بقي يوم غد لتنفيذ حملة التحصين الوطنية ضد شلل الأطفال التي تستهدف تطعيم جميع الأطفال دون سن الخامسة في سائر محافظات الجمهورية ، من منزل إلى منزل، في الفترة من(11-13يونيو 2012م) ليس لأن فيروس شلل الأطفال عاود الظهور والانتشار في بلادنا مجدداً، وإنما بصفة احترازية. فمرض شلل الأطفال ليس بالهين، فقد وضع ضمن أولويات وزارة الصحة العامة والسكان ومنظمتي الصحة العالمية واليونيسيف، وتبدو أضرار مرض شلل الأطفال جلية واضحة للعيان بما يلحقه من عجز وإعاقة تظل تلازم المصاب طوال حياته، ويتسبب بضمور وإعاقة عضلات الأطراف العلوية أو الجذع، كما قد يطال عضلات من شأنها إذا أصيبت بالشلل أن تؤدي إلى توقف التنفس ومن ثم وفاة المريض. بهذه التهديدات الخطيرة استحق وضعه على قائمة أمراض الطفولة التي يجب استهدافها بالتحصين، فجاء الإجماع على التصدي لمرض شلل الأطفال الفيروسي خلال اجتماع الجمعية العمومية لمنظمة الصحة العالمية في العام 1988م سعياً لاستئصاله حول العالم وطوي صفحات ماضٍ أليم كبل فيه المرض بالإعاقة الكثير من الأطفال. إذ كان حينها مرض شلل الأطفال يستوطن (125) دولة ومعه يشهد العالم سنوياً نحو (350) ألف حالة إصابة بالشلل. فببشاعة ووحشية ظل هذا المرض يؤرق البشرية لأمدٍ طويل، ولما له من صور وبائية شديدة تتسبب بأوضاع مروعة، فكان للتحصين وحملاته المتعاقبة ضد هذا المرض في البلدان التي تتدنى فيها نسبة التحصين الروتيني.. إذ أثمر في وقاية(8ملايين) إنسان حول العالم من الإصابة بالإعاقة الدائمة وتبعاتها.. واليمن – كغيرها من البلدان النامية – كان من البلدان التي يستوطنها فيروس شلل الأطفال، فشهدت بذلك الكثير من الحملات ضد هذا المرض منذ عام 1996م، وواكبها جهود حثيثة لوزارة الصحة والبرنامج الوطني للتحصين الموسع لرفع نسبة التغطية بالتحصين الروتيني ضد أمراض الطفولة القاتلة والتي من بينها داء شلل الأطفال، ما أوصلها إلى قطف ثمرة الخلو من المرض ومنذ أن أعلنت خالية من سريان فيروسه البري.. لاتزال – بحمد الله وفضله – إلى اليوم محافظة على هذا المنجز الصحي، فلم تشهد البلاد حالات إصابة جديدة بالمرض على الإطلاق منذ فبراير 2006م لتحصد الإشهاد بخلوها منه في عام 2009م وهي بفضل الله ومع تواصل التحصين خالية منه تماماً حتى الآن. أن مرض شلل الأطفال له خصائص مروعة، ففيروسه النشط كاسح عندما ينتشر، لاتوقفه حدود، ولو بقي أطفالاً قلائل دون تحصين حول العالم فلا يهون خطره أو يزول إلا إذا استئصل من العالم تماماً إن لفيروس شلل الأطفال قدرة عجيبة على التأقلم في مختلف الظروف متى وجد بيئة مناسب لاحتضانه وبقائه تؤمن له الانتشار كحال ضعف النظافة الشخصية الجماعية. فالقذارة والعبث بالقاذورات أو بقاياها، تمكن المرض من الانتقال إلى أجساد الأطفال بسهولة عبر الفم، وذلك لأن البراز أو بقاياه الملوثة للأشياء سواءً ظهرت بوضوح أو خفيت على الأعين قد يقع شيء منها في الطعام الذي يتناوله الطفل أو في يده، وبهذه الكيفية أو من خلال وضع الطفل يده الملوثة في فمه – ظروف وجود المرض يسهل على الفيروس المسبب لشلل الأطفال الانتقال إلى الطفل، ومن ثم الدخول في معترك الإصابة والمعاناة، وهو مايجب الحذر منه على الأطفال كي لايقعوا في هذا المنزلق الخطير. فالنظافة خط دفاع مهم للوقاية من داء شلل الأطفال لكنها لاتكفي وحدها لتقي الصغار تماماً من الإصابة، بل