لا شك أن اليمن تمر بمرحلة فاصلة في تاريخها الحديث, وهذه المرحلة التحولية والتغييرية كانت نتاج ثورة شبابية شعبية سلمية ضحّى خلالها خيرة أبناء اليمن بأنفسهم شهداء في سبيل التغيير والحرية والخروج باليمن إلى رحابات واسعة من الحرية والعدالة والنهوض الحضاري المنشود ونزع واقتلاع الحكم الفردي والعصبوي الذي انتهجه النظام السابق المتحكّم بمصادر وعوامل الثروة والقوة طوال فترة حكمه الممتدة خلال ثلاثة وثلاثين عاماً التي نتج عنها تدمير شامل وممنهج لموارد البلد والعبث بمقدّراته الاقتصادية والاجتماعية...وأوجد حالة من الفوضى واللا إستقرار وانسداد الأفق والقطيعة مع كل ما له علاقة بحركة الحياة والحرية والتقدم، وأخضع الشعب للهيمنة والإذلال ورهن أمنه ومستقبله لمشاريع استبدادية مغرقة في التخلف لا علاقة لها بالنهضة والتنمية والديمقراطية ومتغيرات العصر, متخذاً من الفقر والجوع أداةً لإدارة الاقتصاد، ومن المتاجرة بالإرهاب كوسيلة لابتزاز العالم، ومن القمع والقتل أداة لإشعال الحرائق ونشر ثقافة الكراهية بين أفراد المجتمع بكل مكوناتهم ليبقى هو. ونعلم جميعاً أن البشر بطبيعة خلقهم يختلفون من حيث الرؤى والمشارب ومن حيث الأهواء والأمزجة ومن حيث الطباع والأخلاق ومن حيث الرغبات والميول ومن حيث البئية والتربية, لذا فمن الطبيعي أن تختلف آراؤهم في قضية معينة أو موضوع محدد من شخص إلى آخر, ومن حزب إلى حزب مغاير له, ومن جماعة أو فئة إلى جماعة أو فئة أخرى. ويبقى أن هناك أموراً لابد أن يجتمع عليها كل الناس عندما تتعلق بالإطار الجامع لهذة المكونات والأطياف والاتجاهات ألا وهو الوطن الحبيب “اليمن السعيد” وحينها يغلّب الجميع مصلحة هذا الحاضن وهذا الإطار العام على الأطر الضيقة سواء المذهبية أومالحزبية أو المناطقية أو غيرها. ولا شك أن الحوار هو أداة حضارية وقيمة إنسانية ووسيلة سلمية للوصول إلى الغاية المنشودة من طرح الروى والأهداف, والحوار هو جسر التواصل بين الناس للخروج بحلول يرضاها الكل وتستوعب طموحات وآمال ورغبات جميع المتحاورين؛ بل إن مؤتمر الحوار القادم هو خارطة طريق تضمن للبلاد الولوج إلى مرحلة من الاستقرار وبناء الدولة المدنية الحديثة، وبغير الحوار فإننا نسلك سبيل الشطط والشيطان ونسلك طريق السفه والضلالة, طريق العنف واللا مسؤولية, وما أعظم ثورتنا الشبابية الشعبية السلمية فهي أنموذج حضاري يقتدي به في التغيير الحضاري المنشود في بقية الدول, وهي أنموذج مثالي وقيمي وأخلاقي للوصول إلى تحقيق الأهداف بالحوار والسلم واتخاذ كافة تدابير سنن التغيير البشري بطرق وأساليب حضارية حديثة. متطلبات الحوار الوطني لا شك ولا ريب أن الحوار الوطني الشامل هو البوابة والقنطرة والجسر الناقل لليمن من اليمن التعيس الذي عشناه خلال فترة حكم العصابة من النظام السابق إلى اليمن السعيد حقيقة وفعلاً وواقعاً ملموساً. وشباب الثورة هم من أشعل الثورة وأجبر النظام السابق على التغيير السلمي, وعمل ما لم تعمله الأحزاب في عشرات السنين, وما هو حاصل في اليمن من تغيير يعود بعد الله عزّ وجل إلى هذه الشريحة الشبابية والفئة الفتية والثلة التغييرية التي خرجت إلى الساحات ولمدة عام وثلاثة أشهر ولاتزال فيها حتى تستكمل بقية أهدافها التي خرجت من أجلها. ولا يعقل أن يقدم الناس إلى مشروع استراتيجي كهذا, وهو بناء الدولة المدنية الحديثة من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل إلا بعد أن تتهيأ الظروف, وتتحقق بعض مطالبنا نحن شباب الثورة وأهمها: مطالب شباب الثورة العاجلة قبل الخوض في أي حوار يناقش مستقبل اليمن, وهذه المطالب هي: 1 - تنحية جميع أقارب علي صالح من المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية وبما يفضي إلى تحريرها من السيطرة العائلية. 