شكلت المناسبات الإسلامية مادة خصبة للشعراء منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وتفاوت إحساسهم به قوة وضعفًا، عبادة وعادة، وأخذ هذا الاهتمام مظاهر عديدة، ومن هذه المناسبات - إن لم يكن من أهمها- مواسم رمضان والحج والعيدين؛ فهي تتكرر كل عام مع اختلاف الظروف والأحداث التي قد تمر بالشاعر خاصة أو تمر بالأمة الإسلامية عامة، وقد تفاعل الشعراء مع الأعياد تفاعلاً قويًا ظهر في أغراض شعرية منوعة منها: 1 - تحري رؤية الهلال والاستبشار بظهوره: من ذلك قول ابن الرومي: ولما انقضى شهر الصيام بفضله تجلَّى هلالُ العيدِ من جانبِ الغربِ كحاجبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه يشيرُ لنا بالرمز للأكْلِ والشُّرْبِ وقول ابن المعتز: أهلاً بفِطْرٍ قد أضاء هلالُه فالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّرِ وانظرْ إليه كزورقٍ من فِضَّةٍ قد أثقلتْهُ حمولةٌ من عَنْبَرِ 2 - حقيقة معنى العيد: وقد يغفل كثير من المسلمين عن المعنى الحقيقي للعيد فيظنونه في لبس الجديد واللهو واللعب فقط، وإن كان ذلك من سمات العيد ولكن هناك أمورًا أخرى ينبه إليها أبو إسحاق الألبيري حول حقيقة معنى العيد؛ فيقول: ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك لا أن تجرَّ به مستكبراً حللك كم من جديد ثيابٍ دينه خلق تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك ومن مرقع الأطمار ذي ورع بكت عليه السما والأرض حين هلك وهو قول ينم عن عمق معرفة بحقيقة العيد، وكونه طاعة لله وليس مدعاة للغرور والتكبر. ويستغل الشاعر محمد الأسمر فرصة العيد ليذكر بالخير والحث على الصدقة فيه تخفيفًا من معاناة الفقراء والمعوزين في يوم العيد؛ فيقول: هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به وبذلك الخير فيه خير ما صنعا أيامه موسم للبر تزرعه وعند ربي يخبي المرء ما زرعا فتعهدوا الناس فيه: من أضر به ريب الزمان ومن كانوا لكم تبعا وبددوا عن ذوي القربى شجونهم دعا الإله لهذا والرسول معا وآسوا البرايا وكونوا في دياجرهم بدراً رآه ظلام الليل فانقشعا وهذا الشاعر الجمبلاطي يستبشر خيراً بقدوم العيد، ويأمل أن يكون فرصة لمساعدة الفقراء والمكروبين حين يقول: طاف البشير بنا مذ أقبل العيد فالبشر مرتقب والبذل محمود يا عيد كل فقير هز راحته شوقاً وكل غني هزه الجود وللشاعر يحيى حسن توفيق قصيدة بعنوان (ليلة العيد) يستبشر في مطلعها بقوله: بشائر العيد تترا غنية الصور وطابع البشر يكسو أوجه البشر وموكب العيد يدنو صاخباً طرباً في عين وامقة أو قلب منتظر ويستمر في وصفه حتى يختمها بقوله: يا ليلة العيد كم في العيد من عبر لمن أراد رشاد العقل والبشر والعيد ما هو إلا تعبير عن السعادة التي تغمر الصائمين بنعمة الله التي أنعمها عليهم باكتمال صيام الشهر الفضيل يقول محمد بن سعد المشعان: والعيد أقبل مزهوًا بطلعته كأنه فارس في حلة رفلا والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا فليهنأ الصائم المنهي تعبده بمقدم العيد إن الصوم قد كملا 3- تهاني الشعراء للملوك بالعيد: ويلاحظ المتتبع لموضوع العيد في الأدب العربي أن المدائح بمناسبة العيد قد شغلت حيزاً كبيراً من أشعار العيد، وأن بعضها يعتبر من غرر الشعر العربي. ومن هذه القصائد رائية البحتري التي يهنىء بها الخليفة العباسي (المتوكل) بصومه وعيده ويصف فيها خروجه للصلاة: بالبر صمت وأنت أفضل صائم وبسنة الله الرضية تفطر فانعم بعيد الفطر عيداً إنه يوم أغر من الزمان مشهر وقال المتنبي مهنئًا سيف الدولة عند انسلاخ شهر رمضان: الصَّوْمُ والفِطْرُ والأعيادُ والعُصُر منيرةٌ بكَ حتى الشمسُ والقمرُ وفي قصيدة أخرى مطلعها: لكلِّ امرىءٍ من دهره ما تعوّدا وعادةُ سيفِ الدولةِ الطَّعْنُ في العِدا ويهنئ سيف الدولة بالعيد فيقول: هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده وعيد لكل من ضحى وعيدا ولازالت الأعياد لبسك بعده تسلم مخروقاً وتعطي مجددا فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى كما كنت فيهم أوحداً كان أوحدا هو الجد حتى تفضل العين أختها وحتى يكون اليوم لليوم سيدا 4 - الشكوى وندب الحال: ولا يخلو العيد في كثير من الأحيان من منغصات قد يتعرض لها الشاعر خاصة في نفسه أو أهله وقد عبر عن ذلك كثير من الشعراء في قصائد خلدها التاريخ، يكاد من يقرؤها يشارك الشاعر معاناته ويلامس صوره وأحاسيسه، ولعل أشهر ما قيل في ذلك دالية المتنبي في وصف حاله بمصر والتي يقول في مطلعها: عيدٌ بأيّةِ حالٍ جِئْتَ يا عيدُ بما مضى أم بأمْرٍ فيكَ تجديدُ أمّا الأحِبة فالبيداءُ دونَهم فليت دونك بيداً دونهم بيدُ وما شكوى المعتمدُ بن عباد بعد زوال ملكه، وحبسه في (أغمات) بخافية على أي متصفح لكتب الأدب العربي؛ حين قال وهو يرى بناته جائعات عاريات حافيات في يوم العيد: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا وكان عيدك باللّذات معمورا وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ فساءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعةً في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا معاشهنّ بعيد العزّ ممتهنٌ يغزلن للناس لا يملكن قطميرا أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَجٌ فعاد فطرك للأكباد تفطيرا ويبث الشاعر العراقي السيد مصطفى جمال الدين شكوى أيام صباه الأولى في قصيدة رائعة قال فيها: العيدُ أقبلَ تُسْعِدُ الأطفالَ ما حملتْ يداه لُعَباً وأثواباً وأنغاماً تَضِجُّ بها الشِّفاه وفتاكَ يبحثُ بينَ أسرابِ الطفولةِ عن (نِداه) فيعودُ في أهدابه دَمْعٌ، وفي شفتيه (آه) 5 - العيد خلف قضبان السجن: ويتعرض بعض الشعراء لمحنة السجن والانقطاع عن الأهل والأحباب والأبناء، ويأتي العيد؛ وهم خلف القضبان، فتثور في نفوسهم الذكريات؛ فهذا الشاعر عمرو خليفة النامي الذي كتب قصيدته (يا ليلة العيد) وهو بين قضبان السجون يصوّر فيها ما يعانيه هو وأحباؤه من مأساة الظلم والطغيان، فما أشد ما يلاقيه الشاعر وهو في زنزانة ضيقة تطوف بخاطره وخياله صورة أطفاله وأبنائه وهم ينتظرونه في ليلة العيد، حتى يصور الشاعر نفسه كأنه يبصر أولاده والدمع ينهمر من أعينهم شوقًا إليه، فكيف تكون فرحة الأطفال بالعيد والآباء يرسفون في السلاسل والقيود؟!: يا ليلة العيد كم أقررت مضطربًا لكن حظي كان الحزن والأرق أكاد أبصرهم والدمع يطفر من أجفانهم ودعاء الحب يختنق يا عيد، يا فرحة الأطفال ما صنعت أطفالنا نحن والأقفال تنغلق ما كنت أحسب أن العيد يطرقنا والقيد في الرسغ والأبواب تصطفق إنها مشاعر جياشة تثور مع عودة العيد على المعتقلين في السجون خصوصًا إذا كان السجن ظلمًا، فتثور الذكريات ويعيش كل منهم ذكرياته مع الأهل والأصدقاء والأطفال، يقول الشيخ إبراهيم عزت في يوم العيد: اليومَ عيد قد عشتُ فيه ألفَ قصةٍ حبيبةِ السِّمات أردِّدُ الأذانَ في البُكور أراقبُ الصغارَ يمرحونَ في الطريقِ كالزُّهور وهذه تحيةُ الصَّباح وهذه ابتسامةُ الصديقِ للصديق الكلُّ عائدٌ بفرحةٍ تطلُّ مشرِقة من الشفاهِ والعيون ودارُنا ستنتظر صغيرتي ستنتظر والشُّرفةُ التي على الطريقِ تسمَعُ الصدور تعزفُ الأشواقَ تعصِرُ الأسى هشامُ لن ينام قد كان نومه على ذراع والده نهادُ لن تذوقَ زادَها لأنها تعوّدتْ أن تبدأَ الطعامَ من يدِ الأسير شريكةُ الأسى بدا جناحُها الكسير تُخَبِّئُ الدُّموعَ عن صغارِها وحينما يلفُّها السُّكون سترتدي الصَّقيع كي تقدّمَ الحياةَ للرضيع أما الأهل في خارج السجن فلم يكن حالهم بأفضل من حال من بداخله حيث يصف الطاهر إبراهيم ذلك حين يقول: يا رب هذا العيد وافى والنفوس بها شجون لبس الصغار جديدهم فيه وهم يستبشرون بجديد أحذية وأثواب لهم يتبخترون ولذيذ حلوى العيد بالأيدي بها يتخاطفون وهناك خلف الباب أطفال لنا يتساءلون: أمي صلاة العيد حانت أين والدنا الحنون؟ إنا توضأنا -كعادتنا - وعند الباب (أمي) واقفون زفرت تئن وقد بدا في وجهها الألم الدفين ورنت إليهم في أسى واغرورقت منها العيون العيد ليس لكم أحبائي فوالدكم سجين