يجب أيضاً تحسين حالتهم الغذائية بمدهم بالأغذية الغنية بعناصرها الغذائية المفيدة للنمو السليم ولتحسين وزيادة مناعتهم الجسدية ضد الأمراض، ثم لابد لهم من خطوات أخرى هي الأهم في أولويات ومعطيات الوقاية الكاملة ضد مرض شلل الأطفال ولاغني عنها، ألا وهي حصولهم على جرعات متكررة من اللقاح المضاد للمرض من خلال التحصين الروتيني بالمرفق الصحي ضد أمراض الطفولة القاتلة والتي من بينها داء الشلل، والأطفال دون العام والنصف من العمر – بطبيعة الحال – هم المستهدفون بهذا التطعيم الروتيني. وبالنظر إلى الواقع بجدية من منظور المسئولية وماتعكسه من تجليات ومتطلبات لايمكن إغفالها، فلابد أولاً من تفهم حقيقة الوضع الوبائي في إقليم شرق البحر المتوسط(وهو حيز جغرافي كبير يشمل اليمن وعدداً كبيراً من البلدان بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية) حيث لايزال مستمراً ظهور حالات الإصابة بشلل الأطفال الفيروسي في بعض دول إقليم الشرق المتوسط مثل (باكستان، أفغانستان) وحتى خارج الإقليم بالقارة الأفريقية في بلدان تبعد عن اليمن مثل(نيجيريا، تشاد) وإن بعدت فليس من الممكن اعتبار المسافة الطويلة فاصلاً جغرافياً ليعيق انتشار فيروس شلل الأطفال عن الوصول إلى اليمن أو إلى دول مجاورة ومنها إلى اليمن عبر حركة السفن بين البلدان. إذن من المحتمل جداً أن يكون من بين المسافرين القادمين من تلك البلدان التي ينشط فيها مرض شلل الأطفال الفيروسي، أن يكون من بينهم من يحمل عدوى الفيروس فينقل العدوى إلى البلدان التي توجه إليها بكل يسر دون علمه بذلك.. من أنه يحمل هذه العدوى. بالتالي هذا يضع اليمن الخالية من المرض أمام تحدٍ جديد يفرض استمرارها في رفع وتيرة ومستوى التحصين الروتيني إلى جانب سيرها في تنفيذ حملات التحصين من أجل المحافظة على خلوها من فيروس شلل الأطفال البري، تجنباً لعودة المرض ومنعاً لحدوث فاشية جديدة كتلك التي حدثت أواخر العام 2004م وامتدت إلى العام 2005م وبما يضمن بقاء مناعة جميع الأطفال دون الخامسة من العمر في اليمن قوية صلبة قادرة على التصدي لفيروس الشلل والحؤول دون وقوع الإصابة. وبمسئولية ثابرت وتثابر وزارة الصحة العامة والسكان ممثلة ببرنامج التحصين الموسع وبتعاون الشركاء الداعمين وعلى رأسهم منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف، من أجل الحفاظ على رصيد اليمن لتبقيه خالياً تماماً من هذا الداء الوخيم، فأعطت أولوية لتنفيذ المزيد من الحملات ومنها حملة التحصين التي نحن بصددها في الفترة من(11-13يونيو2012م). فهذا يضع وزارة الصحة وبرنامج التحصين الموسع أمام معترك واسع لتقويض هذا الخطر الداهم، وللعمل بجدية على عدم وقوعه الكارثي بالتعاون مع الشركاء في منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف من خلال رفع وتيرة التحصين، بما يكفل احتواء المشكلة ومنع ظهور المرض مجدداً، ومما يعزز هذه المخاوف تقف العديد من العوامل مثل: 1- ضعف التغطية الروتينية، فلم تحقق نسبة التغطية باللقاحات الروتينية ومنها لقاح شلل الأطفال، التغطية المطلوبة بحيث تتعدى نسبة(90 %). 2 - رفض بعض الأسر تطعيم أطفالها يعزز من مخاوف انتشار المرض بين الأطفال غير المطعمين سلفاً. 