صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضية الفلسطينية في الأدب اليمني
نشر في الجمهورية يوم 15 - 05 - 2012

فلسطين قضية إنسانية في الأساس قبل أن تكون قضية أديان، وهي قضية ضمير قبل أن تكون قضية سياسة، أخذت من الجدل والنقاش كثيرا وستبقى كذلك ما دام الدم ينزف والمظالم تترى نثرا وشعرا، ليس لدى كل مسلم أو عربي فحسب؛ بل لدى كل من كان له ضمير إنساني بمن في ذلك اليهود غير الصهاينة أنفسهم.. فلسطين الشهقة المستمرة والنداء الطويل في زمن الخذلان والتبعية والارتهان.. قضية الماضي والحاضر ونصف المستقبل ربما، إن لم تكن قضيته كله، كانت ملهمة الشعراء والكتاب والفنانين ولا تزال.. وأديبنا الكبير وشاعرنا الفذ شاعر الوطنية حسب تسمية الأستاذ عمر الجاوي رحمه الله، أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري رحمه الله واحد ممن عاش آلام فلسطين وآمالها نظما ونثرا خلال عمره الشعري على الرغم من صغر كل تلك الجرائم الإنسانية التي ارتكبت في حق شعب فلسطين قياسا إلى ما حدث بعد وفاته كما سنرىالثقافة التي شكلت شخصية الزبيري
قبل أن نعرض ملامح القضية الفلسطينية في شعر الزبيري رحمه الله نشير أولا إلى جذوره الثقافية التي شكلت فيه هذا البعد الإنساني في أسمى معانيه القومي في أجلى مضامينه وأثرها في صبغ شخصيته العنيدة في مقاومة الظلم والجبروت حتى كانت مدرسة متميزة في النضال والمقاومة..
أقول: باستقراء نتاجات الزبيري نظما ونثرا يجده إنساني النزعة، عالمي الهوى، ذلك أن ثقافته الموسوعية وفكره الأصيل المتأثر بالمدرسة الإحيائية المصرية التي عمت الأقطار العربية منذ مطلع العشرينيات إلى جانب تشبعه بثقافة الأربطة العلمية ودار العلوم في صنعاء الضاربة في جذورها إلى مدرسة الإمام الشوكاني رحمه الله كل ذلك قد صبغ شخصيته بثقافة الحقوق المستمدة من ثقافة الفلسفة القضائية التي تربى عليها كونه قاض ابن قاضياً، وإباء الضيم والخروج على الظالم من تعاليم المذهب الزيدي، إضافة إلى ثقافة وفلسفة حركة المفكرين الأحرار ابتداء من الأفغاني ورشيد رضا ومحمد عبده والكواكبي، وانتهاء بفكر المدرسة الإخوانية التي تأثر بها، كل هذا وذاك شكل له منطلقا أساسيا وبوصلة اهتداء في النضال عن استبصار ومعرفة مع نظرائه من المناضلين الكبار كالنعمان والوريث والمطاع والموشكي وغيرهم الذين أصبحوا روادا كبارا في هذا المضمار، فاتسعت الرؤية وزادت مساحة الكلمة التي كانت السلاح الأمضى في وجه الجبارين الطغاة، وكانت الحافز الأسرع في الوثوب الثوري حسب إشارة الزبيري نفسه، حيث يقول عن الشعر:
أضلني وهم شعر كنت أنسجه
سحرا يحول قلب الصخر ألحانا
وهالني شؤم ما استكشفت من جثث
قد كنت أحسبها من قبل تيجانا
فرحت أشعل بالقيثار مقبرة
الموتى وأنفض أغلالا وأكفانا
أصبو إلى أمتى حبا وأبعثها
بعثا وابني لها بالشعر بنيانا
أصوغ للعمي منهم مقبرة نزعت
عنهم وأبني لهم بالشعر بنيانا
وما حملت يراعي خالقا بيدي
إلا ليصنع أجيالا وأوطانا
يخاله الملك السفاح مقصلة
في عنقه ويراه الشعب ميزانا
فهاك يا أمتي روحا مدلهة
عصرتها لحظاك الطهر قربانا
كأسا من الشعر لو تسقى الشموس بها
ترنحت ومشى التاريخ سكرانا
هذه النظرة إلى الشعر هي ذاتها النظرة في صورة أخرى:
عندي لشر طغاة الأرض محكمة
شعري بها شر قاض في تقاضيه
أدعو لها كل جبار وأسحبه
من عرشه تحت عبء من مساويه
وشر هول يلاقيه ويسمعه