2 - محاكمة ومحاسبة جميع المشاركين والمحرضين على القتل والاختطاف والاعتداء على شباب الثورة وأسرهم. 3 - إطلاق المعتقلين والمخفيين من شباب الثورة وعلى ذمةِ الحراك الجنوبي وأحداث صعدة وجميع سجناء الرأي من عسكريين ومدنيين. 4 - إنشاء هيئة وطنية مستقلة لرعاية أسر الشهداء وتعويضهم تعويضاً عادلاً يتناسب مع تضحياتهم الكبيرة, ومنح منزل لأسرة كل شهيد. 5 - التكفل بعلاج جرحى الثورة واستكمال علاج من يتطلب علاجهم داخل اليمن أو خارجها وتعويض الجرحى تعويضاً عادلاً. 6 - ايقاف كافة الملاحقات بحق الثوار ومؤيدي الثورة, وإعادة الاعتبار إليهم, وتعويضهم عما لحق بهم من ضرر. 7 - حل مجلسي النواب والشورى فور عقد أول اجتماع لمؤتمر الحوار الوطني. 8- إعادة المبعدين من وظائفهم على ذمة التحاقهم وتأييدهم للثورة وصرف مستحقاتهم بأثر رجعي. 9- إلغاء جميع التعيينات والتنقلات المخالفة لمعايير شغل الوظيفة العامة التي قام المخلوع علي صالح بها منذ بداية الثورة. 10 - إعادة أسعار المشتقات النفطية إلى الوضع السابق قبل رفعها. 11 - إزالة الحواجز والمتاريس المستحدثة في الطرق الرئيسة داخل المدن وبين المحافظات. 12 - عودة وحدات القوات المسلحة إلى ثكناتها وإخلاء العاصمة والمدن من المعسكرات والمسلحين, وإنهاء عسكرة المدن. 13 - فرض هيبة الدولة وبسط سلطتها على جميع المحافظات والقضاء على الانفلات الأمني لتطبيع الحياة ورعاية مصالح المواطنين. 14 - تحديد آلية واضحة للاستجابة لثورة المؤسسات وفقاً لمعايير وأسس مهنية. 15 - تجميد الأرصدة والأموال التي نهبتها العائلة والفاسدين وإعادتها إلى الخزينة العامة. 16 - تكريم كل من انضم وأيّد الثورة من عسكريين وشخصيات اجتماعية, وعدم معاقبتهم أو مساواتهم بمن قامت الثورة للمطالبة بتغييرهم من القتلة والفاسدين. 17 - حل جهازي الأمن القومي والسياسي, وإنشاء جهاز أمن وطني موحّد يتبع وزارة الداخلية مباشرة. 18 - محاكمة ومحاسبة كل من سلّم المدن والمعسكرات والأسلحة إلى الجماعات الإرهابية المسلحة أو شارك في دعمها باعتبار ذلك تهديداً للأمن والسلم المحلي والعالمي. 19 - إعادة كل ما نُهب من مؤسسات الدولة ومعاقبة كل من تورط بعمليات النهب. 20 - تعويض كل المتضريين أثناء الثورة وفق آلية واضحة ومحددة. وبعد أن يتم تحقيق هذه المطالب على أرض الواقع فإن من رؤانا التي يجب أن تطرح في الحوار الوطني الشامل. الحوار الوطني الطريق لبناء الدولة المدنية الحديثة 1 - شكل الدولة ونظام الحكم: لابد أن يكون الهدف الأكبر والرئيس لهذا المؤتمر هو بناء الدولة المدنية الحديثة على أسس سليمة من خلال الخروج برؤى في كيفية نظام الحكم في اليمن, وما هو الأنسب لليمن, هل النظام الرئاسي أم النظام البرماني, ومن وجهة نظري أعتقد أننا اليمنيون قد لُدغنا من جحر النظام الرئاسي؛ لأنه قائم على الفردية والدكتاتورية وإدارة البلد من خلال هدف البقاء على رأس الهرم إلى الأبد وتسخير كل مكونات وثروات البلد من أجل هذا.. لذا فأعتقد أن نظام الحكم البرلماني سيكون هو الأجدى لليمنيين في هذه الظروف وفي هذه الحقبة التاريخية. 