في الصباح الباكر من كل يوم يمكنك أن تشاهد بوضوح مدى تواجد الصوماليين في مدينة ذمار الذين يسيرون جماعات في الشوارع الرئيسية والفرعية ذهاباً وإياباً وينتشرون على الأرصفة ومداخل الأسواق والمطاعم فيما عيونهم القلقة تتطلع إلى من يجود عليهم بوجبة ولو خفيفة تسد رمق الجوع الذي يلقونه أو بطانية تقيهم ولو جزءا يسيرا من شقاء هذه المدينة شديدة البرودة. لقد تحولت ذمار وضواحيها من مجرد ترانزيت فيما مضى للشباب الصومالي الذين كانوا يقصدون محافظة البيضاء للعمل في مزارع القات هناك إلى ملجأ يأون إليه بعد أن فاضت بهم مديريات البيضاء ووصلت إلى مرحلة التشبع جراء استقبالها لأعداد كبيرة منهم. وانتشار هؤلاء في ذمار لا يقتصر على عاصمة المحافظة فحسب، بل يتعداه إلى القرى المحيطة المشهورة بإنتاج القات بغرض إيجاد مصادر للرزق يعتاشون منها وهو ما يشير إلى ارتفاع مستوى تسلل النازحين من القرن الأفريقي عبر الحدود البحرية اليمنية وهو تسلل لا يحتكره الصوماليون فهناك جنسيات أخرى مثل الاثيوبيين، لكن ما يزيد القلق هو أن هذا الحضور المتنامي وغير المنظم للنازحين من الأشقاء والأصدقاء تكتنفه الكثير من المخاوف والتوجسات حول المستقبل وخصوصاً أن بلدا مثل اليمن لديه قائمة طويلة من المشاكل والأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية العميقة ولا يسعها مع هذه الأوجاع أن تتحمل بإمكاناتها ومواردها المتواضعة مشاكل الآخرين وأوجاعهم وهذه أمور لا تخفى على أحد ولا نحتاج إلى براهين. فماذا يمكن أن يشكل هذا التوافد المحفوف بالغموض لشباب تتراوح أعمارهم بين “18 25” عاما وليس لدى السلطات الحكومية أي معالجات لهذه المشكلة هذا ما سنعرفه خلال الأسطر التالية. تنظيم وجودهم ومن ثم ترحيلهم ضرورة ملحة يقول الأخ/ محمد صالح الأضرعي مدير عام مكتب الشئون الاجتماعية والعمل بمحافظة ذمار تعليقاً على هذا الموضوع: أولاً أود التوضيح أن هذه الظاهرة ليست من اختصاص وزارة الشئون الاجتماعية، بل من اختصاص جهات حكومية أخرى كان الأحرى أن يوجه إليهم هذا التساؤل وعلى العموم فإن أغلب من يسمون بالصوماليين المنتشرين في ذمار مؤخراً ليسوا كذلك؛ لأن معظمهم يحملون الجنسية الأثيوبية بحسب معلومات تلقيناها من الجهات الأمنية غير أن الجنسية لاتهمنا بقدر ما يهمنا وضع الاحتياطات والضوابط لهذا الوجود المفاجئ والذي تزامن مع الظروف السيئة التي تمر بها اليمن منذ ما يقارب العام وكأننا دولة تعاني من تدهور اقتصادي وارتفاع في مستويات الفقر مترافقة مع بطالة مستفحلة لم نستطع معالجتها. هذه المشكلة إضافة إلى ما يمكن أن تثيره من مشكلات أخرى أمنية واجتماعية وحتى أخلاقية خاصة وأن هذه الجنسيات تتطلع إلى إشباع بطونها وليس شيئا آخر بعد أن نكلت بهم الحروب الأهلية والفقر المدقع في أوطانهم فإن مثل هكذا توجه ممكن أن يستغل ويحاول بعض ضعفاء النفوس تجنيدهم لتنفيذ أجنداتهم الشخصية التي قد لا تتضح إلا بعد أن يقع الفأس في الرأس لذلك أتمنى من حكومة الوفاق الوطني برئاسة الأستاذ محمد سالم باسندوه أن تولي هذه الظاهرة الاهتمام؛ لأن أي إهمال قد يكون نتائج وخيمة على مستقبل الوطن وأجياله.. وأنا أرى أن يتم التنسيق مع المنظمة الدولية للاجئين وتنظيم هذا الوجود داخل مخيمات وإعالتهم لفترة معينة تمهيداً لترحيلهم إلى بلدانهم التي جاءوا منها؛ لأن الدولة لو كان لديها الموارد الكافية لما بخلت في استيعابهم وتدبير فرص عمل لهم لكن ما في اليد حيلة.. فالعين بصيرة واليد قصيرة. يا جنازة أرحبي فوق الأموات وفي هذا الصدد يشير المواطن خالد زيد علي بالقول إن مثل هؤلاء الصوماليين وهروبهم من جحيم الحرب في بلادهم إلى اليمن يتماشى مع المثل اليمني القائل "يا جنازة أرحبي فوق الأموال" فاليمن دولة فقيرة وبالكاد تتحمل أعباء ومتطلبات مواطنيها فكيف بأعباء من يلجأ إليها ويضيف خالد ذو الخمسين عاماً أن وضع الصوماليين في ذمار سيئ للغاية، فبالإضافة إلى انعدام فرص العمل في هذه