صوت الملايين في شعري تناجيه
أذيقه الموت من شعر أسجره
أشد من موت عزريل قوافيه
وأيضا:
قم يا يراع إلى بلادك نادها
إن كان عندك للشعوب كلام
فلطالما أشعلت شعرك حولها
ومن القوافي شعلة وضرام
وقد قال عن ذلك نثرا: “كنت أحس إحساسا أسطوريا بأنني قادر بالأدب وحده على أن أقوض ألف عام من الفساد والظلم والطغيان”
هذا هو الشعر عند الزبيري، وتعريفه نابع من ثقافته الخاصة أولا ومن رؤيته وتصوره للحياة والكون وهي الرؤية الإنسانية في أوسع مداراتها، الرؤية الأخلاقية والقيمية التي طبعت روح الشاعر ونفسه فانعكس ذلك بصورة مباشرة وغير مباشرة على أدبه وشعره، كما بعثت بين جوانبه الهموم ومنها الهم القومي العروبي الإسلامي في قضية فلسطين وغير فلسطين كما سنرى، وإنني لأجد روح الشهيد المناضل عبد الرحمن الكواكبي في نظراته الفلسفية التي يكتنز بها كتابه الشهير “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” تتجلى بصورة جديدة يقدمها الزبيري نظما في قوله:
نخشى سيوف الظلم وهي كليلة
ونقدس الأصنام وهي حطام
وتذل أمتنا لفرد واحد
لا تستقاد لمثله الأنعام
نبني له عرشا يسود فيبتني
سجنا نهان بظله ونضام
طعناته قدسية نزلت بها
البركات والآيات والأحكام
البعد القومي في شعر الزبيري:
يقولون الأديب أو الشاعر مرآة مجتمعه على حروفه تنعكس أصداء همومه المجتمعية، وهو ما نجده واضحا في شعر الزبيري وهو يعيش هم القضايا العربية إلى جانب همومه الوطنية المحلية؛ حيث كان الزبيري عروبيا من طراز فريد غير ذلكم العروبيين الذين لم يروا في العروبة إلا عروقها النحيلة فقط وتناسوا بقية مكوناتها، بل لقد رأوا فيما عدا ذلك عدوا لها، وهو وهم أو توهم أثبتت الأيام صدق ذلك، كان الزبيري لا يرى أن ثمة تباينا بين العروبة والإسلام، أو بين العروبة بمجموعها الكلي والوطنية بمفرداتها المحلية، كان ذلك عن شعور صادق نلمحه في كثير من أساليبه الفنية وتركيباته اللغوية، حيث يستعمل مثلا كلمة “أمتنا” أو “الشعوب” في معرض الإشارة إلى التضحية والدفاع بدلا من أية لفظة أخرى كما هو الشأن في أول قصيدة قالها عقب خروجه إلى عدن فرارا من بطش الإمام:
ستعلم أمتنا أننا
ركبنا الخطوب حنانا بها
وأيضا في قوله مخاطبا اليراع:
قم يا يراع إلى بلادك نادها
إن كان عندك للشعوب كلام
فإلى جانب القضية الفلسطينية أم القضايا بحق هناك هموم العراق وثورة الرشيد آنذاك التي قال فيها شاعرنا واحدة من أجمل قصائده، ومطلعها:
صيحة الشعب في بلاد الرشيد
أشعليها ناراً وثوري وزيدي
ازحفي كالطوفان يا ثورة الشعب
إلينا ودمدمي كالرعود
وكما خاطب الفرات في العراق فقد خاطب النيل في مصر مؤسيا إياه على ما حل به من الغزاة الطامعين عقب الجلاء عام 1956م، قائلا:
أيها النيل كم رسفت على القيد
وكابدت من غزاة بلاء
ورأيت العدى يعبون عبا
منك والقوم من بنيك ظماء
وحملت الطغاة نيرا على
عنقك والشعب أدمعا ودماء
مناديا في الأخير أبناء الكنانة:
أيها الثائرون في مصر ثوروا
كل يوم وعلمونا الفداء
قد قبستم في الصخر روحا
وفي الثلج سعيرا وفي الغيوم ضياء
حطموا كل صخرة في طريق الشعب
فالشعب لا يطيق التواء
وله قصيدة أخرى هي من روائع ما نظم أسماها: صفقة الأسلحة، إشارة إلى صفقة الأسلحة التي تبنتها مصر مع تشيكسلوفاكيا وقد كان الغرب حينها محتكرا بيع الأسلحة عليه، وكانت كما قال وثبة من وثبات مصر المتحررة وعاملا هاما في تغيير مجرى السياسة في الشرق العربي..
