الدكتور محمد الشنطي علم من أعلام الفكر والنقد والثقافة والأدب العربي التقته الجمهورية اثناء مشاركته في فعاليات حاتم الطائي مؤخراً والتي أقامها النادي الأدبي بحائل بالمملكة العربية السعودية واجرت معه هذا اللقاء الذي يسلط فيه الضوء حول عدد من القضايا الفكرية ورؤيته لما احدثه الربيع العربي ودور المثقف في ثورات الربيع العربي فإلى نص الحوار : سؤالنا الأول عن علاقة المثقف العربي بالسلطة.. وهل توجد فرصة واسعة للمثقفين العرب للقيام بدور ما، بعيداً عن هيمنة التوجه الرسمي؟ ولماذا غاب دور المثقف في ثورات الربيع العربي؟ - نحن نفترض دائماً ان المثقفين هم اصحاب فكر يتعاملون مع الاستراتيجيات ولا يتعاملون مع الجزئيات الآنية التي تذهب وتروح.. ومن هذا المنطلق كنا نتوقع ان تكون الثقافة هي التي تمهد للسياسة وهي التي تمهد للحراك الجماعي.. ومعظم الثورات في العالم كان لها فلاسفتها وكتابها ومثقفيها الذين استطاعوا ان يحركوا الجماهير واستطاعوا ان يقودوا خطاها الى طريق الخلاص، لكن الذي يحدث لدينا منذ حرب الخليج تقريباً في بداية التسعينيات والمثقفون مستقطبون لجهات سياسية حتى اتحاداتهم وروابطهم وجمعياتهم منحازة بطريقة فجة وغير واعية.. فيؤيدوا هذا الزعيم او ذاك ويجنون من وراء ذلك مكاسب.. والدليل على ذلك انهم يتبارون في الذهاب الى بعض المنتديات والملتقيات التي ينظمها الساسة بهدف تجنيد المثقفين.. ولست في وارد ان احدد.. لذلك استطيع القول ان هناك خللا في ثقافتنا القومية وخللاً لدى مثقفينا.. ربما كان لبعض الانظمة التي حولت البلدان العربية الى مزارع محتكرة لأسرها ولمحازبيها ولغيرهم دور في ايجاد هذا الخلل، وبالتالي ادخلوا كثيراً من الرهبة في نفوس المثقفين فجعلوهم يخشون على مصادر رزقهم وهو ما جعلهم يسرعون في انحيازهم الى هؤلاء الفرقاء.. وانا اضرب لذلك مثلين: أمين اسكندر، وغالي شكري ولا اريد ان ادخل في التفاصيل وهما من كبار المثقفين وكبار المفكرين وعرفنا كيف انهما وقعا في فخ الاستقطاب.. ليس هذا فحسب بل لو رجعنا قليلاً الى الوراء لوجدنا انه اثناء حرب الخليج كان الاستقطاب اشد وكان الانحياز للاسف ياخذ بعداً اقليمياً احياناً وعلى غير هدى.. وفي كثير من الاحيان كنا نلحظ ان المثقفين اتباعاً وليسوا قيادات.. حتى اتحاداتهم كانت تشرخ بسبب انتماءاتهم اللحظية.. انا لا استطيع ان اقول انها انتماءات سياسية.. لأن الانتماءات السياسية تأتي عن قناعات.. يعني هكذا ارى الامر.. وارى حتى حراكنا الاجتماعي وما عرف بالربيع العربي الى الآن هو في خطر شديد.. الجماهير تحركت بطريقة عفوية وتم خلط الاوراق وامتطاء موجات معينة وتدخل اصحاب الهوى والمصالح وحاولوا ان يحرفوا الثورات عن مسارها وتدخلت اطراف اخرى كثيرة لكي تحدث نوعاً من الربكة في العقل العربي وفي المزاج، ولذلك نأمل ان يعود المثقفون او كثير من المثقفين الى مهمتهم الاساسية بحيث يكونوا قادة استراتيجيين للفكر وللثقافة وليسوا اتباعاً. لكن ما هو الدور الذي يمكن ان يقوم به المثقف العربي خدمة للقضايا الوطنية وبعيداً عن سياسة الاستقطاب التي اشرتم اليها؟ مسألة معقدة - هذا سؤال مشكلة.. لأننا اعتدنا في خطابنا السياسي وخطابنا التربوي والتعليمي ان نقول: ما دور وكأن المسألة وصفة سحرية تقدم ويسارع الباقون الى تنفيذها ويحل الاشكال.. هذه مسألة بالغة التعقيد.. الدور لا يأتي هكذا.. المثقفون غير محددين.. من هو المثقف؟ هم غير منظمين وغير مستقلين في اغلبيتهم، وبالتالي نحن نقول انه لابد ان يبدأ الاصلاح من الوسط الثقافي وان يعيدوا ترتيب افكارهم وان تسهم هذه الأفكار وان يعودوا الى ضمائرهم بعيداً عن لقمة العيش التي افلح الذين يقدمونها لهم في تهميشهم وفي جعلهم يقعون في الضفة الاخرى بعيداً عن الجماهير وان كانت هذه المسألة تحتاج الى وقت حتى يعود المثقفون الى دورهم الحقيقي وهو قيادة الامة قيادة لا تخشى لومة لائم.. لوعدنا الى سيرة قاهر الملوك العز ابن عبدالسلام في العصر المملوكي لوجدنا انه استطاع ان يقلب الموازين لجرأته وفرض هيبته لانه كان صادقاً ولذلك فقد اجبر السلطان حينها ان يبيع نفسه لكي يكون شرعياً ويحرر لكي يكون قائد البلاد ليس مملوكاً وانما يكون حراً.. وهذه القضية عالجها توفيق الحكيم في مسرحيته المعروفة: «السلطان الحائر» فشهدنا كيف يمكن ان يكون المثقف قوياً حينما يكون عفيفاً.. ايضاً سعيد بن المسيب وغيره من التابعين، وكيف كان يقول: ان الذي يمد رجله لا يمد يده حينما طلبوا منه ان يسحب قدماه قليلاً من اجل ان يمر خليفة المسلمين، فقال لهم: لا.. وطلبوا منه ان يذهب اليه، فقال لهم: لا.. وحينما مر وسلم عليه اجبر الخليفة ان يسلم عليه وان يطاطىء رأسه له، ثم حينما ذهب بعث له بهدية فرفضها وعلق على ذلك قائلاً: «الذي يمد رجله لا يمد يده»، وبالتالي نريد ان يكون هذا النقاء عند المثقفين وليس اولئك المثقفون الذين دبجوا مئات القصائد في الحكام حتى النقاد وقعوا في اسر المال.. حينما بدأوا يناقشون بعض القصص القصيرة والروايات للحكام والكتاب لم يكن ينقصهم سوى ان يكونوا ادباء بعد ان استولوا على كل شيء ارادوا ان يستولوا عليه حتى على الشعراء وهذا معروف جيداً.. بل لقد صنعنا من الحكام ادباء وشعراء وما الى ذلك.. نحن نريد مثقفاً عفيفاً قادراً.. ولدينا نماذج كثيرة من المثقفين في تاريخنا الذين استطاعوا ان يؤثروا لأن ايديهم عفت عما في ايدي الملوك والرؤساء واولياء الامر وقالوا لهم: كلمة الحق وقد ورد في الحديث الشريف: ان من اعظم الجهاد: كلمة حق عند سلطان جائر، وانهم لا ينبغي ان يسكتوا.. نحن نعرف الكثير من الشرفاء المثقفين وهذا يزيدنا املاً انهم يفضلون ان يدخلوا السجن وان يعاقبوا على ان لا يتراجعوا عن مواقفهم وصدوعهم بالحق.. اذاً فقضية الدور تحتاج الى ان نؤسس المشهد الثقافي من جديد وان نعمره وان نعيد بناء المثقف.. والمثقف قادر على بناء نفسه.. وليس المثقف الذي يتبختر في المهرجانات وفي الساحات.. واريد ان استشهد بانني في سنة من السنوات اردت ان اذهب الى احد زملائي الذين قدموا الى مهرجان جرش فذهبت الى الفندق ووجدتني لا استطيع الدخول الى الفندق من الصراخ ومن الدخان الازرق والاسود الذي كان يضبب المكان كله ومن صيحات السكر والعربدة، اضف الى ذلك هذه الأنا المتضخمة التي تصل الى حد التورم والى درجة انهم يعتبرون انفسهم فوق الناس.. ولهذا سقطنا سياسياً وسقطنا ثقافياً ولذلك نحن نريد اعادة تقويم شامل على الاقل لتعيد النخب ترتيب صفوفها وان تتكتل في وجه الثورة المضادة وان تعمل على ان تؤثر في الجماهير من اجل ان تصنع ثورة حقيقية. اما المشهد الآن فهو مشهد مشتت بين الارتجال وبين ان تطأ بعض الحركات والتنظيمات سواءً كانت اسلامية او غير اسلامية.. نحن لسنا ضد الاسلاميين ولسنا ضد ان يقدموا شيئا بل نحن نطلب بان تتاح لهم الفرصة بعد ان فشل القوميون وفشل اليساريون وفشل المثقفين في حقيقة الامر.. لأن كل الانظمة التي قامت على انقاض الاحزاب القومية كانت اكثر د يكتاتورية من الانظمة التي كانت قبلها، ونحن نخشى على الاسلاميين ان يقعوا في هذا الفخ.. ونرجو لهم ان لا يقعوا فيه وان كانت البوادر غير مشجعة كثيراً لكننا نطلب من المثقفين ان يتسموا بكثير من العفة ومن النقاء والشفافية. صناعة العقل ما يطلق عليه اليوم بالعولمة بجانبها الفكري والثقافي والاعلامي.. اين نحن كعرب في خضم هذه التفاعلات؟ - يفترض ان العولمة الثقافية تفيدنا في اتجاهين: الاول هو: ان نستفيد مما عند الامم الاخرى في مجال الثقافة وفي مجال صناعة الفكر وليس في مجال العلوم الانسانية فحسب.. اليوم المعرفة هي التي تصنع العقل وليس العقل هو الذي يصنع المعرفة.. نحن نقول: لابد ان نعيد تبييء ثقافتنا وتبييء عقولنا.. فكل ما كان من تراث انساني يكاد يحال الى متحف التاريخ.. لأن المعرفة الحديثة تخطته وحلت محله.. المعرفة الخائلية التي عملت على ان تجعل الثقافة ديمقراطية وفي متناول الناس العاديين وربما انك اطلعت على المعرفة الخائلية التي من خلالها يستطيع عامة الناس ان يبحروا وان يروا كيف تسري الموجات الكهرومغناطيسية في الاعصاب وماذا يدور في العقل، ولذلك نحن نقول ان تقنية المعلومات تصنع العقل الانساني وتجعله اكثر قدرة على ان يكون جريئاً ومغامراً وتجريبياً، لكن ليس بشكل عشوائي وانما ترسم له الطريق وتحدده، وهذه من نتاج العولمة فنحن نستطيع ان نكتسب هذا في اعادة خلق العقل العربي واعادة بنائه واعادة الثقافة العربية.. اما اذا كنا نخشى على هويتنا فنحن الآن رغم اننا نتشدق صباح ومساء بالهوية العربية الاسلامية الا انها اصبحت شعاراً كبقية الشعارات التي ا فرغت من مضمونها.. ان هويتنا الحقيقية هي اولاً وقبل كل شيء ان ننتمي الى عصرنا ولن نخشى بعد ذلك على هويتنا الاسلامية ولا هويتنا العربية لأن الحكمة ضالة المؤمن كما يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حيث ما وجدها فهو احق بها.. وكثير من الذين يفهمون الاسلام يفهمونه فهماً خاطئاً.. نحن لسنا ضد العولمة.. والعولمة تفرض نفسها علينا ونحن بدون العولمة لا نستطيع ان نعيش في عصرنا، ربما كلمة العولمة ابتذلت فاصبح يخوض فيها من لا يعرف فيها شيئاً ومن لا يفهمها.. فأصبحت مصطلح فضفاض.. من يقول اننا يمكن ان نقف في وجه العولمة.. اذا كانت امطار المعرفة وامطار الثقافة تهطل علينا من السماء ومن الارض من الفضائيات ومن الانترنت فكيف يمكن ان نتجنب العولمة. كيف يمكن التعاطي مع العولمة بعيداً عن اجندة التهميش؟ - ان نستفيد من منجزاتها وان لا نقع في التهميش الذي تعمل عليه.. صحيح هناك اجندة تعمل على تهميشنا وتعمل على تهييف شبابنا وجعلهم يسيرون في اتجاهات مختلفة،و صحيح ان ثورات الربيع العربي كانت تعتمد على الانترنت ولكن ليس استثماراً للانترنت بقدر ما هو مسالة تجمع، قد تكون في بعض الاحيان بدون رؤية واضحة ونحن نطالب بأن تكون لنا رؤية.. فنحن عندمانتجمع لابد ان نسأل انفسنا لماذا نتجمع؟ ولهذا كما رأينا في الثورة المصرية.. حيث احرق متحف بكامله -مجمع علمي- فخسرنا ثروة لا تقدر بمال كل ذلك نتيجة اننا اجتمعنا وخربنا وذهبنا بدون بصيرة.. والبصيرة معرفة والمعرفة معلومات.. لكن المعلومات تضخ الينا بشكل فوضوي لا نستطيع ان نميز بينها.. فالبصيرة معلومات والسياسة بصيرة وبدون معلومات صافية حقيقية نستطيع ان نمحصها وان نعرفها سنقع في كثير من الخلط وربما نحتاج الى عشرات السنين حتى نستفيد منها. هل معنى ذلك أننا بحاجة الى اعادة تشكيل وعي من جديد؟ - نعم.. وهذه ليست مسألة سهلة.. ان وعينا اليوم يتعرض الى التزييف من خلال وقوعنا في حبائل اولئك الذين يزيفون وعينا، ولهذا فقد رأينا ان بعض المثقفين انقلبوا على الثورات وانحازوا الى فرقاء معنيين لأن ليس لديهم بصيرة او قدرة على فرز المعلومات او على استصفاء المعلومات الحقيقية الى حين يمكن ان تشكل بصيرة. كيف تصفون المشهد الثقافي في الاردن؟ - المشهد الثقافي في الاردن كغيره في العالم العربي منقسم على نفسه يضرب فيه داء الشللية والمصلحية ولأن هناك مشروع طرحه وزير الثقافة والاعلام الدكتور صلاح جرار وهو استاذ جامعي اراد من خلاله ان يعقد مؤتمراً للثقافة الوطنية لكن حينما بدأ يحضر لهذا المؤتمر وقعنا في خلل الشللية، دعى اشخاص بطريقة اصطفائية لا تقوم على قاعدة حقيقية وقد كتبنا عن هذا او تحدثنا عنه.. ووقعنا في ان الذين يقررون مصير الثقافة هم مجموعة من المقربين.. مجموعة من الذين يحتلون مواقع وتوجد لهم اقدام فيقومون بتقييم الكتب.. على سبيل المثال قد نجد استاذاً مساعداً في لجنة التأليف والنشر يقيم كتاب استاذ والسبب هو ان هناك مجموعة من المصالح.. نرجوا ان تنتهي هذه الشللية ونرجو الا تكون ثمرات هذا المؤتمر مثل هذه الامور لأننا بهذه الطريقة نزيف الوعي. قطيعة فكرية كيف تنظرون الى حاضر الفكر القومي العربي.. وهل صحيح ما يقال ان هناك شبه قطيعة بين المثقفين في الوطن العربي؟ - دعنا نقول انه ليست هناك قطيعة بالمفهوم اللفظي بدليل ان المؤتمرات والملتقيات كالمطر في مختلف انحاء العالم العربي.. من المغرب نتلقى دعوات يومياً لحضور مؤتمرات وفي الاردن تقام عشرات المؤتمرات سنوياً وفي مصر وفي كل مدننا العربية.. ولكن القضية قضية قطيعة فكرية.. وهو ان كل منا يغرد خارج السرب العربي الواحد ويفرضون رؤيتهم بسبب نرجسيتهم القاتلة بعضهم، ولا اقول الجميع.. نحن بحاجة الى ان نفعل اتحاد الكتاب العرب ونفعل المؤسسات الثقافية العربية وان يكون في كل صحيفة مستشارون ثقافيون في الملاحق الثقافية من اساتذة الجامعات ومن المبدعين والفنانين، بحيث يقوموا بنسخ شبكة من العلاقات ويحددون ما يشبه الميثاق وان كان هذا يحتاج الى وقت طويل.. نختلف نعم.. والاختلاف فيه رحمة كما يقولون والاختلاف فيه تنوع وفيه ثراء ولكن لا نصطدم ولا ننحاز الى مصالحنا الخاصة. الحوار يستمر ولكن دون ان نقع في فخ الجدل العقيم بحيث ان كل مثقف يعتصم وراء رؤيته الخاصة ويفرضها على الاخرين.. هذه مسألة تحتاج الى فترة ولكن تحتاج الى النخب المستنيرة لكي تدعوا الى تجمع ثقافي عربي يعيد نبض الحياة الى اتحاد الكتاب العرب والى اتحاد النقاد العرب.. ولهذا انا ادعوا من خلال صحيفتكم ان يكون هذا دأ بكم. ماذا عن دور الإعلام في تفعيل عملية التواصل؟ - دور الاعلام كبير ولذلك لا نستطيع ان نفصل الاعلاميين عن المثقفين.. الاعلاميون هم طليعة المثقفين وهم الذين يستطيعون ان يوطأوا لهم الاكناف وان ييسروا لهم سبل الاتصال ولا اعني الاتصال بمفهومه المادي وانما بمفهومه العقلي، فمثلاً عندما تأتي انت الى هذا المجتمع وتلتقي بالمثقفين وتنقل مثل هذه اللقاءات وتتلاقح الافكار انت تقوم بدور عظيم. أهمية الاستفادة تكرر دائماً المرجعيات السياسية في العالم العربي ان الاصلاح يبدأ من الداخل وبمراعاة خصوصية وظروف كل بلد.. ولكن هناك دول عربية لها رأي آخر او مغاير.. كيف يمكن التعامل مع هذا الطرح سيما ان هناك ضغط امريكي لا يتيح المجال لأية دولة عربية ان تقول رأيها بصراحه؟ - كلمات الحق احياناً ولا اقول دائماً يراد بها باطل، التغيير من الداخل مطلوب.. ولكن هل نستطيع ان ننقطع في وقت اصبح العالم كله فيه قرية واحدة.. فكيف يمكن ان ندعوا الى ان نتقوقع داخل انفسنا ونقول اننا نريد ان نصلح انفسنا بانفسنا.. لماذا نعمي اعيننا عما يدور في الخارج، ولا نستفيد من دروسه وهي دروس كثيرة، صحيح لها خصوصياتها ولكن هذه الخصوصية يوجد فيها عموميات تنطبق على كل العالم العربي والخصوصية ضئيلة وليست بالحجم الذي يتحدثون عنه.. نحن لا نريد تغيير انظمة الحكم من حيث الشكل والاجراء ولكن نريد تغيير الفلسفات.. نريد تغيير رؤى ونريد ان ينسجم ذلك كله مع منطق العصر.. انا افترض الآتي: ان تكون لدينا حكومات تتبع منهجاً علمياً في التعامل مع الاشياء، وان تكون كل وزارة لديها هيئة استشارية تقوم بدراسة المجال.. لنفترض في مجال الطاقة.. بلد كألمانيا استطاعت ان توفر اكثر 25٪ من الطاقة المتجددة، ونحن نعاني عناء شديدا جداً من غلاء النفط وغلاء الطاقة وما الى ذلك.. ونحن اغنى منهم بالطاقات المتجددة.. الطاقة الشمسية في العالم العربي طاقة كبيرة.. وحينما تقوم وزارة الطاقة بجمع المستشارين وجمع خبراء من العالم العربي وتعطيهم المجال لأن يدرسوه ويخططوه وايضاً يضعوا برنامجاً تنفيذياً ويتابعوا هذا البرنامج التنفيذي دون ان تكون الولاءات السياسية هي الاساس في تشكيل هذه الخبرات ونحن لدينا تجارب كبيرة. على سبيل المثال أحد وزرائنا في الاردن اقترح استخدام الجفت الذي يتبقى بعد عصر الزيتون.. وهذا سيوفر على الدولة 100 مليون دينار.. لكن قبل ان ينفذ هذا المشروع تغيرت الحكومة فذهب جهده ادراج الرياح.. لا يوجد استقرار ولا توجد برامج سياسية طويلة المدى ولا توجد برامج تخطيط اقتصادية.. لماذا لا نستفيد من برامج الامم حولنا وننظر الى تجربة تركيا القريبة منا وننظر الى التجربة اليابانية وننظر الى تجربة التنينات الاربعة في آسيا ونمور آسيا الستة او السبعة.. لقد كانت مصر اوشكت في عهد الجنزوري الذي هو رئيس حكومة الآن في ذلك الوقت على تحقيق انجاز وقد كان زملائي المصريين يقولون لي نريد ان نعود الى مصر ولم نعد بحاجة الى ان نبقى في بلاد الخليج لأن اوضاعنا تحسنت كثيراً لكن لسبب ما انهار كل شيء وطرد الجنزوري واصبح محارباً لانه جزء من تركيبة عجيبة وغربية وضاع كل شيء.. حينما ارى ان دولة كاسرائيل تضع استراتيجية لها وتختار بين نمطين من نمط التعليم الجامعي- النمط الالماني الذي يقوم على النخب، وبالتالي نمت مجموعة تزيد نسبة العلماء خمسة وثمانين الى كل عشرة آلاف بينما في امريكا خمسة وخمسين الى كل عشرة آلاف فاستطاعت من خلال سياسة تعليمية واضحة منذ ان انشئت ان تحقق نجاحات كبيرة، كان فيه اقتراح لبنجكس احد غلاة الصهاينة حول شعبوية التعليم الجامعي فوقف بن غوريون في وجهه واختار النموذج الالماني والآن لدى اسرائيل علماء يوفرون مبالغ هائلة للدولة بل واصبحت منجزات الاوروبيين تحت تصرف العلماء الاسرائيليين.. نحن نعيش في العسل كما يقولون. احد علماؤنا الكبار في مصر الذي حاز على جائزة نوبل وكانوا يقولون انه سيترشح للرئاسة استضافه الكنيست الاسرائيلي واستثمر الكاميرا الصغيرة او العدسة التي تكبر مئات المرات واستفادت منه واستضافه الكونغرس الامريكي واستفاد منه ووضع لهم برامج.. فأين تخطيطنا نحن نفترض ان كل وزارة لها خطة بعيدة المدى ولها خبراء يدرسون وينقبون عن كل ما يمكن استغلاله في بلادنا العربية وليس الهدر الذي نراه الآن دون اي طائل ودون ان يكون لنا رؤية استراتيجية كاملة تخطط لنا.. توجد لدينا بدائل كثيرة للطاقة ليست الطاقة فحسب ولكن هناك المياه.. لدينا شاب اردني يقول انني استطعت