كما يقال: إن أي تعميم خاطئ، لأنه يوجد استثناءات هنا وهناك، وبنفس المنطق في هذا المقام لا نعمم، إلا أنه يمكن الجزم أن السواد الأعظم من تلك الجمعيات أصبحت في نظر غالبية الناس مشبوهة، ورغم ذلك لا يتورع الناس عن الاشتراك فيها، طمعاً في الحصول على قطعة أرض صغيرة تعين محدودي الدخل والموظفين لبناء بيت صغير يأوي به أسرته بعد أن سأم بيوت الإيجار، وكل جهد في صراع مع كابوس يلتهم «الإيجار» 3/4 مرتبه الشهري إن كان موظفاً، ومعظم دخله إن كان من محدودي الدخل. هذه الجمعيات التي تؤسس على صور وردية تجذب أموال المشتركين وخاصة الأقساط الأولى من المبالغ المالية والتي غالباً ما تكون هي الأكبر، وبمجرد دخول تلك الأموال إلى أكياس المؤسسين لتلك الجمعيات، إلا وتبدأ رحلة معاناة ضعاف المشتركين، وعندها تتحول الصورة الوردية إلى صورة قاتمة بل ومظلمة، لا يستطيع تحديد معالمها إلا بضع أشخاص من المؤسسين الذين قد رسموا وخططوا لابتلاع تلك الأموال تحت أسباب ومبررات بالغة التعقيد. واللافت للنظر أن غالبية القائمين على تلك الجمعيات سواءً في المؤسسات والمرافق، أو على مستوى الأحزاب والأحياء والحارات يكون هؤلاء من أصحاب الوجاهات أو من المسئولين في الدولة مدنيين وعسكريين، وكأن هذا النشاط أصبح محصوراً بينهم يتبادلون خبرات «قلة الخير» فيما بينهم فهذه الجمعية يرأسها القائد فلان وتلك وكيل وزارة وأخرى مدير عام بل وتلك أسسها العلامة أو الفقيه أو القاضي فلان. المهم أن هؤلاء بدون تعميم لا يردعهم وازع من خير أو دين عن ابتلاع أموال ضعاف القوم، يساعد أولئك «الفجرة» ما يتمتعون به من سلطات وعلاقات داخل مؤسسات الدولة والمجتمع. هنا يكون المواطن المشترك في جمعياتهم مغلوباً على أمره وهو بين أحد خيارين كلاهما مُرْ أحدهما: أن يرضخ للواقع ويرضى بما قسم له فيأخذ ما يُعطى له قليلاً أو كثيراً ويخرج له كما يقال في المثال الشعبي «بصوف الرقبة». والثاني: نتيجته معروفة وهو أن يقدم رأسه قرباناً من أجل قطعة الأرض تلك لينتهي الأمر به الدفن في أرض غير التي قتل من أجلها! أما موضوع أن يلجأ إلى سلطات القضاء أو أجهزة الأمن فلا طائل من ورائها لأن الكبار من الفاسدين في علاقة وئام ومصالح مشتركة و«طز» في القوانين، ليسود قانون الغاب.. وفي ظل هذا الوضع يصير الضعيف في متاهة تنتهي به إلى الجنون. مع إشكالات هذه الجمعيات التي طغت على السطح داخل مجتمعنا، تبرز لنا ظواهر غريبة تأنفها الفطرة البشرية السليمة ما بالك ومبادئ الدين والشريعة فهذه جمعية يدعي كبارها أن أرضها قد نهبت أو سرقت من الرأس الكبير فلان! ولا مجال للنزاع أو النطاح! وأخرى أحد كبار المؤسسين قد تصرف في الأرض أو أجزاء منها وهو قريب «كبير رأس» أو قاربت رأسه على التضخم!. أو يقال إن أراضي تلك الجمعية وقعت في ممر طريق عام أو على مرمى نار معسكر أو أنها مستهدفة لبناء مصلحة عامة!! وفي كل الأحوال تخلى الحلبة لمفتولي العضلات ليقرروا المصير وفقاً لقوانينهم «الحيوانية» ومصالحهم «الأنانية». وهنا تبرز مشاعر النقمة، والاعتقاد والجزم بأن لا قانون ولا دولة ولا... يحمي حقوق المواطن. ثم ظاهرة أخرى في بروز جمعات المستغلين والجشعين والفاسدين الذين يثرون من أموال الضعفاء، وبالتالي يكون لدى المواطن اعتقاد وقناعة بأن تلك الرؤوس الكبيرة التي تدعي حمل مسئولية أمة ما هي إلا صور خالية عن المسئولية والأخلاق تعوث في الأرض فساداً وإفساداً! وفي هذا المقام ومع توجه شعبنا نحو القضاء على الفساد والفاسدين والمفسدين ضمن الحراك الثوري في كل المؤسسات أشرنا إلى هذا الاتجاه باعتباره أحد دهاليز الفساد التي يشترك فيها أغلب الفاسدين وتكلف المواطن المغلوب على أمره ماله وقد يصل الأمر إلى أن يدفع ثمنها من دمه ودم أولاده..!