ومن يقرأ رائعته التي نظمها قبل ذلك وتحديدا في العام 1940م في القاهرة أثناء تأسيس اتحاد الطلبة العرب يجد تلك الرؤى المتدفقة بروح الإنسانية أولا وآخرا.
بشراك يا قلمي فهذا منهل صاف
وأنت كما علمتك صادي
هذي العروبة تلتقي فتلقها
بتحية الأحباب في الأعياد
واعرض بنات الشعر في أبرادها
أو فاعفها من سدفة الأبراد
واخلع عليها من سناك أشعة
تنساب في الأرواح والأجساد
أهلا بروحك يا وئام ومرحبا
بك يا عروبة كلنا لك فادي
سنعد أفئدة لحبك ترتضي
مثواك في الأحشاء والأكباد
ويقال إن هذه القصيدة قد ألقيت في حفل كبير بحضرة كبار الأدباء والنقاد والعرب وقد أثنى عليها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين رحمه الله ثناء عاطرا من بين كل القصائد التي سمعها يومذاك.
وله الكثير من القصائد الشعرية الأخرى التي يبرز فيها النفس العروبي الخالص منها قصيدته الشهيرة التي حملت عنوان: “الجامعة العربية” والتي نظمها بعد تأسيس جامعة الدول العربية التي أمل عليها الكثيرون من أبناء الوطن العربي آمالا عظمى في تلك الفترة الحرجة التي كانت تمر بها الأمة العربية، وقد نجحت فيما نجحت فيه، وأخفقت فيما أخفقت، ليس هنا مجال استعراض ذلك..
فلسطين في شعر الزبيري:
ومن بين القضايا العربية وأكثرها حضورا في شعر الزبيري هي القضية الفلسطينية التي عكست الروح الإسلامية والبعد القومي الذي يتميز به الزبيري في اهتماماته السياسية التي لم تكن مقتصرة على اليمن فحسب، بل تعداه إلى مختلف القضايا العربية، وهو اهتمام يحمل فيما يحمل الروح الجمعي والهم الاجتماعي العام لليمنيين لليمنيين في هذه القصيدة التي نحلق معا في فضاءاتها الإبداعية وأبعادها الفنية وهي:
مراجل في أثير الشعر تضطرم
وصيحةٌ في سماء الحق تحتدم
وضجة في صماخ الدهر صاخبة
لها بكل بلادٍ مسمعٌ وفمُ
نزعتها عن شئون ملؤها عبر ٌ
وصغتها عن ضمير ملؤه ألمُ
وللفؤاد أحاسيس إذا نبضت
جاشت بها الأرضُ وانجابت بها الظلم ُ
ما للحقائق أضحت لا تلاحظها
عينٌ ولا يأتلي عن سبقها الوهمُ؟
ما للدماء التي تجري بساحتنا
هانتْ فما قام في إنصافنا حكمُ؟
ما للظلوم الذي اشتدت ضراوته
في ظلمنا نتلقاه فنبتسم؟
نرى مخالبه في جرح أمتنا
تدمى ونسعى إليه اليوم نختصمُ
يا قادة العرب والإسلام قاطبةً
قوموا فقد طال بعد الصبح نومُكمُ
شيدوا لنا في سموات العلا حرما
نطوف حول ثُرياه ونستلمُ
متى يرى الإنجليز ذمتنا
كذمةٍ حقها ترعى وتحترم؟
حتى متى نشتكي منهم ونسألهم
رفع العذاب فما رقوا وما رحموا؟
هم يدركون بأنَّا خاضعون لهم
من ذلنا رغم ما جاروا وما ظلموا
لا نستحق حياةً غير ما وهبوا
ولا ننال حقوقاً دون ما حكموا
لهم علينا قوانينٌ وليس لنا
إلا الرضوخ لما قالوا وما التزموا
يا للضلال وللأوهام إذ هدمتْ
من العقول بناءً ليس ينهدم
أنَّى يُضيع حق دونه أممٌ
أبية دينها الإقدامُ والشمم؟
وكيف نخشى الردى والموت شيمتنا
ونحن قوم على الآجال نزدحم
إذا تناسى الأعادي هول نجدتنا
جئناهم بقلوب ملؤها نقمُ
وللعروبة أهداف مقدسةٌ
تقضي السماء بها واللوح والقلم
ووثبة حرة عُليا تؤيدها
مشيئة الله والأقدار والقسم
وأنفس إن تزدْ همما وإن
تذق ألما ينهض بها الألم
فيا بريطانيا عودي بمخمصةٍ
إن العروبة لا شاء ولا نعم
إن العروبة جسم إن يئن به
عضو تداعت له الأعضاء تنتقم
إن يضطهد بعضُه فالكل مضطهد
أو يهتضم جزؤه فالكل مهتضم
أتخرجون كماة العرب ويحكم
من أرضهم وهم الأبطال والبهم
أتشترونهم أنتم وهم نفرٌ
باعوا نفوسهم لله واعتصموا
كم من دم قد سفكتم من دمائهم
فما استهانوا ولا ذلوا ولا ندموا
وتخطبون على هذا صداقتهم
حتى كأن ليس فيهم عاقل فهم
هل من صداقتكم للعرب أنكم
تمزقون بمحض الغدر عهدهم؟
هل من حفاوتكم بالعرب أنكم
تستعذبون بلا ذنب عذابهم؟
هيهات ضلت عقول تبتغي مقة
منكم وقد جرعتها الموت كفكم
إن الكتاب الذي جدتم به ثمناً
لأرضهم ليس يكفيهم إذا اقتسموا
لم يحسبوه سوى أكفان عزتهم
نسجتموه لهم ظلماً وإن رغموا
إن الدماء التي سالت بمديتكم
لم يشفها منكم القرطاس والقلم
زخارف من خداع الوعد خاوية
ما نال فيها المنى إلا انتدابكم
وكيف نرجو انتصافاً في محاكمة
وقد تمالأ فيها الخصم والحكم؟
أين العدالة يا أعداء مبدئها
منكم إذا كان غمط الحق دأبكم؟
إن الخداع الذي دانت سياستكم
به لأعظم ما تشقى به الأمم
ظلمتم العرب للصهيون ويحكم
أين الدهاء وأين العدل والشيم؟
أضحى اليهود صليبا تعبدونهم
دون الصليب وإن كانوا العبيد همُ
فلا برحتم عبيداً لليهود
ولا زالت سياستكم بالذل تنهدمُ
نظم الشاعر هذه القصيدة ردا على عنت وصلف ما عرف بدول الحلفاء المتمثلة في بريطانيا وفرنسا وأمريكا على ما عرف بدول المحور وهي ألمانيا وإيطاليا واليابان، ومعها تركيا التي كانت تمثل الواجهة الإسلامية حينها وإن كان نجمها قد بدأ بالأفول قبل ذلك، أدى هذا الانتصار إلى وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني مباشرة، وصدور الكتاب الأبيض،1 وقد أذيعت هذه القصيدة من إذاعة برلين وقد بدأت خيوط المؤامرة الكبرى تتضح جلية ضد فلسطين وشعبها المسلم.