ان اخترع جهازاً اجعل نصف او فنجان بالماء يكفي لعشر دقائق من الاستحمام بوصفه الازود بدون صابون وبدون تسخين وان هذا هو اخطر من القنبلة الذرية كما يقول حينما ذهب الى احد الوزراء لعرض اختراعه عليه طلب منه ان يعود اليه بعد شهر فلقيه قد توكل على الله وجاء بعده وزيراً جديداً فعرض عليه اختراعه من جديد فقال له الوزير اذهب الى مؤسسة آل البيت واطرحه عليهم وفي هذه المؤسسة قالوا للشاب ما رأيك خذلك مائة وخمسين ديناراً وتمشي، بينما تم استقطابه في الخارج بمئات الملايين من الدولارات هكذا يطفشون الكفاءات.. نحن لدينا هدف في الطاقات لكن في احسن الاحوال توجد سوء ادارة للكفاءات.. لا نريد ان نتهم احداً ولكن نؤكد على وجود سوء ادارة للكفاءات هذا نموذج فقط واذهب الى كل وزارة وسترى كيف يمكن ان تستثمر البلد.. ان كل النماذج اضربها من الاردن لانني اعيش في الاردن، هذه المروج الخضراء بعد هذا الخصب الشديد جداً ونحن نعاني من غلاء اسعار الاعلاف وهم باستطاعتهم ان يتسخدموا آلات وان يعيدوا تكتيل هذه الخضرة كما يفعلون في البرسيم ويستطيعون ان يفعلوا الكثير والكثير.. لكن مشكلتنا في العالم العربي اننا لسنا منظمين.. والبحث العلمي عندنا ميت ولا يقوم على خطط سليمة ولا نبذل للبحث العلمي الا ميزانية محدودة للغاية.. بينما اسرائيل تخصص اربعة في المائة من ميزانيتها للبحث العلمي فضلاً عن مليارات الدولارات التي تأتيها من الخارج بسبب نشاط علماؤهم الذين يوظفون حتى انهم قدموا مائة وخمسين مشروعاً في حرب النجوم.. فاين نحن واين غيرتنا القومية.. هل نبقى اسرى لهذه الشعارات ونقتل انفسنا بها.. ان ما يحدث في عالمنا العربي غريب وعجيب ومثير ومستفز الى درجة كبيرة جداً.. مصر تتراكم عليها الديون وخزينتها بدأت تنفد منها العملة الصعبة ونتيجة الفوضى وعدم وجود أمن ارادت الثورة المضادة ان تثبت بان هذه الثورة فاشلة ولا نجد الثوريين يستطيعون ان يتعاملون مع هذا الوضع بل يذهبون مع عواطفهم.. ويحسبون ان المسائل مجرد هتافات.. لكن املنا كبير في ان يتغير الوضع الى الافضل. محاربة الفساد هل أمام الأردن مجالات أو متسع لتنويع مرتكزات التنمية وشراكاتها مع الغير خاصة اذا علمنا ان احتياج الأردن للنفط يتضاعف ويضع أمامه أعباء اضافية؟ - نحن لدينا في الاردن الحجر الزيتي.. وهذا الحجريستخرج منه i النفط بكميات تجارية كبيرة وساضرب لك مثالاً قبل اشهر قليلة اقيمت اول محطة في المنطقة لتزويد السيارات بالطاقة الشمسية.. ولكن ظل هذا المشروع فردياً ولم يهتم به احد.. فتركوه اصحابه وهجروه ومشوا.. هناك امكانات ضخمة في الاردن وطاقتها البشرية هائلة فعلاً.. لكننا نحن مشغولين منذ عام او اكثر بحراكات شعبية اصبحت روتينية ترفع شعارات كل جمعة ثم يسحبون انفسهم ويروحوا دون ان يفعلوا شيئاً. أنا كنت أطلب حتى من الحركة الاسلامية واقول: قدموا برامجكم للحكومة لا يكفي أن نقول: نريد أن نحارب الفساد.. تركيا سبب نجاحها انها حاربت الفساد وفق خطة منظمة والدولة اليوم في الاردن تضع خطط لمحاربة الفساد ولكن لأنني لست قريباً من دوائر صنع القرار لا اعرف مدى فاعلية هذه الخطط وان كنت متأكداً تماماً ان في الاردن طاقات رهيبة لكن هناك من يحاول ان يبدد طاقات الاردن بهد ف اشغال الاردن بنفسه وان يجعله يعيش على صفيح ساخن وبهد ف اثارة نعرات عنصرية ليس لها قيمة وليس لها وجود وبالتالي تعرقل حركتنا وهناك تجمعات مشبوهة تحاول ان تثير هذه النعرات وتوقع البلد في فتنة لها اول وليس لها تالي.. الاردن غني وكل الدول العربية غنية ويستطيع كل بلد عربي ان يكتفي بالتعاون مع البلدان الاخرى ذاتياً نحن نستورد الزيتون الاسباني والاردن مليئ بالزيتون وكذلك الزيت الاسباني والاردن مليئ بالزيت ويظل في صفائح لا يباع حتى يفسد لانه لا يوجد من يسوقه فالعالم العربي ينبغي ان يستورد وان يصدر.. لماذا لا نأخذ التمر من السعودية ومن عدد من البلدان العربية بدل ما نستورده من بلدان اخرى بعيدة ومغلفة ..البلدان العربية اقتصادية بالدرجة الاولى. صمام امان ما الذي يحول دون تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وما الذي يخيف من هذا التكامل لو تحقق؟ - انا لا أرى داعياً للخوف من التكامل الاقتصادي العربي بل لا ارى ما يخيف وانما بالعكس التكامل الاقتصادي هو صمام امان ولكن اختلاف الحكومات العربية واختلاف مصالحهم احياناً وعدم امتلاكهم للقرار يمنعون من كذا وكذا وليس بالضرورة أن يكون منعا مباشراً وانما تكون هناك شبكة معقدة من المصالح والعلاقات كما نرى.. انظر كيف تم التعامل مع الثورة الليبية وفقاً لمصالح الدول وكيف يتم التعامل مع الثورة في سورية. ولو كان هناك طبقة مثقفة قادرة أن تفرض رأيها لفعلت ولو كانت الحركة الشعبية موحدة ولها قيادتها الثقافية لما وقعنا في هذه المآزق خاصة ان البلدان العربية ثرية جداً.. لكن مع الاسف اكتفينا بأن نقول: شعب واحد لا شعبين من الماركش للبحرين بينما الدول العربية تتشرذم كما حدث في السودان واليمن مهددة والاردن وغيرها وهو ما يؤكد اننا في حالة دفاع وليس في حالة هجوم كيف يمكن ان يتم فصل جنوب السودان عن شماله ولايحاسب المسؤول؟ ما الذي ادى الى أن تقسم السودان؟ وما الذي ادى الى ان يثور الجنوبيون في اليمن؟ هناك سياسات وادارات غير رشيدة في البلاد العربية ونحن في الاردن نعاني صباحاً ومساءً من مثل هذه الامور وفي غير الاردن فحقيقة مثل هذا الموضوع يحتاج الى وفقة جادة. شريك حضاري التيار الاسلامي في الاردن كيف يتعامل معه الخطاب السياسي الادني.. وهل هذه القضية مرشحة لارتفاع وتيرة سخونتها في ظل الحراك الذي يشهده الاردن؟ - الحراك السياسي في الاردن يتسم بخصوصية معينة فالتيار الاسلامي في الاردن تيار له قاعدته الشعبية العريضة وحجمه كبير ولذلك بعض الحكومات في الاردن تخطب وده والخطاب السياسي الاردني يحاول ان يكون توفيقي بما معنى أن يوفق بين مختلف التيارات ويتعامل مع الحراك في الشارع تعاملاً حضارياً فيه شيء من الرقي وفيه شيء من الحكمة فلا يتعرض الحراك السياسي في الاردن الى أي لون من الوان القمع ولهذا صارت مسيرة الحراك سيراً سلمياً ويسيراً. صحيح ان للاسلاميين ثقلهم في الشارع ولهم دورهم لكنهم يتعاملون مع مختلف التيارات الاخرى ولا يستأثرون بالدور كله ونحن لسنا ضد ان يقوم الاسلاميون في الاردن ولا في غير الاردن بدورهم بوصفهم يشكلون قاعدة جماهيرية عريضة وان يكونوا تحت الرقابة الشعبية مثلهم مثل غيرهم من الاتجاهات والتيارات السياسية وقد اخذ من بعض التيارات على رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة انه يحاول ان يسترضي الاخوان المسلمين ولكن في حقيقة الامر انا اعتبرها لون من الوان الحكمة السياسية لان مثل هذه المراعاة ومثل هذه المرونة في التعامل مع الاسلاميين بوصفهم اصحاب قاعدة كبيرة ليس فيه ما يعيب الحكومة ولا يعيب رئاستها وحتى هم لم يكفوا عن رفع صوتهم وانتقاد وزراء الحكومة وانتقاد رئاسة الحكومة وانتقاد اشياء كثيرة جداً وبالتالي ارى ان الحراك الشعبي في الاردن شريك حضاري لكننا