تمنت لو يداعب النوم جفنيها، بعد أن قضت ثلث الليلة؛ تتقلب على سريرها، ذات اليمين؛ حيناً وذات اليسار حيناً آخر. مبحلقة في سقف الحجرة، تتخيل أشكالاً خرافية للظلال التي يحدثها دوران “الأباجورة” ذات الضوء الخافت عليه. ترى!! ما الذي جعل النوم يجافيها هذه الليلة؟. كان يومها عادياً، بل عادياً جداً. دون أي أحداث قد تأخذ منها حيزاً في التفكير أو القلق. حتى قيلولة الظهيرة على غير عادتها؛ لم تنم فيها. وفضلت مشاهدة فيلم رومانسي لعبد الحليم وشادية بثته إحدى القنوات الفضائية. اهتز زجاج نافذتها متأثراً بالرياح القوية التي داهمته فجأة. محدثة صفيرا،ً جعل جسدها يرتعش، حال وصوله إلى مسامعها. إذاً هو البرد حرض النوم وبإصرار على مغادرة جفنيها. تلمست قدميها؛ باردتين كالثلج، الذي يعتلي قمة الجبل خلف نافذتها. نهضت من السرير، أشعلت ضوء الحجرة، توجهت إلى دولاب يواجهه تماماً، لخشبه لون بني داكن، يحاكي طلاء الجدران والستائر، ومغاير تماماً للألوان المتداخلة والصارخة للسجادة الدائرية التي تفصله عن السرير. لدولابها أدراج عدة، لإحداها مفتاح يتدلى منه تمثال تنين صغير، تعتقد؛ حتى اللحظة؛ بأنه سيجلب لها الحظ يوماً، لم يحن موعده بعد. أخرجت منه جورباً أخضر من الصوف، حاكته بيدها، ارتدته وعادت إلى فراشها، وهي على ثقة كبيرة؛ بأن لا سبب سيمنعها من النوم، بعد أن نعمت قدماها ببعض الدفء. لا فائدة. لم يسرّب جوربها المفضل دفئاً لجفنيها. دست يدها تحت الوسادة التي تحتضن رأسها، أخرجت برفق رداء؛ لإحدى وجهيه لون البحر، وللآخر ألوان متداخلة ضاحكة، دثرت به جسدها. حتى وجهها غطته، لتمنع هجوم أي ذرات هواء باردة، ربما تحرضها على عدم النوم؛ الذي تنشده في هذه اللحظات، ولا شيء غيره. دون فائدة. رغم كل محاولاتها. أزالت كل ما قيد جسدها من أغطية بحنق شديد. أوشك الفجر على مغازلة نافذتها، بخيوطه الفضية؛ التي تعشقها وتتعمد الاستيقاظ للتمتع بها، وتناول قهوتها قبل شروق الشمس. أطلقت أوووف غاضبة، لهذه الليلة التي يسير فيها كل شيء بالمقلوب. قررت استكمال ما بدأت قراءته أولها. اقتعدت كرسيها الهزاز المواجه للنافذة. عيناها مفتوحتان، ويداها تقلبان كل ما وقعت عليه بعصبية، أتلفت بعض أوراق الصحف والمجلات، وضعتها جانباً، ابتلعت شهيقاً ملأ رئتيها هدوءاً، وأطلقت كل حواسها في مراقبة السماء، ونجومها المضيئة توشك على الذوبان في مداها البعيد. غمر الدفء كامل جسدها، أعادت جوربها لحماية تنينه الجميل، هندمت رداءها الذي يحتضن أحلامها كل ليلة، دسّت جسدها في أعطاف غطائها الوثير، وعلى غير عادتها ودعت خيوط الفجر الفضية وغطت في نوم عميق.