ما من شك أن حياتنا تزخر بالعديد من المناسبات الدينية، والتي أثرت في الأدباء فسجلتها أقلامهم في إبداعهم على مر العصور، وقد احتلت الأعياد الدينية مساحة كبيرة في معظم الأعمال الإبداعية لهؤلاء الأدباء منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا. ونحن نستقبل عيد الأضحى المبارك الذي نتنسم عبيره الفواح من أول بيت وضع للناس ببكة مباركا وهدى للعالمين والعيد في الحقيقة محبة وإخاء وصفاء قلوب وتسامح نفوس ودعاء صادق فهو ينشر المحبة وينزع من النفوس أشجار الحقد ويجتث من القلوب جذور الضغائن والأصل في العيد أن يكون نابضا بالفرح عامرا بالحبور والسرور والبهجة لا تفارق شفاه الناس وحالة العيد كما صورها الشاعر: أتيت يا عيد والأرواح مشرقة فللبلابل الحان وتغريد ومن البدهي أن أحوال الناس في العيد تختلف، فالحياة في الغالب الأعم فيها حزن عند قوم وفرح عند آخرين، فالمبتهجون يحتفلون بعيدهم كما هو مقدر له ببهجة وسرور وحفاوة بينما عيون الحزانى مغرورقة بالدموع، وتمثل الحالة الأخيرة عبدالله بن الحسين حين بشروه بقدوم العيد فقال: قالوا أتى العيد فاستبشر به فرحا فقلت مالي وما للعيد والفرح وكثير ممن يملأ الأسى قلوبهم يوم العيد يحاولون إخفاء أحزانهم خشية تنغيص الفرحة على الآخرين في حين تأبى عبرات آخرين إلا أن تنهمر وقد عايش شعرؤنا هذه التجربة فأبت عواطفهم الا أن نداعب بحور الشعر فهذا المتنبي أحد عمالقة الشعر العربي الكبار يطالعنا بقصيدته الذائعة الصيت : عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيد دونها بيد لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي شيئا تتيمه عين ولا جيد لم تخرج شاعرية المتنبي هذه القصيدة لأنه كان مبعدا عن أهله ووطنه كما هو شائع، وإنما قالها لعدم تحقق مصالحه الشخصية ومآربه التي كان يطمح إليها، وإذا كان ذلك كذلك فما هو الحال إذا كان بعيدا عن أهله ووطنه كما هو حال الكثير من اليمنيين اليوم ونحن نستقبل عيد الأضحى المبارك سواءا البعيد عن وطنه في غربة تلفحه نارها باحثا عن لقمة عيش كريمة، أو من يعيش خلف أسوار القضبان بلا ذنب يعاقبون ويعذبون بلا هوادة، وهذا الشاعرمحمد بن هبة الله يصور حالة من يعيش خلف أسوار القضبان يوم العيد فيقول: وقائل قال يوم العيد لي ورأى تململي ودموع العين تنهمر مالي أراك حزينا باكيا أسفا كأن قلبك فيه النار تستعر فقلت إني بعيد الدار عن وطني ومملق الكف والأحباب قد هجروا وهذا الشاعر عمرو خليفة النامي يتعرض لمحنة السجن والعيش بعيد عن الأهل والأحباب والأبناء ويأتي يوم العيد ولم يجد من البقاء داخل السجن بدافتثور في نفسه الذكريات فيصوغ قصيدة وهو بين قضبان السجون صور فيها ما يعانيه هو وأحبابه من مأساة الظلم والطغيان وأثر ذلك على نفسه ووقعه عليه خصوصا وهو في زنزانة ضيقة تطوف بخاطره وخياله صورة أطفاله وأبنائه وهم ينتظرون مجيئه ليلة العيد فيصور نفسه وكأنه ينظر إلأيهم ودموعهم تنهمر شوقا لمجيئه وهذا ليس حاله فقط فربما يكون انعكاس لكل من يعيش المأساة نفسها . يا ليلة العيد كم أقررت مضطربًا لكن حظي كان الحزن والأرق أكاد أبصرهم والدمع يطفر من أجفانهم ودعاء الحب يختنق يا عيد، يا فرحة الأطفال ما صنعت أطفالنا نحن والأقفال تنغلق ما كنت أحسب أن العيد يطرقنا والقيد في الرسغ والأبواب تصطفق أما العيد في سروره وبهجته والشوق للقائه فهو من أجمل ذكريات الطفولة وكلما تقدم الإنسان في العمر وابتعد به قطار الزمن عن رياض الطفولة البريئة خفت بهجة العيد لديه وربما ذلك لكثرة هموم الجياة وتجدد منغصاتها وهذا الشاعر العراقي مصطفى جمال الدين يرسم أيام صباه الأولى بقصيدة رائعة قال فيها: العيدُ أقبلَ تُسْعِدُ الأطفالَ ما حملتْ يداه لُعَباً وأثواباً وأنغاماً تَضِجُّ بها الشِّفاه وفتاكَ يبحثُ بينَ أسرابِ الطفولةِ عن نِداه. فيعودُ في أهدابه دَمْعٌ ، وفي شفتيه آه