إن الحديث عن الخطاب الروائي اليمني كجنس أدبي جديد يمتد من حيث الزمان إلى أكثر من سبعين عاما، حيث يُعد عام 1939م هو عام ميلاد الرواية اليمنية، وهو العام الذي صدرت فيه رواية «سعيد»[1] للمثقف اليمني الرائد «محمد علي لقمان»، وهي أول رواية يمنية تصدر في عدن عن المطبعة العربية. ثم يتتابع وينمو رصيد الرواية اليمنية ليبلغ من حيث عدد المدونة الرواية قرابة ال 100 رواية هي مجمل ما كتب في هذا النوع الأدبي المهم. 2 - مضامين الخطاب الروائي: اشتمل الخطاب الروائي في اتساعه كمدونة ومتن وفي امتداده الزمني على الكثير من المضامين التي عالجها بداية بالمضامين الإصلاحية ذات الأداء المباشر والنبرة الخطابية العالية كما في”سعيد”للقمان، و”مصارعة الموت”للسبلاني، و”ضحية الجشع”لرمزية الإرياني، كما سبقت الإشارة. أما المضمون السياسي فقد تزامن بعضه مع حركة التحرر الوطني من الإمامة في الشمال، كما في رواية مأساة واق الواق 1960م للزبيري، أو تلك الروايات التي كتبت فيما بعد لكنها تعالج نفس المضمون السياسي كما في رواية”صنعاء مدينة مفتوحة”[22] 1978م لمحمد عبد الولي، و”قرية البتول”[23] 1979م لمحمد حنيبر، و”الرهينة”[24] 1984م لزيد مطيع دماج، و”زهرة البن”[25] 1998م لعلي محمد زيد، وكذلك ما كان منها يعالج قضية الاستقلال من الاستعمار البريطاني وسطوة السلاطين في جنوباليمن، كما في رواية”مرتفعات ردفان”[26] 1976م لحسين صالح مسيبلي، و”طريق الغيوم”[27] 1977م لحسين سالم باصديق وغيرها. أما الروايات ذات المضمون الاجتماعي فلها نصيب وافر، حيث عالجت فترات مختلفة من الزمن في اليمن الحديث وقضايا أبنائه وهمومهم، وقد ظهرت هذه الروايات حين استقرت القضية الوطنية وهدأ الصراع وثبتت قواعد الدولة الحديثة، وبدأ الإنسان اليمني يبني حياته على طريق الاستقرار والسلام، ومن ذلك مثلاً عدد من الروايات التي تهتم بشرائح معينة من المجتمع وتلتفت إلى قضاياهم المصيرية كرواية”مجمع الشحاذين”[28] 1976م لعبد الوهاب الضوراني، وقضية الطبقة المثقفة والبحث عن فرص العمل كرواية”سفينة نوح”[29] 1981م لعبد الله باوزير، وهموم مجتمع القرية كرواية”الإبحار على متن حسناء”[30] 1984م لحسين باصديق، وقضية الهجرة وغربة اليمني على اختلاف الزمن كروايات:”يموتون غرباء”لمحمد عبد الولي،(وتعالج الغربة في الحبشة، وقضية المولدين في فترة ما قبل الثورة)، ورواية”نحو الشمس شرقاً”[31] 1998م ليحيى علي الإرياني (وتعالج الغربة السياسية مع قضايا حديثة لما بعد الوحدة)، ورواية”رجال الثلج”2000م لعبد الناصر مجلي (وتعالج غربة اليمني الحديثة في أمريكا من وجهة نظر عملية، وتجربة كاتبها الفعلية). وأما رواية”شارع الشاحنات”[32] 1985م لمحمد سعيد سيف فهي تصور ضغوط المدينة على المثقف وجفافها في وجهه، ورواية”ركام وزهر”[33] 1988م ليحيى علي الإرياني تبين صراع القيم بين المدينة والريف، كما يتجلى فيها صعود نماذج من الطبقة الوسطى وتبلورها، وفي”هموم الجد قوسم”[34] 1988م لأحمد مثنى صراع القديم والجديد وبيان الثوابت الجميلة لدى المجتمع التهامي تحديداً، وفي”الصمصام”[35] 1993م لصالح باعامر تتضح خصوصية مجتمع الصيادين وهمومهم وأفكارهم، وفي روايتي:”أحلام.. نبيلة”[36] 1997م، و”أركنها الفقيه”[37] 1998م لعزيزة عبد الله معالجات لمشاكل المرأة وعذاباتها وهي تبدو كضحية للحاجة والمجتمع القاسي في الأولى، وللجهل والتغرير بها من الرجل في الثانية. وللرواية ذات المضمون التاريخي حضور أيضاً في ثلاث روايات هي:”ليلة ظهور أسعد الكامل”[38] 1992م لأحمد قائد بركات، (حوارية بين الراوي