نتمنى ان ننتهي من الحلقة المفرغة التي نعيش فيها وربما كان في الاصلاحات التي تم اعتمادها من قبل عاهل الاردن ووعيه الشديد بمتطلبات المرحلة وثنائه على الشباب ووقوفه الى جانب الحراك الشعبي وبوصفه شاباً وقادراً على ان يستخلص العبر والدروس وقد تعرض للنقد على الرغم من ان هناك اجماع على أن يكون بعيداً عن النقد السياسي وان تتحمل الحكومة مسؤولية تنفيذ برامجها الا انه لم يسلم من النقد ومع ذلك ظل صدره واسعا حتى اولئك الذين حاولوا ان يسيئوا اليه وافرج عمن كان قد سجن منهم بسبب هذه الاساءة.. هذه السياسة الاردنية منذ ايام المرحوم الملك حسين الذي عمل على التسامح مع الخصوم وهي سياسة حكيمة الى حد كبير وارى ايضاً اننا سنشهد عهداً جديداً في الاردن بسبب هذه الحكمة السياسية ونرجو ان يتجاوب اطراف الشارع واصحاب الخطاب السياسي والثقل السياسي وان يحاولوا ترشيد عمل الحكومة دون ان يكون عملهم تدميرياً أو يعمد إلى تقويضها والمرحلة برمتها مرحلة انتقالية وربما كان المستقبل واعداً الى حد كبير. عامل استقرار كيف تابعتم ما جرى في اليمن من احداث افضت الى عملية التغيير في النظام؟ - مشكلتنا فيما يتعلق باليمن اننا لسنا على دراية دقيقة فالمعلومات تضخ الينا عبر القنوات الفضائية وعبر الصحف والخطاب الإعلامي ليس خطاباً موحداً ازاءها ولكننا نفهم ان اليمن فيها ما فيها من حيث الخلل في نظام الحكم السابق ونستطيع القول أن هذا الخلل وهذا الاستئثار وهذا التسلط وهذه السلطة المطلقة وقدرة الرئيس السابق على أن يتحدث بطرق متعددة ومختلفة وقدرته على المراوغة كل هذا ندرك أنه شكل وسيلة من وسائل افساد الخطاب السياسي اليمني وافساد بعض فرقاء الطبقة السياسية ولذلك نجد أن هناك نوعاً من الشك والريبة بين الحراك وبين بقية شرائح الثورة وايضاً اللقاء المشترك ووجدنا أيضاً أن هناك بعض الذين غالوا في الجنوب وطالبوا بالانفصال وهذه مسألة صعبة وان كان هذا ما يحدث الآن في سورية بالنسبة للاكراد وكان ينبغي أن يكون الوعي اكبر من ان يصلوا إلى هذه الدرجة من التفكير وينتظروا حتى تستقر الامور ويتفقوا على نهج معين في التعامل مع الجنوب ونفس الشيء في سورية في التعامل مع الاكراد. الخطاب السياسي خطاب مشوش وانا لم اطلع على برنامج اللقاء المشترك ولا على برنامج الحراك الثوري لكن بالنسبة للوحدة اليمنية هي مكسب للوطن العربي كله وليس لليمن فحسب كما ان بقاءها واستمرارها يشكل عامل أمن واستقرار لمنطقةالجزيرة والخليج. واما قادة المؤتمر الشعبي العام الذي هو حزب الرئيس السابق فقد اكتشفنا واعتقد أن هذا كان هو وراء القبول بالمبادرة الخليجية اكتشفنا ان هناك فريقاً كبيراً تم استقطابه من قبل الرئيس ولهذا اضطروا بشكل أو بآخر إلى أن يقبلوا بالمبادرة ونتأمل إن شاء الله تعالى ان يتم الوفاق وتنتهي الاشكالات وهناك أمل كبير معول عليه في حكمة الرئيس عبدربه منصور هادي لان يعيد ترتيب الاوضاع وان يعيد الثقة في النظام اليمني الذي نتمنى أن يكون نظاماً جديداً مختلفاً تماماً عن النظام السابق. أين نجحت الثورات العربية وأين اخفقت وهل تعدت مرحلة خطر الثورات المضادة؟ - لا استطيع أن اتنبأ بما ستؤول اليه الثورات العربية ولكن اعتقد انها ستحتاج إلى وقت طويل ربما يمتد لسنوات حتى تنجح هذه الثورات سياسياً وعسكرياً ويتم التخلص من الانظمة التي يراد التخلص منها.. ولكننا نقول أننا نحتاج إلى وقت طويل حتى نستطيع بلورة انظمة جديدة ووعي جديد وفي كل الاحوال نحن متفائلين لأن الشعوب بدأت تقول كلمتها.