2 - الرؤية الاستراتيجية لليمن: أعتقد أنه من اللازم علينا كيمنيين أن نفكر بالرؤية الاستراتيجية لليمن لما بعد عشرين إلى ثلاثين عاماً من الآن, ونضع في نتائج وقرارات مؤتمر الحوار الوطني هذه الرؤية المستقبلية, ومعلوم أن الرؤية تعني النقطة النهائية أو النتيجة النهائية التي تريد أن تصل إليها بعد هذه السنوات مثال عندما نقول إن رؤيتنا بعد عشرين عاماً أن تكون اليمن الرائدة في المجال الصناعي في المنطقة, أو تكون الرائدة في المجال التكنولوجي, أو تكون الرائدة في المجال الزراعي, أو تكون الرائدة في مجال العسكري, أو المجال البوليسي. من خلال وضوح الرؤية سيتم وضع الدستور على أن يرتكز على هذه الرؤية, وتوضع مادة رئيسة في الباب الأول على وضوح الرؤية بعد مادة “الإسلام مصدر جميع التشريعات” كما في المادة الثالثة من الدستور نستطيع بعد أن تحدد الرؤية أن نبني نظام حكمنا وأدواته ووسائله وقوانينه وأسسه بعد وضوح الرؤية. وأعتقد أن على جميع الأطياف السياسية والمكونات المجتمعية المختلفة من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنخب والمفكرين وقادة الرأي أن يجعلوا كل همهم هو كيفية تحقيق هذة الرؤية التي سيتفق عليها الجميع على أرض الواقع, وتكون برامجها وأنشطتها ووسائلها بما يخدم ويحقّق ويوصل إلى الغاية النهائية والرؤية الواضحة لليمن بعد عشرين عاماً, وهكذا كل هياكل الدولة الرسمية وغير الرسمية, بهذا نضمن السير نحو بناء اليمن السعيد. ووضوح الرؤية وتحديدها سهل الوصول إليه من خلال تحليل واقعك ومعرفة جوانب قوتك وجوانب ضعفك, ثم أين الفرص وأين التحديات, وبعد ذلك تنتقل إلى وضع الخطط الاستراتيجية والتفصيلية ويقوم كل جهاز في الدولة بأخذ ما هو عليه. 3 - التعديلات الدستورية: كما نعرف جميعاً أن اليمن كانت ومازالت تملك دستوراً من أفضل الدساتير في المنطقة العربية, وهناك تشريعات وقوانين صدرت من البرلمان اليمني في كثير من المجالات؛ إلا أن الرئيس المخلوع قزّم اليمن في شخصه, واختصر الدستور والقانون بمخالفاته الشخصية لكل القوانين بمقولته المشهورة عندما خالف القانون في موقف من المواقف المعروفة؛ فقال: “أنا القانون”. وفي هذا الجانب فإن علينا في مؤتمر الحوار الوطني أن نضع المبادىء الرئيسة للتعديلات الدستورية وأهمها كما أعتقد حضور فاعل للشباب في مختلف مراحل الصياغة وفي مختلف اللجان ذات العلاقة، بدءاً بتشكيل لجنة من فقهاء القانون الدستوري بمشاركة من السياسيين والشباب لإعداد مسودة دستور جديد يستوعب مخرجات وأهداف الساحات المطالبة بدولة مدنية ديمقراطية حديثة تقوم على مبدأ الشراكة الاجتماعية والسياسية الواسعة وبحيث يرتكز على: الأخذ بالنظام البرلماني باعتباره شرطاً ملائماً للتداول السلمي للسلطة ومنع احتكارها وتوريثها. الأخذ بنظام القائمة النسبية باعتباره النظام الذي يوفر شروط عدالة التمثيل لمختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية والاجتماعية تمثيلاً عادلاً. 