وأحد ملوك حِمير القدماء بوحي من المكان حين يزور الكاتب مأرب، ويقف أمام سدها الشهير، وفيها ربط بين الماضي والحاضر)، و رواية”رؤيا شمر يرعش”[39] 1997م لأنور محمد خالد (وهي الرواية التاريخية الوحيدة حتى الآن بالمعنى الفني والتقني للرواية التاريخية التي تعالج تلك الفترة السحيقة من تاريخ اليمن)، ورواية “دار السلطنة”[40] 1998م لرمزية الإرياني، (وهي تقدم تاريخ السيدة بنت أحمد الصليحي ملكة اليمن في التاريخ الوسيط وإن كانت تخاطب الناشئة). وأما رواية السيرة الذاتية فيكرس لها أحمد قائد بركات ثلاثية منازل القمر: (تباشير الأماني”[41] 1998م، و”سنوات البراءة”[42] 2001م، و”المدار الغربي”[43] 2001م)، ومن قبلها روايته”المبشِّع”[44] 1993م. وتأتي الروايات ذات المضمون العاطفي عرضاً في اهتمام الروائي اليمني، وقد نلمح الكثير من تلك المضامين العاطفية يدور بالضرورة في بناء عدد من الروايات، لكن نادراً ما نجد روايةً تحمل ذلك المضمون عن قصد أو تُكرّسُ من أجله بحيث يقوم بناؤها وفكرتها وغايتها وقفاً على المضمون العاطفي، ولعل ذلك يرجع إلى تصور لدى الكتاب – وذلك بلا شك تصور خاطئ – مفاده أن الحبَّ هو آخر ما يمكن أن يقف لديه الإنسان في سلم الضروريات. 3 - التسعينيات وما بعدها مرحلة خصبة للرواية: بعد قيام الوحدة اليمنية توافر للأدب مناخٌ إبداعي له خصوصية متميزة من حيث الحرية، والانتشار، وإمكانية النشر بشكل أوسع، وتنامي المؤسسات الثقافية المهتمة بالحراك الثقافي والإبداعي، هذا بالإضافة إلى المناخ السياسي والاجتماعي الحافل بالأحداث والمتغيرات المختلفة والذي تحتاج إليه الرواية- عادةً – لرصد أبعاده ورؤاه، فهي من حيث طبيعتها فنٌّ يرصد أزمات المجتمع وتغيراته، ويصور حركة الفرد وعالمه الداخلي والخارجي في إطار ذلك المجتمع المتحرك، وبنظرة بيبليوجرافية[45] سريعة للإنتاج الروائي خلال هذه الفترة يتأكد للناظر ما نذهب إليه بأن الرواية تعيش في التسعينيات وما تلاها حتى اليوم أخصب عصورها من حيث الكم والكيف معاً، ونختلف مع ما يذهب إليه بعض الدارسين[46] بأن الرواية في هذه الفترة نائمة بالقياس إلى جنس أدبي آخر – له خصوصيته نشراً وإبداعا من حيث السهولة والقدرة على النشر السريع والتعبير عن روح الفرد أكثر من روح المجتمع – ونعني به القصة القصيرة، والدليل على ما نذهب إليه يتضح في أن أكثر من نصف الإنتاج الروائي اليمني خلال عقد واحد ونصف العقد قد بلغ أكثر من (40) رواية، وهذا العدد يسجل كفّة راجحة لما تمّ إنتاجه خلال نصف قرن أو يزيد. 4 - ولشهرزاد حضورها: وختاماً وقبل أن أطوي هذه الورقة لا بدَّ لي من الإشارة إلى أن لحفيدة شهرزاد التي جعلت الحكي مرادفاً للحياة والبقاء حيثُ كانت لا بد أن تقصّ لكي تعيش، وعَلَّمَتْ شهريار من خلال القصص كيف يكون وديعاً ومهذباً ومطيعاً لذلك كانت شهرزاد اليمنية حاضرةً بقدرتها على أن تقصّ، وتحكي، وتحلم، وتشارك؛ ومنذ البداية حكتْ رمزية عباس الإرياني رواياتها:”القات يقتلنا”1969م، و”ضحية الجشع”1970، و”دار السلطنة”1998م، ثم حكت سلوى محمد الصرحي ثلاث روايات في الثمانينيات هي: و”أشرقت الشمس”[47] 1984م، و”صراع مع الحياة”[48] 1985م، و”يبقى الأمل”[49] 1986م، وروت عزيزة عبد الله أربع روايات في أوقات متقاربة، وبحضور قوي وهي: رواية،”أحلام... نبيلة”1997م، و”أركنها الفقيه”1998م، و”طيف ولاية”[50] 1998م، و”تهمة وفاء”[51] 2002م، وترسم نبيلة الزبير حضورها في”أنه جسدي”2000م، وتصعد شهرزاد جديدة وصغيرة هي هند هيثم لتحدثنا عن”حرب الخشب”، و”وملوك لسماء الأحلام والأماني”2003م، وما