3 - الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد خلال العام 2011م لاشك أنها انعكست سلباً على المواطنين، ما أدى إلى نزوح العديد من الأسر بين المحافظات وبالتالي خشية أن تتولد ظروف جديدة للفيروس المسبب للمرض تمكنه من الظهور مجدداً ثم الانتشار، فلابد من تعزيز مناعة الأطفال بالمزيد من جرعات التطعيم ضد شلل الأطفال لزيادة مستوى المناعة لعموم الأطفال دون سن الخامسة. 4 - عدم استقرار الأوضاع الأمنية والصدامات الدامية في بعض المحافظات مثل (صعدة وأبين وحجة) أثر سلباً وبشكلٍ كبير في إيصال خدمة التحصين أو وصول الأهالي إلى مواقع التحصين. 5 - تدهور المستوى المعيشي للكثير من الأسر بدوره أفضى إلى زيادة حالات سوء التغذية عند الأطفال، مما أدى إلى ضعف جهاز المناعة. ولأنها حملة تحصين بلقاح شلل الأطفال الذي يعطي بالفم للأطفال دون سن الخامسة فإن تنفيذها يتطلب عمل الفرق الصحية من منزل إلى منزل إلى جانب تخصيص فرق تحصين بالمواقع الثابتة في المرافق الصحية المقدمة لخدمة التطعيم وأخرى تتخذ مواقع مستحدثة خلال الحملة كالمدارس والمرافق الأخرى المعروفة للناس سواءً كانت حكومية أو غير ذلك أو حتى المساجد أو منازل المشايخ والعقال ، ومن أجل تكاملية العمل والقيام بمهمة تحصين كافة المستهدفين من الأطفال دون سن الخامسة في جميع أنحاء الجمهورية . وهناك أكثر من 205مليون منزل في عموم المحافظات ستزورها فرق التحصين المتجولة في الحملة خلال الفترة من (11-13 يونيو 2012م من أجل تطعيم سائر المستهدفين من الأطفال في هذه الحملة البالغ عددهم إجمالاً (4.589.280) طفلاً دون سن الخامسة . وعدد العاملين الصحيين في هذه الجولة ضمن فرق ثابتة في حدود (2.718) عاملاً ثابتاً وهناك (37.314) عاملاً متنقلاً ، حيث يصل إجمالي القوى العاملة فيها إلى (40.032) عاملاً من الكوادر الصحية والمتطوعين . كذلك يشارك العمل للتوعية بالحملة في الميدان (333) منسقاً للتثقيف الصحي في عموم محافظات الجمهورية أي مثقف صحي لكل مديرية على مستوى الجمهورية و(22)مثقفاً صحياً مركزياً في كل محافظة ويشرف على التحصين (4.820)مشرفاً صحياً و 666مراقباً من المجالس المحلية بالمديريات و22مراقباً من المجالس المحلية على مستوى المحافظات . وهناك إشراف ومتابعة من وزارة الصحة لكافة الإجراءات من البداية للقاحات القادمة من بلد التصنيع بمساندة منظمة اليونيسيف حتى وصول اللقاحات إلى البلاد وتخزينها ضمن مخازن برنامج التحصين مع الإشراف على طريقة حفظها بأمان في كافة المراحل لضمان استمرارية سلسلة التبريد الملائمة حفاظاً عليها من التلف فلا تفقد فاعليتها وتصبح عديمة الفائدة مثل قطرات الماء . ختاماً أوجه نداء لكل أب وأم ولكل أفراد المجتمع عموماً ، أن يجدوا في السعي لتطعيم جميع الأطفال بجرعات التطعيم الروتيني كاملة في مواعيدها خلال مرحلة التحصين الروتيني المُستهدف للأطفال دون العام والنصف من العمر ، وضرورة أن يدركوا أهميته في حماية أطفالنا ومجتمعنا من تفشي الأمراض المعدية . وننشد من الجميع التعاون مع فرق التحصين في جميع المحافظات خلال حملة التحصين الوطنية ضد شلل الأطفال والتي تستمر حتى الأربعاء 13يونيو 2012م وهذا التعاون الذي ننشده من الجميع غايته تمكين فرق التطعيم في القيام بعملها بالشكل المطلوب وتحقيق النجاح لحملة التحصين الوطنية حتى يكون بالإمكان مُحاصرة فيروس شلل الأطفال بمنع ظهوره وانتشاره في بلدنا الحبيب اليمن . المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان