اتفقت مع أحد المجلات المتخصصة على كتابة مجموعة من المقالات في التطوير الإداري والذاتي, و ذكرت لهم وجهة نظري بأني أهدف إلى كتابة المقالات بأسلوب علمي وعملي, لكي يستفيد القارئ ويطبق ما قرأه على نفسه أو في عمله, وليس كلاما إنشائيا حماسيا لا يستفيد منه القارئ “بمعنى دورة مصغرة في مقال” وخطوات عملية للتغيير. وبدأت كتابة أول حلقة من السلسلة التدريبية الأولى و أرسلتها للمجلة, وإذا برسالة من رئيس التحرير يقول لي إن سياسة المجلة تنص على أن يكون المقال بين 400 إلى 600 كلمة, وإني قد تجاوزت ذلك, ويطلب مني أن أختصر المقال!. فاستغربت كثيراً وحاولت إقناعه, لكنه قال هذه سياستنا مع الجميع, ووجدت بعد ذلك صعوبة في اختصار المقال, حيث إني أدرك أن كل جملة هامة جداً, ووفق تسلسل معين لا بد أن يقرأها القارئ كي يستفيد, ووجدت نفسي محصوراً وكأني داخل قالب. هذا مثال بسيط حدث معي, فكيف هو الحال في أغلب مؤسساتنا وشركاتنا و دوائرنا الحكومية؟ تساءلت في نفسي حينئذ: لماذا أصبحنا نقيد كل شيء؟!, صحيح أن القواعد و السياسات ضرورية لسير العمل و انتظامه, لكن نحن من وضع هذه السياسات والقواعد لتعيننا على انجاز العمل بفعالية لا لتعيقنا، لماذا جعلنا السياسات واللوائح تحد من إبداع موظفينا؟ لماذا كلما اتضح لنا أن الأسلوب الذي نتبعه في انجاز عمل ما أصبح غير مجدي أخذنا من اللوائح و السياسات ذريعة لرفض التطور والتحسن في العمل، و تسمع احدهم يقول “لا أدري لماذا نؤدي هذا العمل في هذه المنظمة بهذه الطريقة؟ ليس هناك سبب مفهوم سوى سياسة المنظمة!!”. لماذا كلما جاء مدير أو موظف ما بفكرة رائعة أو بمشروع جديد, رفضناه بحجة عدم توافقه مع اللوائح و الأنظمة!! أليس من باب أولى أن تكون هذه السياسات والقواعد مرنة و ليست جامدة؟ هل الأولى التطور والمزيد من الأفكار الجديدة و الإبداعية أم اتباع اللوائح وعدم الخروج عن السياسات؟ يقول “ماركوس بانجهام وكيرت كوفمان “ في كتابهما الرائع (لكي تكون مديراً جديراً): يبدو أن أوجه الشبه والصفات المشتركة بين أعظم المديرين في العالم قليلة جدا, فهم يختلفون في اللون و الجنس واللغة و العمر والدوافع، وهم يوظفون شخصيات إدارية مختلفة السمات ويركزون على أهداف مختلفة السياسات. ورغم التباين الكبير بين كل المديرين العظماء, فإن بينهم سمات غالبة ومشتركة, ومنها أنهم لا يترددون في كسر القواعد وتغيير السياسات وتجاوز الإجراءات التي درج العرف الإداري التقليدي على إتباعها دون مناقشة أو اختبار. كم من الإجراءات أو القواعد والسياسات التي لا معنى لها ولا فائدة تذكر منها والتي ننفذها أو نمارسها في عملنا الإداري, وأغلبها يكون قد أكل الدهر عليها و شرب؟!!. لا بد لنا أن نفكر بعقل المنطق والمصلحة والإبداع, لا بعقل اللوائح والأنظمة والسياسات، فإذا أردنا أن نحاكي الأمم المتقدمة لا بد أن نجعل لنا مساحة للإبداع و التميز. و أنا لا أدعو هنا لأن يكون العمل عشوائياً و ليس وفق قواعد معينة, بل أدعو إلى الابتكار والخروج عن القوالب الجامدة التي أثبتت الممارسة العملية عدم فعاليتها أو التي تجعل قيوداً على المصلحة العامة. وعلينا أن ندرك بأن الإدارة السيئة يمكن أن تدمر سياسة جيدة, ولا يمكن لإدارة جيدة أن تصلح سياسة دون تغيير تلك السياسة. *باحث ومدرب في الإدارة والتنمية البشرية مستشار التدريب في ديوان عام محافظة إب [email protected]