داخل مجلس القيادة    صحة غزة: ارتفاع الجثامين المستلمة من العدو الإسرائيلي إلى 315    شبوة تحتضن بطولة الفقيد أحمد الجبيلي للمنتخبات للكرة الطائرة .. والمحافظ بن الوزير يؤكد دعم الأنشطة الرياضية الوطنية    موسم العسل في شبوة.. عتق تحتضن مهرجانها السنوي لعسل السدر    أبين.. حادث سير مروع في طريق العرقوب    مليشيا الحوثي تسعى لتأجير حرم مسجد لإنشاء محطة غاز في إب    القائم بأعمال رئيس الوزراء يشارك عرس 1000 خريج من أبناء الشهداء    صنعاء.. إيقاف التعامل مع منشأتَي صرافة    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    انتقادات حادة على اداء محمد صلاح أمام مانشستر سيتي    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    جحش الإخوان ينهب الدعم السعودي ويؤدلج الشارع اليمني    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    عين الوطن الساهرة (1)    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلنا موصدون
نشر في الجمهورية يوم 14 - 11 - 2011

وأنا طفل صغير كنت دائماً أرى والدي يمسح على شعر والدتي ويقبل عينيها بمنتهي الرقة والعذوبة، وهما يشاهدان التلفزيون أو يتحدثان، لم أكن أغار على أي منهما كما يشعر بعض الصغار مثل أختي التي تصغرني بعامين، التي كانت تندس بينهما كلما سنحت لها الفرصة وهي تختلق كلاماً أو حتى بكاءً لتشغل عشقهما قليلاً وتشتت ذلك الانسجام الرائع الذي لم ينته حتى هذا اليوم!
لا عجب فبعد أن كبرت عرفت من جدي أن والدي تزوج والدتي بعد قصة حب عنيفة ومؤلمة عانى فيها والدي رفض جدي له بحجج مختلفة، لكن إصراره وعناد والدتي أثمرا في نهاية الأمر، وجدي الذي لم يكن يطيق والدي في البداية اعترف بخطئه بعد مرور فترة على زواج ابنته، بعد أن أدرك شهامة والدي ورجولته وحبه الصادق لأمي.
جدي كاد أن يبكي وهو يحكي لي كيف بره أبي أكثر من أولاده الذين هم من صلبه، بعد أن ماتت جدتي وبات وحيداً في بيت كبير لا مؤنس له، إذ أصر أبي أن يؤجر فيلا جدي وأحضره ليعيش معنا حتى توفي عندما كنت في العشرين من عمري.
هذا الحب والنبل اللذان كانا يحيطان بي ورّثا لدي رومانسية وحساسية زائدة وفي كل مرة كنت أرى فيها والدي يمسح على شعر والدتي ويقبل عينيها أختلي بنفسي في غرفتي وأتخيل لمياء بنت الجيران، أو لولو كما كان الجميع يناديها، وهي تجلس معي وأنا أمسح على شعرها الذهبي وأقبل عينيها.
هذه الشاعرية التي كنت أعيشها بكل إحساسي تحولت مع الوقت إلى نظم قصائد غزل ولوعة أقرأها في المدرسة على صديقي حسن، الذي اعترف لي بعد أن كبرنا أنه كان يسرقها ويكتبها في دفتره ثم يقرأها على حبيبته ويقول لها بأنه هو من قضى الليالي ينظم هذا الكلام لأجل عينيها..!
ضحكنا يومها كثيراً ونحن ندخن الشيشة ثم لاحظت شروده عندما بدأ يدندن أغنية كنا نغنيها معاً أيام الطفولة.. وشاركته الغناء..
حاولنا أن نغالب حزناً انتابنا فجأة وحتى لا نبكي ضحكنا مرة أخرى!
لولو ذات الشعر الذهبي رافقت طفولتي ومراهقتي وعندما كبرنا قليلاً كنت ألاحظ أن والدتي تحاول دائماً أن تبقينا في الصالون، وإذا دخلنا غرفتي لندرس تتعمد الدخول والخروج كثيراً وترك الباب مفتوحاً!