في مطلع القصيدة يتجلى البعد النفسي واضحا من خلال ما يمكن أن نسميه بالصورة المأساوية التي جسدها في الطرح، لفتا للانتباه أولا وقد مهد لها بصورة مباشرة من مطلع القصيدة في الشطر الأول بقوله:
“مراجل في أثير الشعر تضطرم” وهو ما يسمى بفن براعة الاستهلال الذي أجاده في أكثر من مطلع، حسبما هو واضح في كثير من قصائده..
وإذا كان قد عرض للصورة كما هي ماثلة بمأساتها على أرض الواقع، فإنه في الجزء الثاني من القصيدة يستنهض الهمم ويستجيش العواطف بالنداء المباشر “يا قادة العرب والإسلام قاطبةً” وفي هذا المقطع بالذات نلاحظ غلبة الجملة الفعلية على التركيب الأسلوبي التي تشي في عمقها البعيد إلى الحيوية والفاعلية والديناميكة في الخطاب المباشر، متنقلا بين أكثر من أسلوب بلاغي، وهو انعكاس نفسي مباشر لما يعتمل في قرارة نفسه من الانفعال الوجداني تجاه القضية التي يتكلم عنها.
أما الجزء الثالث منها فيخاطب فيها مباشرة البريطانيين في أسلوب “المقابلة” لنفس المقطع الأول، بالنداء: “فيا بريطانيا عودي بمخمصةٍ إن العروبة لا شاء ولا نعم” مشيرا في السياق إلى مجد وأصالة هذه الأمة التي تنتهك كرامتها اليوم، ربما تحفيزا وتذكيرا لها باستعادة هذا المجد السليب.
وإلى جانب الزبيري ممن عاشوا هم القضية الفلسطينية روحا نابضة بالحنين والأنين الشاعري أجد شاعرا آخر لا أخاله إلا امتدادا له ومن نفس المدرسة تقريبا تميز عن كثير من أقرانه الذين أهدوا فلسطين قصائد ومقطوعات في حين منحها شاعرنا الأثير مهدي الحيدري ديوانا كاملا، يحمل اسم “ديوان المقاوم.. وحده يموت واقفا” وذلك عقب أحداث ومجازر غزة الشهيرة نهاية العام 2008م ومطلع العام 2009م ومنها هذه المقطوعة البديعة التي تستحق الوقوف عندها:
ما ذا أقول ونار غزة في دمي
ودمي اشتعال قذيفة لا تبرد
من أين ينبلج الهديل وحوله
هذا الدخان الأسود المتربد
وبه تهتك طفلة رفحية
في وجه مليار رأوا فتنهدوا
وبه وميسون الخطيب به مدى
يغلي فيغلي من به أو يجمد
وبه الجوار على الجدار معلق
وبه الجدار على الجوار مقعد
وبه الضمائر كلها مجرورة
بجوازم من فعلها تتفصد
وبه عيون لو تجمع غيضها
لتفجر الذاوي بها والمنقد
ماذا سنكتب سيدي لصغيرنا
الآتي على متن الغيوم يغرد
ما ذا نقول وهل سيقبل عذرنا
التاريخ أم وجه الحقيقة أسود؟
1 الكتاب أبيض لسنة 1939 ويعرف أيضاً بكتاب مكدونالد الأبيض الذي سمي على اسم مالكوم ماكدونالد وزير المستعمرات البريطاني، والذي تم إصدار الكتاب تحت سلطته وسلطة الحكومة البريطانية، تم في هذا الكتاب التخلي عن فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما يهودية والأخرى فلسطينية، لصالح تأسيس دولة فلسطينية مستقلة تكون محكومة من قبل العرب الفلسطينيين واليهود بناء على نسبة كل منهما لإجمالي سكان فلسطين في سنة 1949. كما تم تحديد عدد اليهود المسموح لهم بالهجرة إلى فلسطين في السنوات الخمس اللاحقة لصدور الكتاب ب 75000 ألفاً (1940-1944) بحيث يتم قبول هجرة 10000 يهودي سنوياً ويتم زيادة هذا العدد ليصل إلى 25000 سنوياً. وبعد سنة 1944، تصبح هجرة اليهود مقرونة بموافقة الأغلبية العربية الموجودة في فلسطين. كما كان هذا الكتاب يحوي على قيود على حقوق اليهود في شراء الأراضي من العرب.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.