طوق من العزلة المجتمعية يحاصر 290 مصاباً ومصابة بمرض الجذام في مدينة النور بالضاحية الشمالية للحالمة تعز يتجرعون مرارة المرض والفقر والحرمان بأجساد متقرحة وأطراف متآكلة ووجوه انطمست الكثير من معالمها.لينتظرون الموت بكرامة لم تتحقق لمن قضى نحبه منهم . لاشيء يوحي بالضياء في المدينة فقد انطفأت شموع الأمل في نفوس مرضى الجذام بعد وفاة (الأم تريزا ) الممرضة والقديسة والإنسانة التي نذرت حياتها لرعاية المنبوذين والمشردين والعجزة في شتى أصقاع المعمورة وامتدت يدها الناعمة وإنسانية قلبها النقي الى مرضى الجذام في اليمن لتنتشلهم من جوار مقلب القمامة إلى أحضان (مدينة النور ) بتعز لينعموا بالعيش الكريم والرعاية الصحية المتكاملة ولكنها سنوات لم تدم طويلاً يتذكرها مريض الجذام - علي ثابت الهجام والدموع تنهمر من عينيه : حظينا بعناية طبية ومعيشة في ظل - الأم تريزا - يغبطنا عليها الأصحاء ولكن اليوم تغير كل شيء ,بعد أن تولى أمرنا ياسين القباطي وعبدالرحيم السامعي - الأول أمين عام الجمعية اليمنية للتخلص من الجذام، والثاني مدير مستشفى الأمراض الجلدية بالمدينة- لقد قطعوا علينا كل شيء: الدجاج والصيد واللحمة وأصبح القوت اليومي لكل مريض ثلاثة أرغفة خبز وملعقة فاصوليا في الصباح وملعقة رز وجبة غداء وحبة جبنة مثلث وجبة عشاء) يجهش الهجام بالبكاء ( حتى حبة البارمول لا تجدها في صيدلية المستشفى .لقد تخلى الجميع عنا بعد وفاة الأم تريزا) ... رحلت وتركتنا للعذاب. كل مظاهر البؤس والتعاسة تقابلك أينما يممت وجهك في (مدينة النور) على أسرة دور الرعاية في المستشفي يقعد الجذام 60رجلاُ و30 امرأة يعيشون أوضاعاً صحية تدمي القلب فيما البقية الذين يقبعون في المنازل المتهالكة بالمدينة يتجرعون معاناة أشد وأنكى فأعلى ما يتسلمه مصاب الجذام من الجمعية كإعاشة شهرية خمسة آلاف ريال لترتسم ملامح بؤسهم في منزل - ناجي جوبح الذي شل الجذام والسرطان حركته وعقد لسانه ولم ألحظ في منزله من أثاث سوى فرش مهترىء وبطانية يتقاسم التحافها هو وزوجته وثمان من بناته وجميعهم محرومون من وجبة الإفطار حتى الظهيرة لكنهم مطالبون بسداد فواتير الماء والكهرباء المتراكمة على الرف بمدخل المنزل. فيللا فاخرة تتربع تلة مطلة على أحد مداخل مدينة تعز وسيارات فارهة يتملكها أمين عام الجمعية اليمنية للتخلص من الجذام التي تتلقى دعماً سخياً من منظمتي (جيلارا ) الألمانية و(لوك ) الكندية والعديد من المنظمات والجمعيات الخيرية . لكن المجذومة (شيحة الجرشي )وبشهادة عدد من المرضى الذين تحلقوا حولي وذهبوا بي الى باب منزلها دخلت في غيبوبة ولم يجدوا لها سيارة إسعاف وماتت ولم يكن بحوزتها ثمن الكفن وعلى مقربة من منزلها توفي المجذوم ناصر الضراسي ولم يدلهم على موته بعد ثلاثة أيام الا الذبابة الزرقاء التي تشاركت مع الدود في نهش جسده...إنهم يغادرون الحياة بصمت محرومين ومعذبين وغرباء.