أمي لم تعرف أني لم أكن لأجرؤ على فعل أي شيء قبل أن أتأكد من مشاعر لولو نحوي، وأني كنت فقط أنتظر لحظة شجاعة بعد سيناريو شاعري أعددته منذ فترة طويلة لأعترف لها.
حتى جاء صباح مشرق بعد ليلة عصيبة بدأتها بسرقة عطر والدي ثم قضاء بقية الليلة أجرب الثياب وأحاور المرآة حتى نمت!
أكملت كل الطقوس كما تخيلت تماماً، ودمعت عيناي وأنا أنهي اعترافي بعد أن فكرت بأن تلك الدموع كانت ضرورية لأقنعها بصدق مشاعري!
وقبل أن أمد يدي لأمسح على شعرها وأسألها إن كانت تبادلني نفس المشاعر، قامت لولو بحركة ظلت حتى اليوم تهز كياني، فقد مدت يدها الصغيرة ومسحت دموعي، تلك الدموع التي لم تكن إلاّ جزءاً من خطة طفولية للإيقاع بقلب محبوبتي..!
لم أفهم ذلك الإحساس الغريب الذي شعرت به في تلك اللحظة وكأنما طالت يدها الصغيرة جرحاً اختبأ خلف رعب طفل صغير خاف أن يحكي.. حتى لجده! وانهمرت دموعي بغزارة وأنا أضمها.
تلك الدموع كانت خارج السيناريو والحوار الذي أعددته سلفاً..!
ذهبت تلك الأيام واختفت لولو مع عائلتها التي انتقلت إلى مدينة أخرى، وكَِبرتْ.. ونسيت حبيبة الطفولة.. لكن ظلت تلك اللحظة تزلزلني كلما تذكرتها..!
التقيت أمل..
هذه المرة كنت رجلاً ناضجاً، ناضجاً بحيث لا أضطر إلى سرقة عطر والدي وقضاء ليلة كاملة أحفظ أول درس في العشق لكني كنت أبحث عن تلك اللحظة، ابحث عنها بشراهة في ملامح أمل ونظرتها وخطوتها، لكن كيف و الجرح قد كبر وصدئ وما عاد فتحه سهلاً ودموع الطفل الذي لم يتوقع لحظة حنان من يد طفلة مثله..جفت!
أمل بهرتني.. ليس لأن شعرها كان يشبه شعر لولو وليس لأن الله متعها بجمال وقوام ساحر ولا حتى لأنها تحب الشعر مثلي، ولا لفتنة منظرها وهي تركب الخيل، بل كان ذلك الغموض والحياء اللذان يلفانها بعذوبة..
واليوم هاهي أمل، عروسي، بكل بهائها، بابتسامتها الخجولة وحيائها الذي يقتلني..
وتمر الأيام..
ثم الشهور..
كل ما فيها يلهمني شعرا.. أيُّ رجلٍ يريد أكثر؟!
كانت تحبني وتعطيني بلا حدود لكن غموضها وهذا الصمت الذي يلف حتى خطواتها ما عاد يلهمني إلا ألماً وقلقاً..!
عبثاً حاولت أن أخلق تلك اللحظة معها لكنها موصدة تماماً وهذا لا يسهل علي مهمة الصراخ عالياً والبكاء على صدرها..!
لقد مارست مع أمل كل أحلام الشاب التي تحاصره ليل نهار، وصببت عليها جام كل تلك الفانتازيا التي أتعبتني.. قبلت عينيها ويديها وقدميها ومسحت على شعرها، أهديتها شعراً ونثرت على السرير ورداً، مارست معها الحب في كل زاوية في بيتنا، زينت أصابعها بالماس في لحظة البدر إلى جانب البحر الذي أصررت، رغم خوفها، أن يشهد لحظة عشقية ويستر جسدينا بماء الله، استرقت منها قبلات في السينما وحملتها في الشارع بين ذراعي ودرت بها كالمجنون وأنا أصرخ كالمراهق بحبها غير عابئ بالناس حولنا، حتى السماء تواطأت معي ذات مساء عندما أمطرت فخلعت معطفي ولففت به جسد حبيبتي لأدفئها وأبرد أنا..! أيُّ شيءٍ يساوي تلك اللحظات عندما مرضت وأمل تسهر إلى جانبي، تداويني وتمسح على شعري وتعتذر لي تارة بالقبلات وتارة بالهمس والنظرات لأنها كانت سبباً في مرضي؟ لا شيء!