المحافظة التي تصنف ضمن المحافظات اليمنية الأكثر فقراً هناك الصقيع والبرودة الشديدة وهو مناخ يعرض هؤلاء الإخوة الذين ينامون على الأرصفة إلى مخاطر صحية جمة قد يكون مآلها الموت وقد سمعنا أن هناك أكثر من صومالي قضى من شدة البرد وكان آخرها وفاة ثمانية أشخاص في ليلة واحدة وكان خلال الأسبوع الماضي من شدة البرد مما حدا بالبعض ومنهم الشيخ/ عبدالإله الحاج إلى فتح دكاكين على نفقته الخاصة تخفف على هؤلاء ما يقاسونه من الصقيع وكنا نظنهم قليلي العدد، لكننا فوجئنا بازدحام العشرات للمبيت في هذه الدكاكين وهناك من المواطنين من يتبرع لهم بالبطانيات والملابس الشتوية ولكن هذا الأمر لن يستمر إلى الأبد ويجب معالجة مشكلة هؤلاء اللاجئين لأن الجوع والتشرد قد يدفعهم لارتكاب حماقات كثيرة؛ لأن الفقر كما نعلم كافر وكما قال الإمام علي رحمه الله: لو كان الفقر رجلاً لقتلته. أزمات لا تقف عند السرقة والقتل ولأهمية منصبه المنوط به مواجهة أي احتمالات قد تطرأ من انتشار الجنسيات الأفريقية في اليمن التقينا العميد عبدالكريم عبدالواحد العديني مدير أمن محافظة ذمار وطرحنا عليه تساؤلنا حول هذه الظاهرة فأجاب: في البداية أسلم لك بأن استمرار توافد الصوماليين إلى اليمن واستقرارهم في الشوارع طوال اليوم لا بد له من نتائج سلبية لا شك بوقوعها وتفادياً لهذا الوقوع يفترض بالسلطات الحكومية والمحلية الاضطلاع بدورها ومجابهة مثل هذا الشيء بشتى السبل الحضارية والإنسانية وإلا فسنضطر في قوادم الأيام لتحمل أعباء المئات، بل الآلاف من المشكلات الاجتماعية والمعيشية لا تقف عند السرقة ولا تنتهي عند حدود القتل وخصوصاً أن استغلال مثل هذه الجنسيات سهل جداً لزرع القلاقل الأمنية وزعزعة السكينة العامة هذا إذا لم يلجأوا من ذات أنفسهم إلى وسيلة العنف لتأمين معيشتهم، يزيد من احتمال هذا التوجه أن الكثير من هؤلاء الأشخاص لا يمتلكون وثائق ولا هوية تثبت شخصياتهم وانتماءاتهم. قبل حوالي الشهرين قمنا بتحديد مساحة واسعة من الأرض في مدينة ذمار وجلب الصوماليين إليها وكان التواصل مع محافظ المحافظة لكن تبين أن الإمكانات المادية الملائمة ليست متوفرة لإعالة وتشغيل هذا المخيم؛ الأمر الذي جعلنا نقرر أخيراً إطلاق سراحهم؛ لذلك يجب أن يكون للهجرة والجوازات والجنسيات والمنظمات الإنسانية دور حقيقي لتسريح هذه الجاليات إلى بلدانهم أو وضعهم في مخيمات آمنة حتى يتم تسوية وضعهم بطالة وأمراض فيما يتحدث الدكتور صالح صالح الجمال المدرس بكلية الطب البشري جامعة ذمار عن جانب آخر في هذه القضية حيث يؤكد قائلاً: هناك خطر حقيقي وأساس يرتبط بتدفق اللاجئين الصوماليين إلى محافظة ذمار وغيرها من المحافظات اليمنية وقد لا يلتفت إليه أحد وهو الأمراض المختلفة التي قد ينقلها اللاجئون إلينا ومن بينها أمراض مستعصية مثل مرض الإيدز فمعروف عالمياً أن معدلات انتشار هذه المرض مرتفع جداً في القارة الأفريقية وفي الصومال مثلاً نجد أن رابع حالة مرضية في المستشفيات الصومالية مصابة بهذا المرض الفتاك يزيد من توسعة عدم توفر الوسائل الممكنة لمواجهته هناك. وكما نعلم أن اللاجئين الصوماليين في اليمن لا يخضعون للفحوصات الطبية المناسبة وبالتالي تظل احتمالات نقل هذا المرض وغيره من الأمراض كبيرة جداً وبالذات أن السلطات في اليمن لم تقم بأي إجراءات فاعلة وملموسة لمعالجة أوضاع اللاجئين في أي جانب من الجوانب الشيء الآخر أن الوجود الصومالي يزيد من نسبة البطالة بين اليمنيين وبالذات في هذه الأيام.. كيف ذلك؟ نحن نعلم أن أقل عامل يمني قد يستلم في اليوم الواحد 1500 ريال تقريباً وبما أن الشباب الصومالي لا يريد سوى توفير وجبة غذائية يشبع بها بطنه فإن كثيرين يستغلون هذا العوز ويستخدمونهم في القيام بأعمال طوال اليوم مقابل مبلغ زهيد أو مقابل الأكل والشرب وهذا حاصل ولا يمكن إنكاره لهذا نناشد السلطات المعنية في بلادنا عدم إهمال مثل هذا الموضوع الذي يتربص بمستقبل اليمن واستقراره.