المرأة النائمة بصمت على السرير رقم “6” تدعى ياسمين، وأنا كذلك أحمل الاسم ذاته، لكن الأسماء ليست سوى أشياء سطحية كجسم طافٍ على سطح الماء، ثمة أشياء أعمق مشتركة بيننا، وربما لهذا تعجبني وأقضي الكثير من وقت فراغي بصحبتها. إنه يومٌ صعب! الجناح مزدحمٌ بالمرضى؛ مما أبقاني مشغولة طوال الوقت بإفراغ نونيات الأسرة، و ملء الاستمارات وتغيير الضمادات، في وقتٍ متأخرٍ من الظهيرة - أخيرًا- ولدقائق معدودة تمكنت من إعداد كوب قهوةٍ واتجهت نحو الكرسي البرتقالي بجوار سريرها ، أشعر بالامتنان لأني لازلت أستطيع أن أسير على قدمي وأن أكون معها مجددًا . “ مرحبًا يا ياسمين” أقول ذلك وأحس أني أقوم بتحية نفسي، لا تجيب، ياسمين لا تجيب أبدًا، لأنها في مكانٍ ما في الأسفل البعيد. ياسمين مثلي، دمرها البحر ذات مرة، وكذلك والدي صياد مثل والدها، لذا أقضم كلماتي كطعم في رأس صنارة ألقها في أذنيها حيث تنزل عبر الماء المظلم البارد، إلى المكان الذي قد تكون فيه. “ليس لدي الكثير من الوقت اليوم” .. أحدثها وألمس شعرها.. يصعبُ حقًا ألا تمد يدك لتلمسها إن كنت معها، إنها كائن استثنائي، امرأة جميلة حقا، ولهذا يبتكر الناس أسبابًا ليمروا عليها، أقبض عليهم متلبسين بالتلصص عليها، يشربونها ويأكلونها بنظراتهم، جميعهم كأسماك الباراكودا* الشرسة، حتى أولئك الذين يدفعون الكراسي ذات العجلات يعمدون إلى الزحف ببطئ حين يعبرون بجوار سريرها، وزوارٌ متجولون بعيونٍ جشعة، أطباء يتوقفون هنا ليسدلوا الستاشر الرقيقة ويفحصون باستمرار ما لا يحتاج إلى فحص. لحسن الحظ؛ الجمال البارع شيء لا أتشاركه مع ياسمين، قلت لها “والدك سيأتي إلى هنا قريبًا هذا ما قاله الأسبوع الماضي” لم تقل ياسمين شيئا فقط اهتز جفنها، أو هكذا اعتقدت. شهران منذ الحادثة التي وقعت في قارب والدها، منذ أن سقطت في البحر وغرقت، وعلقت في الشباك ، حدث كل هذا قبل أن يلحظ أحدٌ غيابها، وبعدها بدأت حالة الهلع ، انتزعها والدها وأبحر عائدًا للمنزل، حمل ما ظنه جسد ابنته إلى الشاطئ، “ياسمين” أهمس باسمها، أريدها أن تلتقم اسمنا المقضوم، أريدها أن تبتلعه، لحسن الحظ كان هناك طبيب شاب في القربة صبيحة الحادث يزور بعض أقاربه ، كان هو من أعاد هذه الفتاة الغارقة من حافة الموت، وهو نفسه الذي روى لي هذه القصة، وأخبرني أنها حين فتحت عيناها ونظرت إلى والدها قالت كلمة واحدة لا غير، ثم عادت إلى الأعماق، لكن في غيبوبة هذه مرة، “أسماك الباراكودا”.. هذا كل ما قالته ياسمين. حين يزورها والدها؛ يملس شعرها، يقبل وجنتيها، ويجلس على الكرسي البرتقالي بجوار سريرها حيث تنام واضعا يدها بين يديها الخشنتين، يعبق برائحة البحر ويتظاهر بأنه رجلٌ جيدٌ وبسيط،، مثل والدي ! كثيرة هي الأشياء المشتركة يا “ ياسمين” بيننا، نبدو أحيانًا وكأننا ذات الشخص، أتذكر الصباحات المبكرة، و خصلات شعري تلامس وجهي لإيقاظي، والدي يحملني من سريري نصف غافية، ويحملني إلى قاربه ، صوت والدي الفج في مسمعي، يده الخشنة على بشرتي. لم أكن أرغب نهائيا في الذهاب، لكني لم أكن سوى طفلة آنذاك، ووالدي جعلني أفعل كل ما رغب مني أن أفعله. مازلت أتذكر مذاق الماء المالح، والشمس الحارقة، و صورة أمي وهي تتقلص على الشاطئ وتأرجح القارب، وأصوات النوارس، ثمة حياة بداخلك يا “ياسمين” .. ألا تسمعينها تناديك ؟، ياسمين لا تجيب. صوت إغلاق باب، ووالد “ياسمين “ يسير باتجاهنا يحمل الأزهار، يبتسم في وجهي، أعرف أن ابن “ياسمين” سيحمل ابتسامة هذا الرجل، مثلما حمل طفلي ابتسامة والدي حتى في موته. وقف عند سريرها وداعب شعرها، حرك هذا شيئا ما في أعماقي، ظللت أراقب جفني ياسمين وأنا أنتظرها أن.... تقضمه. الهوامش كاتب قصص قصيرة إنجليزي، مقيم في لينكونشاير، متزوج ولا يريد إنجاب أطفال. وربح العديد من الجوائز، يعيش في أسماك الباراكودا: أو، ما يعرف بالعقام ، عائلة كبيرة من الأسماك الفضية المستطيلة الشكل تنتظم أسنانها على شكل صفين من الأمواس الحادة، وتعرف بهجومها الشرس والجماعي والسريع مما يجعلها أشد خطورة من سمك القرش.