علمتها هواياتي، كيف ترمي.. وكيف تتسلق الجبال.. وكما تخيلت تماماً تسقط فأتلقفها بين يدي ثم أداوي ذلك الجرح في قدمها الصغير وأقبله، أستحم معها تحت ذلك الشلال، السماء والعصفور شاهدان والله وحده يحرسنا بعينه التي لا تنام..
أما الفجر فكان قصة أخرى..
كان أجمل لحظات يومي معها..وأكثرها حزناً.. شيئا لم يكن أبداً ضمن تلك الفانتازيا التي كانت تعج بها أجندتي.. كنا نصلي سوية وندعو الله.. يغمرنا وجوده.. وينساب على روحينا حباً وطمأنينة.. ثم تأتي تلك اللحظة، يحرثني ذلك الحزن بقسوة، أطالع عينيها، أرجوك.. بصيص أمل لأنفجر بين يديك، لماذا أنت هكذا موصدة..؟! افتحي لي ولو ثقبا من الأمل.. أدركي حزني..أحتاج لهذا الجرح أن يبرأ..
لقد أهدتني كل شيء إلا تلك اللحظة!
غموضها بدأ يقلق حتى رجولتي وبدأت ذهنية الفحل المتخلف تسيطر علي.. ووقعت في بئر التفاسير الخاطئة! لمَ لا؟! أنا لست إلاّ وريثاً شرعياً لكل تفسير يجعل كل أنثى في الأرض عاهرة!
حاولت أن أنسى ذلك الحلم وأمزق صورة لولو وهي تمسح دموعي! لكن كيف وخوف الطفل يطاردني، يعاتبني”كنت صغيراً يومها والآن كبرت فلمَ لا تصرخ وتبكي وتسكب مع الدموع ذلك الجرح وترميه في سلة مهملات تليق به؟ لماذا لا تأخذ حقي؟! لمَ لا تجيب اليوم على سؤال جدك عندما كنت تبكي في غرفتك وحيدا وجسدك الصغير يرتجف خوفاً؟ قل له اليوم أنا لم أرسب في الامتحان يا جدي.. أنا كنت خائفاً أن أحكي!
شكوكي لم تفعل شيئا وتلك المشاكل التي كنت أختلقها لم تنجح في أن تُفهمها شيئاً.. كان صمتها يزيد وألمها يكبر.. كنت مدركا تماماً أني أدمر سعادتنا لكني كنت كمن فقد السيطرة على نفسه وبدأت فعلاً أصدق تلك الظنون التي صنعتها من وحي ذلك الصمت الذي لم أفهمه!
كانت أمل مع الأيام تخبو وتذبل وأنا أستعر أكثر.. أكاد أجن.. إنها حتى لا تسأل ولا تدافع عن نفسها وأنا أكيل لها كل تلك الاتهامات البشعة، فقط تنظر نحوي نفس تلك النظرات الغائمة الغامضة.
وذات ليلة وهي تكيل لي نفس النظرات وأنا أكيل لها نفس الاتهامات رفعت يدي.. كدت أصفعها.. وقبل حتى أن تصل يدي.. كانت قد وقعت..!
عندما أفاقت لم أكن بالغرفة كنت أحضر لها بيد مرتجفة كوب ماء، وعندما دخلت عليها كانت تحاول أن تنهض من السرير، وعندما رأتني أقف وكوب الماء في يدي سحبت الغطاء بحركة لا إرادية على جسدها!
كانت خائفة..مني!
أسقط في يدي..
قلت لها وأنا أضغط بيدي على صدري:
- هنا ينام جرحٌ كبير.. كنت فقط أحتاجك لتدركيه..!
وأخيراً خارت قواي.. فتحت لجرحي الباب.. فاندفع بقوة.. أغرق اللحظة.. مدت يدها ببساطة ومسحت دموعي..
يا إلهي! إنها المرة الأولى التي أرى فيها دموع زوجتي..!
أخذت يدي ووضعتها على قلبها.. قالت:
- هنا ينام جرحٌ أكبر.. كنت فقط أحتاجك لتدركه..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.