4 - المشكلة الاقتصادية والأمنية: من أهم مشكلات اليمن الآنية واللحظية مشكلة الفقر والبطالة وضعف الاستثمارت وعدم جباية موارد الدولة بشكل صحيح, وعندما تصبح قوياً اقتصادياً فإنك تصبح رقماً صعباً في القوة السياسية على مستوى المنطقة وبالتالي تكون لك قراراتك المستقبلية في شؤونك, بل شؤون الغير أيضاً ممن لك علاقة بهم محورية, وفي هذا الصدد ينبغي التركيز على الآتي: رؤية اقتصادية واضحة ووضع استراتيجية وطنية لتنمية مستدامة ومتوازنة وشاملة تهدف إلى تنمية الموارد الاقتصادية وجبايتها إلى الخزينة العامة بطرق علمية مدروسة وتوسيع مصادر الدخل القومي. التوزيع العادل للثروة، ووضع الحلول الواضحة والمخططة للقضاء على البطالة والفقر، ومحاربة الفساد وفق خطة مجدولة ولو طويلة الأمد. العمل على تحقيق استقرار سعري مناسب خاصة للسلع الأساسية, وتحقيق وضع معيشي يتناسب مع مقدّرات البلد وثرواته وإمكاناته. إلغاء الاتفاقيات المجحفة بحق الشعب في مجال النفط والغاز والمعادن والمجالات الاقتصادية الأخرى. إعادة تأهيل الثروة العظمى لليمن التي لا تنضب (الشباب) وفق خطط تنسجم مع طموحات الاستثمار والتنمية. بالإضافة إلى المشكلة الأمنية التي لا تخفى على أحد, فبسط الدولة هيبتها في كل أرض اليمن, ومحاسبة ومحاكمة من يمولون ويدعمون الفوضى في اليمن من أهم القضايا الملحة. 5 - القضايا الحقوقية: وتشمل تضمين حقوق الإنسان بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية في التشريعات والقوانين، وإصلاح القضاء وحرية التعبير وإلغاء القيود على الصحافة والإعلام والإصلاحات الإدارية والمالية، ومكافحة الفساد، وترسيخ مبدأ المساواة أمام القانون بين جميع المواطنين دونما تمييز، والتزام الدولة بكفالة الحق في الحياة والسلامة الجسدية لكل شخص، واتخاذ التدابير التشريعية والمؤسسية الكفيلة باحترام وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. 6 - المحافظات الجنوبية إن قضية إخواننا في المحافظات الجنوبية من المرتكزات الأساسية التي ينبغي أن يوليها مؤتمر الحوار الوطني أهمية قصوى من حيث إعادة الحقوق إلى أهلها ومحاسبة الناهبين والمجرمين في السلطة ناهبي الأموال والأراضي والممتلكات, وإعادة الحقوق, ورد المظالم إلى أهلها, وتحقيق عدالة شاملة لكل أبناء اليمن بما فيهم أبناء المحافظات الجنوبية, وإعادة المبعدين من أبناء المحافظات الجنوبية إلى وظائفهم سواء العسكريين منهم أم المدنيين, ودعوة معارضة الخارج إلى الحوار الوطني والإفراج عن جميع المعتقلين على ذمة الثورة وعلى ذمة الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية, وإنشاء هيئة وطنية تهتم بشهداء الثورة الشبابية الشعبية السلمية من أبناء المحافظات الجنوبية والمحافظات الأخرى, ومعالجة جرحى الثورة وغيرها من الأمور التي تحقق وحدة اليمن ونهضته. 7 - صعدة والمحافظات المجاورة لها: محافظة صعدة لحقها الأذى الكثير هي والمحافظات المجاورة لها كحجة والجوف وأطراف محافظة عمران من خلال حروب ستة كانت مع الحوثيين, لذا لابد من إعادة تأهيل هذه المناطق في جوانب التنمية المختلفة والمتعددة من خلال بناء ما خلّفته الحروب, ثم عمل برنامج تنموي شامل للمحافظات فكري ثقافي توعوي تدريبي علمي تنموي شامل بحيث تحظى هذه المحافظات برعاية خاصة واهتمام نوعي حتى يصبح الجميع في إطار وطني واحد بعيداً عن المذهبية أو الحزبية أو القبلية أو الثأرات أو غيرها. وأعتقد أنه لابد من تمثيل هذة المحافظات في مؤتمر الحوار بكل مكوناتها السياسية والقبلية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني فيها. * أستاذ جامعي - وناشط حقوقي