يزال الأفق ممتدا، وليالي الحكايات لم ينتهِ، وإن أدرك شهرزاد الصباح لكنها لن تتوقفَ عن الكلام المباح. الهوامش [22]-صنعاء مدينة مفتوحة، محمد أحمد عبد الولي، 1978 ، عدن- مؤسسة 14 أكتوبر ، وعن دار العودة- بيروت عدة طبعات آخرها في 1986 م. [23]- قرية البتول، محمد حنيبر، 1979م، دمشق- عالم الكتب. [24]- الرهينة، زيد مطيع دماج، 1984، بيروت- دار الآداب. وعن دار رياض الريس- لندن عام 1997م وضمن مشرع اليونسكو (كتاب في جريدة) عام 1998، والهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة عام 1999م. [25]- زهرة البن، علي محمد زيد، 1998، بيروت- دار الكنوز الأدبية. [26]-مرتفعات ردفان، حسين صالح مسيبلي، 1976، عدن- مؤسسة 14 أكتوبر. [27]- طريق الغيوم، حسين سالم باصديق، 1977، بيروت- دار الفارابي- إصدارات وزارة الثقافة- عدن. [28]- مجمع الشحاذين، عبد الوهاب الضوراني، 1976، صنعاء- صحيفة الثورة من تاريخ 26/1،عدد2489 إلى13/2،عدد2507،ونشرت في كتاب عام 1979 عن مطابع الناشر العربي- القاهرة. [29]- سفينة نوح، عبد الله سالم باوزير، 1981، عدن- دار الهمداني، وطبعت في صنعاء، مركز عبادي للدراسات والنشر، عام 2001م ضمن سلسلة إبداعات يمانية. [30]-الإبحار على متن حسناء، حسن سالم باصديق، 1984، بيروت- دار الفارابي- إصدارات وزارة الثقافة- عدن. [31]- نحو الشمس شرقاً، يحيى علي الإرياني، 1998، عمَّان – دار أزمنة للنشر والتوزيع. [32]- شارع الشاحنات، محمد سعيد سيف، 1985، صنعاء- مجلة اليمن الجديد، و منشورات اتحاد الكتاب اليمنيين (كتاب الحكمة طبع بمطابع مؤسسة الثورة للصحافة والنشر عام1998م. [33]- ركام وزهر، يحيى على الإرياني، 1988، بيروت- دار التنوير. [34]- هموم الجد قوسم، أحمد مثنى، 1988، بيروت- دار الحداثة. [35]-الصمصام، صالح باعامر، 1993، القاهرة، مطابع الكوبري. [36]- أحلام.. نبيلة، عزيزة عبد الله، 1997 ، القاهرة – مكتبة الخانجي. [37]-أركنها الفقيه، عزيزة عبد الله، 1998 ، القاهرة- مكتبة الخانجي . [38]- ليلة ظهور أسعد الكامل، أحمد قائد بركات، 1992، صنعاء- دائرة الصحافة والطباعة. [39]- رؤيا شمر يرعش، أنور محمد خالد، 1997، بيروت- دار الفكر العربي. [40]- دار السلطنة، رمزية عباس الإرياني، 1998، صنعاء – حقوق النشر محفوظة للمؤلفة، دون تحديد دار النشر. [41]- منازل القمر: المنزلة الأولى (تباشير الأماني)، أحمد قائد بركات، 1998، صنعاء – منشورات صحيفة الثورة. [42]- منازل القمر: المنزلة الثانية (سنوات البراءة)، أحمد قائد بركات، 2001، صنعاء، مركز عبادي للدراسات والنشر. [43]- منازل القمر: المنزلة الثالثة (المدار الغربي)، أحمد قائد بركات، 2001 ، صنعاء- مركز عبادي للدراسات والنشر. [44]- المُبَشِّع، أحمد قائد بركات، 1993، صنعاء- دائرة الصحافة والطباعة. [45]- يمكن الرجوع إلى الببليوجرافيا التفصيلية عن الرواية اليمنية من عام 1939م حتى عام 2003م في كتاب الموروثات الشعبية القصصية في الرواية اليمنية، مرجع سبق ذكره. [46]- ينظر: مقال هشام سعيد شمسان: القصة في اليمن من السرديات التقليدية إلى الحداثة الفنية،المصدر: http://www.almotamar.net/5299.htm [47]- وأشرقت الشمس، سلوى محمد الصرحي، 1984 ، صنعاء- مسلسلة في صحيفة الثورة. [48]- صراع مع الحياة، سلوى محمد الصرحي، 1985 ، صنعاء – مسلسلة في صحيفة الثورة. [49]- ويبقى الأمل، سلوى محمد الصرحي، 1986 ، صنعاء – مسلسلة في صحيفة الثورة. [50]- طيف ولاية، عزيزة عبد الله، 1998، صنعاء- دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة.