تحتفل اليمن هذا اليوم بالذكرى الأولى لانتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيساً للجمهورية الذي جاء تحقيقاً لطموحات التغيير تطلع نحوها اليمنييون عشرات السنين وتوجوها بالثورة الشعبية السلمية التي فتحت أبواب الأمل بالتغيير واستدعت المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة ، ونتج عنهما تحديد ال21 من فبراير موعداً لانتخاب رئيس الجمهورية ، اليوم الذي احتشد فيه ملايين اليمنيين من اجل إسدال الستار على العهد الكالح، واختيار العافية لوطنهم الكبير اليمن، وطنهم وبيتهم الكبير لأنهم لا يملكون غيره وليس لديهم الفلل الجاهزة في كندا وأوروبا ، ولا الشقق الفاخرة في القاهرة ومدن الخليج المجاورة كما حال “ النخبة “ المهيمنة الممانعة للتغيير وصاحبة المصلحة الأولى في إعاقة نقل السلطة الذي ضمنته المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة. يعود اليوم فبراير وقد سقطت أعلام الإرهاب السوداء في أبين وشبوة بفضل الشهداء الأبطال وفي مقدمتهم الشهيد سالم قطن الذي دفع حياته ثمناً من أجل هزيمة الإرهاب واستعادة محافظتين يمنيتين من تحت سيطرة أنصار الفوضى والتخريب. يعود اليوم فبراير وقد قطعت اليمن ورئيسها الحكيم الصبور شوطاً كبيراً في فكفكة مراكز القوى في الجيش والأمن والسلطة عموماً إلى حد كبير ، وإضعاف ما تبقى منها ، والذي يحصل من قبل مراكز العرقلة لا يدل على قوة وإنما يدل على اليأس في لحظات الرحيل النهائي ، وهو توثب شبيه بلحظات الاحتضار الأخيرة لدى الميت الذي يستجمع ما تبقى لديه من قوى للتشبث والرغبة بالبقاء. يعود فبراير اليوم وفد ضرب اليمنييون موعداً لمؤتمر الحوار الوطني في الثامن عشر من مارس القادم يوم العزة لشهداء الثورة السلمية الأبرار ، ويوم الخزي والعار للقتلة الذين صوبوا السلاح نحو مواطنيهم الاحرار السلميين فحاقت عليهم لعنة الله والناس اجمعين. يعود فبراير اليوم وقد استعادت اليمن الأمن والاستقرار وانتظام خدمات الكهرباء والماء والنفط والغاز. يعود فبراير اليوم والعالم كله يتكلم بصوت واحد مؤكداً تأييده لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، ومجمعاً على مواجهة المعرقلين الذين سماهم بأسمائهم وحذرهم من مواجهة الإجماع اليمني لأنهم بذلك يواجهون إرادة المجتمع الدولي كله. لم تكن الهزيمة الساحقة للإرهابيين في أبين وشبوة، وإنجاز هيكلة الجيش والأمن إلا عنوانين كبيرين لقائمة طويلة من التحولات التي عاشتها اليمن في ظرف قصير نسبياً. “ عام واحد “ ولكنه كان زمناً فارقاً بحجم الخطوات التي قطعتها اليمن خلاله قياساً بالصعوبات المعقدة التي تكتنف المشهد اليمني حيث تضافرت ثلاثة أوضاع كلها سيئة ؛ على مستوى الأمن والاقتصاد ، مضافاً إليها الأزمة السياسية ، وهي الأزمات الثلاث التي افتعلها النظام السابق في مواجهة الثورة الشعبية. وإذا جاز لنا القول: إن المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة هما برنامج الرئيس عبد ربه منصور هادي فابإمكاننا أن نرصد نجاحاً مشهوداً للرئيس الذي تسلم السلطة في ظل انقسام الجيش وهيمنة مراكز القوى وتغول الإرهاب وانهيار الاقتصاد ، وانشغال معظم القوى السياسية الحزبية بمعاركها الخاصة ، ومثابرة المعرقلين على التخريب وإنتاج خطاب إعلامي يعتمد على الإثارة والشائعات وتأجيج الكراهية والصراع والفتن من كل نوع. إضافةً إلى نجاح السلطة الانتقالية في هزيمة أنصار الإرهاب في أبين وشبوة فقد أنجزت هيكلة المؤسستين العسكرية والأمنية ، وقطعت شوطا كبيراً في تغيير البنية القيادية العليا التي تبوأت مواقعها استناداً إلى معايير القرابة العائلية والقبلية بدلاً من معايير الكفاءة والاقدمية والمؤهلات ، وفي الطريق ينتظر اليمنييون مزيدا من التغييرات وفق الهيكل الجديد للجيش والأمن. فبعد عقود من هيمنة المنظومة العائلية القبلية على مؤسسة الوطن الكبرى بدأ الرئيس الجديد الصاعد إلى الرئاسة من بوابة الثورة الشعبية السلمية والإرادة الشعبية الكاسحة التي عبر عنها اليمنييون في 21 فبراير 2012 ، بدأ الرئيس بتفكيك مراكز الهيمنة بأناة وصبر وحكمة، حتى لا تنفجر القنبلة الموقوتة التي طالما هددوا بها الشعب اعتقاداً منهم أن لا بقاء لليمن من دون هيمنتهم عليها ، ويأتي إنجاز الرئيس في هذا المجال تحقيقاً لأهم بنود اتقاقية نقل السلطة، وانتصاراً لإرادة اليمنيين وتطلعاتهم لإعادة بناء المؤسستين العسكرية والأمنية على أسس وطنية من حيث التكوين وحديثة وفقاً لمعايير الكفاءة العصرية في الجيوش الحديثة. هيكلة الجيش والأمن لا تتم اعتباطاً وإنما بهدف تحويلها من مؤسسات تخدم الهيمنة الفردية العائلية والقبلية على السلطة والثروة إلى مؤسسات وطنية مهمتها حراسة الوطن وأمنه واستقراره، مؤسسات ضامنة لنفاذ الشرعية الدستورية التي تنتجها إرادة الشعب وليس التمثيليات الصورية التي تقام لإضفاء الشرعية على الهيمنة القائمة بواسطة القوة الباطشة الغاشمة والتسلط واختطاف مؤسسات الدولة وتوظيفها لمصلحة الحاكم المستبد والعائلة المهيمنة على الحكم. هذا التغيير الذي يحتفل اليمنييون اليوم بالذكرى الأولى لإنجازه، وما تبعه من خطوات نحو هيكلة الجيش والأمن، وهزيمة أنصار الإرهاب، وإعادة خدمات الكهرباء والغاز والماء والنفط، واستعادة الأمن والاستقرار، والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الذي حدد موعده في الثامن عشر من مارس القادم ، كل ذلك لم يمر دون عراقيل كانت ومازالت تحاول التشبث بالامتيازات المهولة، والمصالح الفردية اللاشرعية المتشعبة كالاخطبوط في كل مناحي الدولة والمجتمع، حيث سخرت السلطة طوال سنوات العهد الكالح لعمل كل ما من شأنه خدمة الفرد المستبد الحاكم وقوى الهيمنة، حتى لو أدى ذلك إلى إلحاق الضرر باليمن وتقويض أمنه واستقراره، وتقليص فرص بقائه ككيان موحد ووطن يتسع لكل أبنائه. من هنا كانت محاولات إرباك الرأي العام شغالة بشكل حثيث ومثابر ومنتظم ، وتزامنت طوال العام الفائت مع كل جهد يبذل للتمهيد للحوار الوطني ومع كل خطوة تتم لهيكلة الجيش والأمن ، وفي مواجهة كل جهد يبذل لإعادة انتظام خدمات الكهرباء والنفط والغاز ، وهي محاولات يائسة تتدرج من الحملات الإعلامية المنضمة من قبل الإعلام المضاد، وحتى الفعل المباشر بتفجير أبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز. ومع كل ذلك تمكنت الدولة من إعادة الكهرباء إلى وضع أفضل بكثير من وضعيتها خلال العقد الماضي، وكافحت سلطات الدولة لتأمين كل الخدمات الأمنية والمعيشية للمواطنين في وقت حاول المخربون اليائسون مسابقة الزمن لتعطيل كل جهد وتخريب كل مصلحة عامة للشعب الذي ينتسبون إليه والبلد الذي احتضنهم وصنعهم وترعرعوا وأكلوا وشربوا وكبروا من خيراته وفي ربوعه. وفي بعض الأحيان أدت هذه الحملات المنظمة إعلامياً وتخريبياً إلى تشويش الرأي العام المتحفز والباحث عن تغييرات سريعة جداً، ويغيب عنه التراكمات التي تحصل يوميا ، إذ إن التغيير هو عملية تراكمية متواصلة لم تتوقف لحظة منذ 21 فبراير 2012. لقد سقط مشروع التوريث والتأييد إلى الأبد، والأهم من ذلك ونتيجة لسقوط هذا المشروع فقد تأكد أن اليمن لا يمكن أن تُحْكَمْ بالطريقة التي كانت تدار بها قبل الثورة الشعبية السلمية. وتمت هيكلة الجيش، ويستعد اليمنييون لرسم الإطار العام لدولتهم المدنية الحديثة في مؤتمر الحوار الوطني. هذا هو طريق الشعب الذي دشن يوم 21 فبراير 2012، أما الغاوون الذين اعتقدوا أن اليمن ملكهم الشخصي فلا مجال للمضي في طريقهم التدميري، ومن يفعل ذلك يكون قد اختار التجديف ضد التيار ، والمشي ضداً على المصلحة العامة لوطنه وشعبه، وهو طريق مآله الفشل والخسران.